واتجاهات عديدة عبّرت عن معاني انتمائه الأدبي، فتنوعت عواطف الشاعر حتى تجاوزت الخاص، ليقف عند محرق ما زال يشغل ساحتنا السياسية والأدبية الثقافية. في ديوانه الأخير الذي صدر عن دار الخيّال ببيروت تحت عنوان «عالم بلا رؤى» يتعمّق مصطفى عثمان في رؤاه، ويسلط أضواءه الكاشفة على قضايا الأمة، ويبحث في أهم المعوقات التي تحول بيننا وبين الحرية والخلاص من وجع الاستعمار، وهو بذلك لا يتوقف عند النجوى والشكوى، على النحو الذي نطالعه في مشهدنا الأدبي والشعري، إنما يذهب إلى حيز مليء بالتفاؤل والضياء والأمل. يقول في ختام قصيدته « لن تنحني بغداد: يا صاحب الشام إن الفجر مدركنا، مهما اكفهرّتْ وجوهُ القوم واختلفوا. من يطلب المجد لا تحبطه نازلةٌ, ولا يساومُ في حقٍ له يقفُ. وهو يؤسس لحال من الوعي العربي، يرسم أبعاده باستلهام درب المقاومة والنصر الإلهي الذي تحقق في جنوب لبنان وغزة البطلة المحاصرة، فيتوجه خطابه الشعري لجماهيرنا العربية مؤكداً على حقنا القومي في النهوض من كبوة جرتها علينا عصور من الاستهانة بأعدائنا والمتربصين بتاريخنا وثقافتنا. يقول في قصيدة عنوانها زمن السبي: صديقي لا تقل كنّا وقل صرنا !! فقد تاهت بنا الخطوات، قل أكثر. يجنُّ الليلُ في دمنا، فيربكنا، ويرهقنا، ففهم الناس للأوطان قد أدبر. إلى أن يقول: صديقي، لا تكن حملاً، فعصر السبي قد اقبل. وهو لا يكتفي باستنهاض الواقع العربي المتكاسل، إنما يقبض على لغة العالم الجديد، في سعيه لتضليل الشعوب وجرها إلى عماء ترسم أبعاده الصهيونية العالمية في إرهابها للحكومات والكتاب والمفكرين والمثقفين على اتساع هذا الكون، لتعكس هذه المجموعته الشعرية، عالم بلا رؤى، رؤى جديدة للعالم في سياق أدبي رشيق، وصياغة شعرية واثقة، تجمع بين أوزان الشعر وحداثة تتجاوز التقليد, ولا تأخذ بالنثر كما هو في علله الراهنة، فتأتي قصائده مموسقة موقّعة في سردها الأدبي، وحاملة في إيقاعها الداخلي هذا المنهج الفكري، الذي يحتاج مساحة فكرية بلا حدود أو قيود. يقول في قصيدته القادمون مع الصباح: سقط الحياءُ وقد تهدّجَ بوحُه، فلأي عصرٍ يدخلُ الأعرابُ، وعلى دروب العمر ألف حكاية عبثية وعواصفٌ وخرابُ. لا الناس في دنيا العروبة ترتجي أدباً، ولا كل الذين استكتبوا كتابُ، من ألف عامٍ والدعي مصادر فرح الحياة وما لديه جوابُ. يعطي لنا الوهم الكبير وما لنا إلا الخضوع لخائف يرتابُ.. ولا يقفل الشاعر عثمان رؤاه في هذا العالم، إنما يبقي بصيرته عالقة على أبواب التاريخ، يأتي بالشواهد ويكرس الأدلة فتنساب الواقعات الراهنة سهلة قريبة من عواطفنا وهمومنا، وتعبيراً شفافاً مكتنزاً بالصور والكنايات، لنقف على شرفات الهم الوطني والإنساني وسواهما من مشكلات الأمة وعالم هذا الزمان..
و» عالمٌ بلا رؤى»ديوان شعري ضم بين دفتيه أربعين قصيدة تتبنى خيار المقاومة كطريق وحيد للخلاص من جشع الاستعمار وسواه من الطامعين والمتخاذلين، قصائد تستبق كل الشجون والأشكال لتخط درباً أو جسراً أمام وعي عربي نهضوي، أساسه المقاومة وعدم الرضوخ والاستسلام لمخططات تختطف من بين أيدينا فرص الحضارة والارتقاء. يقول في قصيدته أبجدية المقاومة: عاصٍ على اليأس هذا النسر كم عشقا، قد عاهد الأرض والإنسان وانطلقا. سما إلى المجد فانساق الزمان له، سهماً على الليل رام الصبح فأتلقا، ما أقبل الضوء إلا كي يعانقه، لينجلي الحق، ما إن لاحَ أو نطقا..
عالم بلا رؤى،
تأليف: مصطفى عبد الله عثمان
203صفحات من القطع المتوسط،
صدر عن دار الخيّال ببيروت.