إلا أن الكثير من هذه المنحوتات والنصب ماتزال شاهدة على عبقرية فنان عشق حضارة أرضه فتمثلها نهجا ورسالة لفنه.
يعد الفنان نشأت رعدون الذي نما وترعرع في مدينة أفاميا العريقة أحد أبرز الفنانين النحاتين في سورية، وقد استطاع أن يمزج في فنه بين المخزون الفكري والثقافي وبين مقدرته الإبداعية، وكانت باكورة أعماله تمثال الكادح الذي يشهد موهبة حقيقية وولادة فنان أصيل يمتلك أدواته بحرفية عالية.
وفي معرضه التشكيلي الذي افتتحه د. إحسان العر رئيس اتحاد الفنانين التشكيليين في صالة الرواق «قاعة لؤي كيالي» في العفيف، قدم رعدون عشرين لوحة من القياس الكبير كونه اعتاد أن يتعامل مع النصب التذكارية فكان تأثره واضحا في هذا الأمر إضافة إلى تمثال امرأة يبرز فيها مفاتن المرأة إضافة إلى تحميلها الكثير من المعاني الإنسانية من العطاء والحب والخصب والذكاء الذي تبدو ملامحه آسرة في ذاك اللون الوردي العابق بالفرح والتفاؤل والأمل بالقادم من الأيام.
قدم صاحب رواية «عودة الموناليزا» في معرضه تجربته وتأثره بالمدرسة السوريالية التي ميزت تجربته التشكيلية وبدوره يجد أن هذه الطريقة هي الأقرب إلى روحه، ووسيلته في ذلك الألوان الزيتية الهادئة التي تعكس شخصيته، ويعترف بأن كل لوحة هي جزء من شخصيته وتحمل حالة يعيشها أو تأثر بها أو كانت تنبع من داخله ليحكي وجعا آلمه أو عشقا ألم به.
وهو يحدثنا بفرح كيف استطاع أن يحول حالة سقوط أصابته إلى لوحة تعصف بها الألوان لتفشي ألما ودوارا أصابه، ولكن حتى هذه اللحظات استطاع أن يقبض عليها لتتحول إلى لوحة فنية رائعة.
وذاك الوجه لامرأة جميلة، يمثل سورية وكيف كانت هي الهدف وكيف تكالب عليها الغزاة وحاولوا النيل منها، عبر عن ذلك بطريقة جمعت بين حزنه على ما آلت عليه الحال وبين رسالة يحملها كفنان يوثق للحظة الراهنة بأمانة وموضوعية.
ويفخر بأن حفيدته الصغيرة أهدت إليه لوحة تمثل عطاء الأم وخصبها ليحولها إلى واحدة من إيقوناته التي تحمل تلك الروح الطفولية الرقيقة واقترابه من عالم البراءة الذي يمنحنا الأمان.
وعن توجهه من النحت إلى الرسم قال صاحب النصب التذكاري «الوطن والأم» لم يكن الأمر طوعيا بعد أن دمرت العصابات المسلحة ورشته التي كان يعمل بها في منطقة عربين بالغوطة الشرقية، فما كان منه إلا الانتقال إلى مرسمه في دمشق وهو صغير لايصلح للأعمال النحتية.
ولايخفي تأثره بمسقط رأسه «أفاميا» حيث التماثيل الضخمة التي تنتمي إلى حضارة عمرها آلاف السنين، وبرأيه أنها ملهمة الفنانين جميعا ممن نشؤوا في هذه البيئة الغنية بإرثها التراثي الثقافي والإبداعي.
أما في رسوماته فهو ينتمي للمدرسة الواقعية في جزء منها والسوريالية في بعضها الآخر متأثرا بالحضارات القديمة السورية والفرعونية القديمة، والقاسم المشترك بينها تلك الألوان الهادئة التي تعبر عن طبيعته الهادئة ورومانسيته في طرح أفكاره، ومايميزه عشقه للخروج عن المألوف بشكل فني فرض وجوده في الساحة التشكيلية السورية بقوة، جمع فيها كنوزه البصرية مع كل لحظة من حياته.
أما عن أعماله النحتية فتجاوز عددها 73 تمثال بورتريه لشهداء حرب 1967 وشهداء العام 1973 وكثير منها تعرض للتحطيم على يد الجماعات المسلحة، ويقول «النصب هو سجل للتاريخ يختصر مسافات طويلة» ويتضح ذلك في نصب «بناة السد» الذي صنعته قرب سد الطبقة ومثلت فيه طبقات المجتمع السوري كافة التي ساهمت ببناء هذا السد العظيم، لكن الإرهابيين دمروا هذا النصب إلى جانب 16 عملا نحتيا دمروها في غير مكان.
وللفنان أيضا باع في عالم الشعر والرواية ومن رواياته «عودة الموناليزا، أطياف الأميرة نرسيسة، يوم انهار السد» وله ديوان شعر بعنوان «سأموت مبتسما».