هذه التجربة هي الدليل على عدم فعالية المبيد الذي يُوزع من قبل المراكز الزراعية التابعة لاتحاد الفلاحين في المحافظة، فهناك الكثير من الأمور والقضايا المتعلقة بموضوع المبيدات الحشرية والفطرية والأسمدة، ومنها:
مصدرها، فعاليتها، طريقة استخدامها، أثرها على صحة الإنسان والبيئة في ظل تضاعف حالات الإصابة بالجلطات القلبية والسرطانات في المناطق الزراعية حيث يكثر استخدام المبيدات والأسمدة الكيماوية. وأخيرا دور الجهات الزراعية الموجودة في المحافظة، بدءا من الجمعيات الفلاحية والإرشاديات الزراعية وصولا إلى مديرية الزراعة وغرفة الزراعة واتحاد الفلاحين. وقد لا نفي الموضوع حقه نظرا لتشعبه وارتباطه بعدة جهات، ورغم أهميته في محافظة كحمص ترفد السوق المحلية بمنتجات مهمة كاللوز والعنب والتفاح والزيتون، فإنه يعاني الإهمال!
المزارعون: نفضل شراءها من الصيدليات
أكد عدد من المزارعين الذين التقيناهم أنهم يفضلون شراء الأدوية الزراعية من الصيدليات الزراعية المنتشرة في المدينة والريف. وفي أغلب الأحيان يفضلون الأدوية الأجنبية، رغم علمهم أنها قد تكون دخلت بطريقة غير نظامية (تهريب) كما أنهم يلقون اللوم على الجهات المعنية لأنها لا توفر المبيدات والأسمدة المطلوبة في وقتها ولكل موسم زراعي.
فقد أكد أحد المزارعين من قرية الكيمة في منطقة وادي النضارة بريف حمص أنهم يذهبون إلى قرية الحواش أو المزينة، ليشتروا ما يلزم مزروعاتهم (تفاح وزيتون) من مبيدات وأسمدة والمركز الزراعي الموجود في قريتهم لا يؤمن لهم أي مبيد أو سماد، بالإضافة إلى أنهم يضطرون للرش أكثر من مرة للحصول على موسم جيد، وذات مرة سجلوا لدى المركز الذي أمّن السماد في وقت متأخر أي بعد فوات الأوان.
وبيّن مزارع آخر من بلدة فاحل أن المركز وعدهم بتوزيع مصائد فورمولية لكنهم لم يحصلوا عليها، والمبيدات الموجودة في المركز على قلتها لا تفي بالغرض، ولا تغنيهم عن الشراء من القطاع الخاص..!!
وأشار مزارع آخر من بلدة القبو إلى أن المركز الموجود في البلدة لا يوفر أي مبيدات فهو موجود بالاسم فقط فهو وكما يقال: متل قلتو..!!
في الصيدليات الزراعية
أوضح المهندس (ف-ح) وهو صاحب صيدلية زراعية في أحد أحياء مدينة حمص أن أغلب الصيدليات الزراعية الموجودة في محافظة حمص (مدينة وريف) غير مرخصة - وكما يحصل في صيدليات الأدوية البشرية، فإن الموجودين فيها قد لا يكونون مهندسين زراعيين مع أن مهمة الصيدلية المختصة بالأدوية البشرية أسهل بكثير من مهمة الصيدلية المختصة بالأدوية الزراعية، فالأولى تصرف الدواء حسب وصفة الطبيب، بينما تتعدى مهمة الصيدلاني الزراعي صرف الدواء إلى إرشاد المزارع، وتقديم النصح له بالمبيد المناسب للآفة الحشرية والخاصة بكل محصول، وشرح طريقة الاستخدام، والنسبة المطلوبة والضرر الناجم عن زيادتها.
وأضاف المهندس (ف- ح) من الضروري أن يكون الموجود في الصيدلية الزراعية مهندسا زراعيا يتمتع بالخبرة والمعرفة، وليس متاجرا بالأدوية الزراعية، وأن تخضع الصيدليات للمراقبة الشديدة. بالإضافة إلى أن الأدوية الزراعية وخاصة تلك المستوردة لا تُخزن ولا تُعبأ، وقد تفقد فعاليتها خلال الوقت الذي تقضيه الجهة المستوردة للحصول على الموافقات والتخليص الجمركي، وغيرها من القضايا الأخرى التي يحكمها الروتين. لذلك فإن الحل الأمثل التوجه نحو المكافحة الحيوية للآفات الحشرية، والزراعات العضوية حتى ولو استغرق هذا الموضوع وقتا طويلا، لأننا في نهاية المطاف سنحصل على منتج زراعي صحي لا يؤثر على صحة الإنسان، ولا يسبب له الأمراض التي تظهر فيما بعد، وما يثير القلق أن أغلب أصحاب الصيدليات الزراعية، أو مراكز بيع الأدوية الزراعية تحولوا إلى تجار همهم الوحيد تحقيق الربح المادي. مع الأخذ بعين الاعتبار احتمال كبير لممارسة الغش عن طريق التلاعب بنسبة المادة الفعالة.
