تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


المحرم في الرواية الفلسطينية

ملحق ثقافي
8/12/2009
نعمة خالد / فلسطين

الحرام كثير على رأي الروائي والناقد نبيل سليمان، وهو في كل يوم بل في كل لحظة يفرخ جديداً.

‏‏‏‏‏

ولسوف يبقى هذا الحرام ينبق برأسه للمبدعين ويشهر سيفه كلما حاول أحدهم أن يخترق أحد وجوهه، إلى أن يستطيع المبدع أن ينتزع الحرية المطلقة التي تشكل أحد ضرورات الفن الإنساني الحقيقي.‏‏‏‏‏

وعلى الرغم من أن هذا الحرام قد تحلق على شكل أفراد ومؤسسات، وتحول إلى قوة سحرية قد تكفر شاعراً هنا وروائياً هناك، وقد يبني في الوقت عينه جداراً محكما يسور المبدع، أو يلقي بعصاه السحرية القوية على منتج فني، فيصادر، أو يمنع، إلا أن الكثير من المبدعين استطاعوا، لا أن يناوشوا هذه المحرمات فحسب، بل استطاعوا اختراقها بفنية عالية، دون اللجوء للترميز، أو المداورة.‏‏‏‏‏

ولئن استطاع بعض الروائيين أن يخرقوا هذا الحرام الكثير، فإنهم بالمقارنة مع الموروث السردي، ما زالوا في إطار هامشه، ولعل ألف ليلة وليلة، وتحفة العروس، وما كتب التوحيدي، من خلال خرق هذا الموروث للحرام الديني والجنسي، قد باتت هذه الأعمال في إطار حريتها حلماً لكل مبدع، على الرغم من تعرض هذا الموروث في إطار تجديده اليوم صار نهباً للخنق، وبالتالي راح سيف الحرام يقص، ويقتل تحت يافطته الكثير من هذا الموروث، وكأننا اليوم نحن الذين نعايش القرن الحادي والعشرين، أكثر كبتاً للحرية من أولئك الذين عايشوا القرون الأولى من الإسلام.‏‏‏‏‏

وعلى الرغم من هذا الحرام الكثير الذي كان قد سماه بو علي ياسين الثالوث المحرم والمتمثل بالدين والجنس والسياسة إلا أن العديد من الروايات استطاعت أن تشكل خرقاً له، دون أن تخاف من سيف قد يقطع أو مؤسسة قد تمنع.‏‏‏‏‏

والمتبع للمتن الروائي العربي سيجد أن العقد الأخير من القرن الماضي، والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين سيجد أن العديد من الروايات قد خرجت من عباءة الرواية في الستينيات والسبعينيات، ليس بمعنى القطيعة مع المنجز الروائي، وإنما في إطار الخرق للتابوهات الثلاثة. ولعلي أدلل على الخروج من تلك العباءة بتناول صورة المرأة التي أخذت في رواية السبعينيات والثمانينيات البعد الرمزي الذي يشكل الوطن بحميميته ما خلا بعض الكتابات القليلة، في حين نجد أن الرواية العربية اليوم صارت أكثر وعياً في التعامل مع صورة المرأة بحيث راحت تشكل الحياة بكاملها، وصار هناك دلالات اجتماعية تتشكل هذه الدلالات حسب درجة حساسية الكاتب أو الكاتبة تجاه هذا الموضوع.‏‏‏‏‏

ولعل ولوج المبدع لهذه المساحة تتأتى في إطار رفض الحاكمية التي يمارسها المجتمع والسلطة، باعتبار أن هذا السائد هو معايير وضعها البشر، هم أصحاب سلطة اجتماعية، وهذا الرفض للسائد هو محاولة لتجذير إنسانية الإنسان، وفي الوقت عينه هو محاولة لتهشيم التابو، وإطلاق العنان لحرية المبدع، لأن الحرية ضرورة حتمية للإبداع.‏‏‏‏‏

‏‏‏

لذا نجد أن العديد من الروايات العربية، سواء أكان الكاتب امرأة أو رجلاً قد لجأت إلى التعرية، تعرية هذه المحرمات من خلال التعامل معها في المتن السردي للرواية.‏‏‏‏‏

على أن العديد من الروايات لم يتعامل مع خرق التابو إلا في إطار ابتذال المرأة، وابتذال الجنس، ففي المتن الروائي العربي نجد أن خرق الحرام الجنسي لا يأتي في إطار فني يخدم الرواية.‏‏‏‏‏

