وتعيين رئيس الوزراء البلجيكي هيرمان فان رومبوي كأول رئيس للاتحاد الأوروبي لمدة كاملة والبريطانية البارونة كاثرين اشتون كمسؤولة عن سياسته الخارجية يترك دور الاتحاد الأوروبي الدولي وصورته بيد شخصيتين لا تملكان خبرة في الشؤون الدولية العالية المستوى. إنهما خياران يناقضان مناقشات قادة الاتحاد الأوروبي على مدى سنوات حول أهمية التخطيط لأجل تأثير جمعي للاتحاد الأوروبي حول العالم.
في حالة الليدي اشتون كانت خيار اللحظة الأخيرة بدعم من اعتبارات التوازن السياسي ضمن دول الاتحاد الأوروبي السبع والعشرين، فقبل ساعات من تعيينها لم تكن تدرك ذلك ،وقد منحت هذا المنصب، قبل أي شيء، بسبب حاجة المملكة المتحدة للتعويض عن ضياع الطموحات الرئاسية لتوني بلير رئيس الوزراء السابق، ولأنها حصلت على موافقة الأحزاب الاشتراكية في أوروبا التي طالبت بمنصب السياسة الخارجية لعضو من أسرتها السياسية.
وهذا لا يعني أن السيد فان والليدي اشتون يفتقدان للموهبة، فكما قالت أنجيلا ميركيل المستشارة الألمانية: (أنا واحدة من أولئك المؤمنين بأن الشخصية تنموبالعمل) والسيدة ميركيل مثال جيد، فهي ابنة قس لوثري، أمضت سنوات تكوينها في ألمانيا الشرقية بعيداً عن الأضواء والآن أضحت حاكمة لأكبر دول أوروبا.
ولكن هذه التعيينات تفترض أن أوروبا لا تتكيف بسرعة كافية مع التغيرات العميقة في النظام الدولي الذي يخفف من تأثيرها بشكل لا يرحم. وأوروبا ليست غافلة عن هذه المشكلة، فعندما عرض خوسيه مانويل باروسو رئيس المفوضية الأوروبية الخطوط الأساسية لسياسته لأجل المفوضية التالية قال: (إنها لحظة حقيقية بالنسبة لأوروبا وينبغي على أوروبا الإجابة على سؤال حاسم وهو هل نريد القيادة وصياغة العولمة بناء على مبادئنا ومصالحنا أم إننا سنترك المبادرة للآخرين ونقبل النتائج المصاغة من قبلهم؟ البدائل واضحة ويجب القيام باختيار صارم، فإما أن يقبل الأوروبيون مواجهة التحدي معا أوالانزلاق تجاه اللا ارتباط)
التشخيص التاريخي الأوروبي هو كالتالي: بين عامي 1500 و1900 سيطرت أوروبا الصاعدة على العالم مع امتلاك اسبانيا وبريطانيا وفرنسا لامبراطوريات كبيرة عبر البحار.
قضت الحربان العالميتان على سيادة أوروبا وقسمتها بين غرب بقيادة الولايات المتحدة وشرق تحت سيطرة سوفييتية.ولقد كشفت الحروب عن القوة المهلكة الكامنة في القومية الأوروبية وشقت الطريق تجاه تجربة السيادة المشتركة المتمثلة في الاتحاد الأوروبي.
عام 1989 منح سقوط الشيوعية فرصة لا تفوت لدفن الانقسامات الأوروبية للأبد. ولكن الآن تدفع العولمة العالم إلى عصر سياسات القوة العظمى الخالية من المشاعر. وفيه يجب أن تعمل دول أوروبا معاً لتجنب وضعها جانباً من قبل البرازيل والصين والهند وروسيا والولايات المتحدة وهلم جرا.
ويكمن علاج الاتحاد الأوروبي في معاهدة لشبونة التي تضم إصلاحات تهدف لتعزيز تماسكه وتحسين تأثيره العالمي. ومن بين البنود الرئيسية للمعاهدة خلق رئاسة كاملة الوقت، لتحل مكان الرئاسة المتداولة كل ستة أشهر بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، وتعيين مسؤول في السياسة الخارجية بنفوذ مماثل لذاك الذي تمتع به خافيير سولانا الشاغر لهذا الموقع منذ 1999.
ووفقاً للنقاشات التي سبقت هذه الترتيبات كان من الواضح أن معظم الحكومات تفضل رئيساً غير معروف وحاصلاً على الإجماع عوضاً عن رئيس تنفيذي قوي واضع للسياسات وهذا التفضيل تجلى في اختيارهم للسيد فان رومبوي عوضاً عن بلير.
ويبدو من الصعوبة بمكان أن يتفاوض السيد فان رومبوي بشكل ندي مع أمثال باراك أوباما وهوجينتاو رئيسي الولايات المتحدة والصين. ليس فقط لأن تجربته محدودة جداً، وليس فقط لأن إطار عمله مرسوم بشكل ضيق جداً، ولكن أيضاً لأن عليه أن يتشارك المنصة مع السيد باروسو والليدي اشتون.
فبالنسبة لليدي اشتون ستكون من حيث المبدأ في موقع أكثر قوة، فهي ستسيطر على الميزانية البالغة مليارات مضاعفة من اليورو وموظفون يصلون إلى عدة آلاف عبر العالم. ووفقاً لاتفاقية لشبونة فإنها ستقود سياسة الاتحاد الخارجية والأمنية المشتركة.
ولكن مع عملها يوجد لقب نائب رئيس المفوضية، وفي هذا السياق ستكون هناك مناسبات تذعن فيها لأوامر السيد باروسو. والأكثر من ذلك أن توصيف العمل في اتفاقية لشبونة يخفي حقيقة أن السياسة الخارجية ستبقى مسألة اتفاق آراء بين الحكومات السبع والعشرين.
ربما الفائز الحقيقي هو حكومات الاتحاد الأوروبي ومجموعات الأحزاب السياسية القومية ويمين الوسط ويسار الوسط، المسيطرة على البرلمان الأوروبي، لقد أدلى قادة قوميون بأصواتهم لاختيار اثنين لشغر منصبين جديدين بحيث لا يتفوقان عليهم، واختياراتهم تأثرت بشكل كبير بمتطلبات المجموعات الحزبية. ومن المستبعد أن يكون بقية العالم قاصراً عن فهم هذه الرسالة.