ورأى مهندس زراعي آخر وهو موظف في إحدى إرشاديات الريف أنه خلال سنوات الأزمة ازداد معدل دخول أصناف عديدة من الأدوية والمبيدات الزراعية عن طريق التهريب، وهذا الموضوع أثر بطريقة مباشرة على سمعة منتجاتنا الزراعية ما أدى إلى رفضها من قبل الأسواق الخارجية.لأنها باختصار غير صحية، والأمثلة كثيرة على ذلك.
زراعة حمص
ردا على سؤال عن ماهية عمل الصيدليات الزراعية وتقصير الجهات المعنية بترخيصها ومراقبتها، أكد المهندس نزيه الرفاعي مدير زراعة حمص أن المديرية ومن خلال دائرة الوقاية (شعبة المبيدات) تختم عبوات الأسمدة والمبيدات والبذور المستوردة، ومنها حصة محافظة حمص وقد ختمت مؤخرا 186,698 عبوة، كما نظمت من خلال الضابطة العدلية الموجودة لديها ثلاثة ضبوط بحق صيدليات زراعية مخالفة.
وأضاف الرفاعي: إن عدد مراكز تداول وبيع الأدوية الزراعية في حمص (93) مركزا، بالإضافة إلى ست شركات لاستيراد الأسمدة والمبيدات، وهي أي الزراعة تراقب هذه المراكز، لكنها وخلال جولات المراقبين عليها يُفاجأ أن أغلبها مغلق وعندما يسأل المراقبون عن سبب إغلاق مركز ما تكون الحجة جاهزة: ذهب فلان لشراء حاجة من السوق، أو أي سبب آخر يستوجب الإغلاق، والسؤال هنا: إذا كان عمل هذه المراكز نظاميا ومحتوياتها نظامية فلماذا التهرب من مراقبي الزراعة؟ - فمديرية الزراعة في هذه الحالة كالزوج المغفل آخر من يعلم..!! وهذا دليل على أنها غير مرخصة أصولا.
سبعة مراكز لاتحاد الفلاحين...
أشار رئيس فرع اتحاد الفلاحين بحمص يحيى السقا إلى أنه لدى الاتحاد مراكز زراعية موزعة في المحافظة وكان عددها (11) مركزا قبل الأحداث التي شهدتها المحافظة، تقلص العدد إلى سبعة مراكز موزعة في: شين - الكيمة - الجويخات - فاحل - رباح - حدية - كفرام، يشرف عليها مهندسون زراعيون يبيعون الأدوية الزراعية في المناطق التي يتبع لها كل مركز.
أما عن سبب لجوء المزارعين إلى الشراء من القطاع الخاص فقال السقا: لأن الأسعار في مراكز القطاع الخاص أدنى منها في المراكز التابعة للاتحاد، وذلك بسبب حصول القائمين عليها على الأدوية المهربة الموجودة في السوق السوداء بأسعار منخفضة، وبالتالي يبيعونها بأسعار منخفضة للمزارعين، بينما يلتزم الاتحاد الشراء من الشركات المحلية (دبانة وآغريبيس وغيرها)، ويلتزم الاتحاد بدفع ضريبة وعمولة للاتحاد العام ما يسهم برفع سعر الأدوية، كما أن القطاع الخاص وفي أغلب الأحيان يبيع المزارعين بالتقسيط، أو على الموسم ما يجعل المزارعين يلجؤون إليه نتيجة ضعف قوتهم الشرائية.
وبخصوص دور الاتحاد في الحد من انتشار الأدوية المهربة في السوق المحلية قال السقا: من خلال تأمين المبيدات والأسمدة في الأوقات المحددة لاستخدامها، وبأسعار منافسة للقطاع الخاص، والشراء من المستورد الأساسي والشركات الموثوقة، والبيع للمزارعين بالتقسيط ليتمكن المزارعون من الرش في الأوقات المحددة ما ينعكس إيجابا على الإنتاج وبالتالي إمكانية تسديد الأسعار. لذلك فإن من ضمن خطة الاتحاد افتتاح مراكز جديدة لبيع الأدوية الزراعية في مناطق جديدة، والبحث عن مصادر موثوقة وبأسعار معقولة.
