نشأت هذه الإشكالية عن كون النص الدرامي يكتب من أجل تجسيده على المسرح و بهذا يكون مكوناً من عملية فنية جمالية متعددة المستويات و ليس بنية جمالية أو أدبية قائمة بذاتها.
رغم هذه الإشكالية التي عبرت عن نفسها في التنظيرات المسرحية فإن الدراما بقيت إنتاجاً أدبياً يتميز عن غيره من الأنواع الأدبية من حيث الأسلوبية، البنية و طريقة القراءة.
معظم النظريات التي تناولت النص الدرامي سعت في الحقيقة إلى تكريس طريقة لقراءة هذا النص. و رغم الاختلاف و التباين بين تلك النظريات إلا أنها انطلقت جميعها من كون النص الدرامي هو في الأساس لغة. غير أن تجربة قراءة النص الدرامي لا يمكن أن تتحقق على المستوى اللغوي فقط بل أنها تتطلب من القارئ خبرة مسرحية من نوع ما. يعود ذلك إلى أن عملية قراءة الدراما تحيل إلى مرجع خارج النص و هو خشبة المسرح. و قد أكدت العديد من الدراسات أن الدلالة و المعنى في الدراما لا تتولد عن العلامات اللغوية فقط بل عن عملية إضافية خاصة بالدراما و هي تخيل النص ممسرحاً. و عملية التخيل هذه تخضع لشروط علاقة القارئ بالمسرح و بشرطه التاريخي. و من هنا يمكن القول أن عملية القراءة ذاتها تتأثر بالصيغ و الأساليب المسرحية السائدة في فترة ما.
قراءة النص الدرامي في هذا السياق هي قراءة في جملة من العلاقات المعقدة ضمن النص. المستوى الأول من العلاقات هو الشكل الخارجي للنص. هناك كتلتان لغويتان متمايزتان: الحوار و إرشادات و تعليقات المؤلف السردية. أما المستوى الثاني فهو جملة العلاقات البنيوية التي تحددها شروط الكتابة المسرحية في عصر ما وفق الأعراف والحساسيات السائدة. وما يميز هذا المستوى هو أنه يرتبط بشكل جوهري بالخبرة والثقافة المسرحية للقارئ، وهنا تحديداً يمكن تمييز إحدى النقاط التي تتقاطع فيها الخصوصية اللغوية-الأدبية للنص الدرامي مع مرجعيته الحتمية، أي تجربة العرض المسرحي.
لقد أشارت بعض الدراسات البنيوية و السيميائية إلى أن الأسلوب الذي يتبعه الكاتب في تقطيع نصه له دلالات متعددة. فعندما يعمد النص إلى مخالفة التقليد أو المتوقع، فهو يحول الانتباه إلى الخصائص البنيوية و طريقة تشكل النص الدرامي.. مثال على ذلك نص في انتظار غودو لصموئيل بيكيت. يقطع بيكيت نصه إلى فصلين. من الناحية البنيوية يمكن أن نتوقع بشكل مسبق أن الفصل الأول يعرض لتطور حبكة و صراع يصل في نهاية الفصل إلى الذروة بينما تتم حل العقدة و انحدار خط الصراع في الفصل الثاني وصولاً إلى نهاية أو حل. غير أن ما يحدث في النص هو أن بيكيت يقدم لنا بنية دائرية حيث لا يتطور أي حدث درامي مما يخيب توقعاتنا. في نص بيكيت يلعب كل فصل كمرآة للفصل الآخر بحيث كل فصل يستمد شكله و منطقه من الآخر.
تعتبر هذه القراءة لنص بيكيت الشهير أحد النماذج الكلاسيكية في التأكيد على التجربة الحديثة في الكتابة المسرحية التي أعادت توظيف العناصر البنيوية الخارجية للنص التقليدي في سياق دلالي جديد ومغاير. وفي هذه العملية ينجز النص الحديث قراءة تفكيكية للنموذج القديم من جهة، و يعيد للشكل اعتباره كمكون من مكونات المعنى، وليس مجرد حامل له. ولقد قامت تجربة الحداثة في الكتابة المسرحية الأوربية على هاجس القطع المعرفي مع النماذج الدرامية التقليدية وكانت شغوفة منذ ألفرد جاري ولويجي بيرندللو بنزعة تدمير ثقافة القالب الدرامي التي شكلت عبر قرون من عمر الثقافة المسرحية خلفية عامة وموحدة لكل التراث المسرحي.
وفي هذا السياق يمكننا العودة إلى فكرة علاقة النص الدرامي كبنية لغوية بالتجربة المسرحية للقارئ، أي بثقافة العرض المسرحي في الزمان والمكان. ذلك أن فكرة القالب المسرحي الذي يفرض نفسه على شكل شروط وأعراف للكتابة لا يمكن لها أن تتحقق عملياً إلا عبر تراكم الخبرات المسرحية. وبالنسبة للقارئ تحديداً، فإن عملية إدراكه للقالب أو للنموذج لا يمكن أن تتكامل إلا عبر العملية التخييلية التي يربط فيها بين لغة النص وبين إمكانيات واحتمالات تجسد تلك اللغة على الخشبة.
وفي واحد من المحاور الجديدة في الدراسات المسرحية، يركز النقاد المعاصرون على تطورات وإنجازات الكتابة المسرحية المعاصرة. ووفق المقاربات الجديدة لواقع الكتابة المسرحية عموماً يرى الكثيرون أن هناك تراجعاً ملحوظاً في قدرة الكتابة لدى المسرحيين المعاصرين على إنتاج بنى جمالية جديدة قادرة على التعبير عن حساسية متمايزة أو عن لغة جديدة، كما هو الحال في الرواية المعاصرة مثلاً. ويعود السبب في ذلك وفق العديد من الدراسات إلى التراجع في مركزية ثقافة العرض المسرحي. فمنذ أن تراجعت الظاهرة المسرحية إلى هامش الحياة الثقافية في العالم عموماً نتيجة لسيطرة ثقافة الصورة، حدث خلل في تلك العلاقة بين اللغة الدرامية وتجربة العرض المسرحي. إن هذه العلاقة القائمة على تجربة القارئ في التخييل التي تهدف إلى إنجاز قراءة النص قد أفقدت الكاتب المسرحي الكثير من مساحات التجريب والاكتشاف.