النسخة الفرنسية من المذكرات كانت مليئة بالأخطاء والمقاربات لذلك يعاود الفرنسيون اليوم إصدارها من جديد بدقة وإحكام وتحت عنوان مذكرات حرب بين عامي 1919 - 1941.
يصدر المجلد الأول من 650 صفحة.
« سوف تبدأ الحرب دون شك» بهذه الكلمات يبدأ غورينغ مداخلته النقدية بالحديث عن دخول تشرشل إلى وزارة الحرب البريطانية في الثالث من أيلول عام 1939 بعظمة وغطرسة وهو في الخامسة والستين من عمره، وكانت تلك المعركة الأخيرة والأهم في حياته وبالطبع أغنت مذكراته بحيوية وقوة.
المجلد الثاني من هذه المذكرات سيصدر في ربيع 2010، وسوف يظهر تشرشل كما هو مزمجراً ثرثاراً وماكراً ومنذ بداياته عمل على الاحتفاظ بكل شيء، برسائله المطولة و التقارير والوثائق، وانطلاقاً من هذه المواد الضخمة أراد أن يبني مؤلفه الكبير خلافاً للجنرال ديغول الذي كتب مذكراته منفرداً في مكتبه بقريته لابوازي، بينما تشرشل عمل مع فريق متكامل.
فرانسوا كيرسوري الذي قام بتحضير النص وتقديمه و إعداد هوامشه والتعليق عليه يبين بوضوح الفوارق والنقاط المشتركة بين الرجلين اللذين يعيان معنى التاريخ بشكل كبير، إذ ساهما في صنعه. وحول ذلك يقول: لدى الرجلين الفهم الحدسي ذاته لمعنى التاريخ والشعور الوطني المتعالي والرؤية ذاتها، والحاجة لتبرير الفعل والهم نفسه لإنجاز عمل تاريخي وطريقة الولوج إلى تاريخ البلاد، كما كان الأمل متماثلاً لعودة قريبة إلى السلطة.
لكن في الوقت الذي كان ديغول فرنسا الكبير يكتب من مكتبه متأملاً الآفاق الواسعة والمنهكة الحزينة لمنطقته اللورين كان تشرشل الضخم يعيد كتابة التاريخ من وسط سريره المحاط بالوسائد وطيوره المفضلة من فصيلة الببغاء وقطته وكلبه الوفي، وأحياناً كان يأخذ موافقة الناشر ليذهب على حسابه الخاص برحلة إلى مراكش أو إلى الشاطىء اللازوردي في فرنسا.
طبعاً المذكرات ليست بالكامل من كتابة تشرشل لكنه وقع عليها والمؤلف هو من أعد الإخراج والعبارات الصادمة والكلمات الطيبة والتي لاتخلو بشكل أو بآخر من التزييف، ومن بعض أقوال تشرشل فيها: «المتعصب هو شخص لايريد أن يغير رأيه ولايريد أن يغير الموضوع، أما الوفاقي فهو شخص يغذي تمساحاً آملاً أن يكون آخر من يأكله، وهناك جمل تؤثر بالقارىء بشكل مباشر لما فيها من ذكاء وحنكة كقوله: وهكذا تقوى النية السيئة لدى الخبثاء عندما يضعف ذوو الأخلاق الحميدة».
لقد نال تشرشل جائزة نوبل للآداب عام 1953 لقدرته على الوصف التاريخي والبيوغرافي (السيرة الذاتية) وبلاغته الرائعة في الدفاع عن القيم الإنسانية السامية.
وقد ساهم في إعادة الصياغة أكثر من عمله في التأليف وكان رئيساً لاوركسترا حدد فيها نغم التاريخ ليستدير في نهاية اللحن باتجاه الجمهور وبيده كأس من الشمبانيا وفي فمه السيكار.
وبعد سبع سنوات من العمل بدا تشرشل راضياً عندما صدر كتابه في بريطانيا العظمى عام 1959 وكان النجاح كبيراً بمستوى مشروعه الضخم، وفي ذلك الوقت الذي أنهى كتاباته بدأ ديغول كتابة مذكراته لكن بطريقة مختلفة تماماً.
ديغول كان ميالاً إلى السيرة الذاتية بينما تشرشل استقى من الصندوق الكبير الذي وضع فيه التقارير والوثائق والمراجع الخاصة، ولم تخل كتاباته من روح الدعابة ليحول المزيف إلى حقيقة وبينما كان شارل ديغول يكتب موشحاً خطابياً كان اللحن جنائزياً مظفراً لدى تشرشل.
وللرجلين منذ ولادتهما موهبة التأليف ولم يشك أي منهما بالمصير الذي آل إليه، لقد تميز تشرشل بأسلوب ماهر في العبور من سجل إلى آخر وقد استهوى الكثيرين، و في لحظة من التواضع أسّر إلى أحد الشبان بالقول: نحن جميعاً ديدان ليلتفت إلى إحدى السيدات التي اغتاظت وقلقت مما سمعت ليقول لها: لكن أعتقد بأني دودة براقة.
نوفيل اوبسرفاتور