وعن أثر الأدوية على صحة المزارعين والمستهلكين والبيئة رأى رئيس اتحاد الفلاحين أن الحل يكون باعتماد أدوية من نوعية لا تترك أثرا متبقيا، وتشجيع العمل بالمكافحة الحيوية كبديل صحي عن استخدام الأسمدة والمبيدات.
لنقابة المهندسين الزراعيين رأيها
بعد عرض الخطوط العريضة لموضوع الأدوية الزراعية على نقيب المهندسين الزراعيين في حمص المهندس معين الصالح، ألقى اللوم على المزارع الذي لا يلجأ إلى الوحدة الإرشادية الموجودة في منطقته، لاستشارة مهندس زراعي بتحديد الآفة ونوعية المبيد المناسب لها ومعرفة طريقة الاستخدام الصحيحة، مشيرا إلى استغلال حاجة المزارع في الفترة السابقة من قبل ضعاف النفوس، أما الآن فيجب على المزارعين شراء الأدوية من مراكز مرخصة، ويمكنهم التأكد من موضوع الترخيص بوجود ختم مديرية الزراعة، ولصاقة نقابة المهندسين الزراعيين على عبوة المبيد، وأضاف بأن من مهام الإرشاديات الزراعية من خلال كوادرها المختصة، القيام بندوات ودورات تدريبية لتوعية المزارعين، بكل ما يخص موضوع الأدوية الزراعية. وإلا فلماذا سميت (إرشاديات زراعية)..؟
بينما نفى رئيس غرفة الزراعة المهندس أحمد كاسر أي علاقة للغرفة بموضوع الأدوية الزراعية. والغريب بالأمر أن الغرفة وضمن ملاكها لديها لجنة أسمها لجنة المبيدات...؟
الآثار السلبية على الصحة العامة
رأى الدكتور رامز رستم الحاصل على دكتوراه في الأدوية البشرية أن تأثيرات المبيدات الحشرية، التي تُرش على المزروعات، وهو ما يعرف بالثمالة الكيميائية أو الأثر المتبقي، لا تظهر مباشرة إلا إذا كانت كمياتها كبيرة، واستخدامها خاطئا، ويكون تأثيرها الفعلي حتى لو استخدمت بطريقة نظامية تراكميا، لأنها قد تبقى في جسم الإنسان دون أن يتخلص منها لعدة سنوات، فتتجمع ويظهر التأثير بعد ذلك فجأة لأن التركيز يصبح سميا مع الوقت، وبالنسبة للمستهلك فإنه يتعرض للتأثير السلبي للمبيدات عن طريق تناول المنتجات الزراعية (خضار وفواكه)، لم يمض الوقت الكافي لتتحلل بفعل عوامل الطبيعة، إذا افترضنا أن الكمية المستعملة في الرش مدروسة بعناية ودقة، وهنا تقع المسؤولية على عاتق المزارع، الذي يخاف من تقلبات الأسعار، أو بهدف الحصول على موسم جيد، يجني المنتج قبل الأوان الموصى به بعد استعمال المبيد أو السماد، ويزداد الطين بلّة عندما يكون المبيد مهربا، فإذا ضاعف المزارع الكمية في هذه الحالة لتحقيق نتيجة أفضل للمكافحة فإن الأثر المتبقي يكون مضاعفا مقارنة بالطبيعي وهو لا يزال ضمن المدة الموصى بها بعد الرش، ويتراكم تحت قشور الثمار، ويبقى لفترة طويلة حتى الاستهلاك، ويمكن أن يتغلغل في بنية الثمار فيسبب أذية كبدية سمية، وربما تظهر بعض الأورام على المدى الطويل.
ويضيف رستم: المشكلة تكمن في أن التأثيرات غير مرئية ولا تدرك الجهات المعنية أهمية الموضوع، وكذلك المستهلك، وهي تتطلب وعيا جمعيا وصحيا، ويكون الحل بتبني جهات محددة موضوع بيع وطرح المنتجات الزراعية في السوق، على أن يتم فحص المنتجات فحصا دقيقا وشفافا، ويخضع لقوانين صارمة ومساءلة قانونية في حال المخالفة، وهو صعب التطبيق لأن كلفة الفحص والمراقبة ستتضاف على الأسعار التي تفوق قدرة المواطن الشرائية، فالمطلوب من كل الجهات المعنية فرض رقابة شديدة على المبيدات والأسمدة، وإقامة ندوات توعية للمزارعين باستمرار.