فنجد أن صورة المرأة من خلال خرق هذا الحرام، ليس ذاك الذي يشكل المرأة الحلم التي تخترق مع الرجل كل الضوابط الاجتماعية الثورية على السائد، والتي من شأنها أن تطور الفاعلية الاجتماعية والسياسية.‏‏‏‏‏

على أن هناك روايات قد اتخذت منحى آخر في إطار خرق الحرام الجنسي أو الديني أو السياسي، فصورة المرأة في هكذا روايات لا تتحول إلى عورة أو حرام، بل إن خرق هذه المحرمات يعطي الرواية حركية خاصة موظفة فنياً ويكسب الرواية بعداً جمالياً بالإضافة إلى الخروج من قبضة الحاكمية والتحريم.‏‏‏‏‏

فالمرأة لا تشيأ في هكذا روايات، وربما استطاعت بعض الروايات أن تصل إلى تلك المساحة الفطرية الذئبية التي همشها المجتمع، ويطرح ذلك في سياق اجتماعي أو سياسي عام.‏‏‏‏‏

ولعل المتتبع للمتن الروائي العربي سيجد أن راهن الرواية العربية قد قفز قفزة نوعية في التعامل مع الثالوث المحرم، هذه القفزة التي جاءت في إطار نقدي للواقع، واستطاع بعض الكتاب والكاتبات تخطي ذواتهم في الكشف والاختراق. هل يكفي هنا أن أذكر كوليت خوري، ونبيل سليمان، وغادة السمان والزاوي أمين وواسيني الأعرج ورشيد بوجدرة وآخرين.‏‏‏‏‏

ما ذكرت من الكتاب وغيرهم اخترقوا المشروعية وأسسوا لمجالات تعبيرية أخرى أكثر حرية، وأكثر صدقاً مع الذات، في إطار انعتاق هذه الذات، وفي الوقت نفسه استطاعوا كما استطاع غيرهم أن يحرروا اللغة التعبيرية ذاتها، تلك اللغة التي التصقت عبرمسيرة الرواية العربية في البدايات بالمحمول الذي لا يسمح مطلقاً بتحقيق عملية الاختراق.‏‏‏‏‏

ولعل المعركة التي خاضها هؤلاء الكتاب ضد المسكوت عنه هي معركة كما قال الحبيب السائح في مواجهة ذاك الذي من شأنه أن يقزم فضاء الورقة فضاء الذاكرة والتاريخ، وأضيف فضاء إنسانية الإنسان وحريته.‏‏‏‏‏

لم تكن الرواية الفلسطينية بمنأى عن الرواية العربية سواء في إطار المعاناة من الثالوث المحرم، أو في إطار خرقها لهذا الثالوث.‏‏‏‏‏

على أن الرواية الفلسطينية، وفي إطار الشغل في المساحة المكشوفة التي لا ترتهن للمحرم، قد اشتغلت على ذلك في إطار ترحيل هذا الكشف إلى الصراع العسكري والسياسي والفكري، وهذا ربما كان ضرورة تنبع من خصوصية الحالة الفلسطينية.‏‏‏‏‏

على أني في هذا المقام لن أتحدث عن الرواية الفلسطينية بشكل عام، وإنما سأتوقف عند الرواية الفلسطينية التي كتبتها المرأة.‏‏‏‏‏

وسأتناول في إطار هذه القراءة: روايتي سحر خليفة: «الميراث» و «باب الساحة»، كما سأعرج على تجربتي فيما كتبت في رواية «البدد» و «ليلة الحنة».‏‏‏‏‏

ولعل الاختراق للتابو الجنسي في رواية باب الساحة قد تجلى في شخصية المومس الفاضلة، هذه الشخصية التي اتخذت في الرواية بعداً سيكولوجياً، فهي تتطور من الداخل مثلما تتطور من الخارج، ويزيد في صورة تعقيدها أنها تتحول من مومس بنت مومس إلى مومس فاضلة، لا تستحق الشفقة وحسب، بل تستحق الثناء والتقدير، إذ تجعل سحر خليفة من هذه المومس مناضلة تشترك بمعارك النضال ضد الاحتلال، وذلك عندما يستشهد أخوها وينالها من القمع ما ينال الفلسطينيين المنتفضين، وتكتشف أن «الإسرائيليين» لا يفرقون بين عربي وعربي، ولا يفرقون بين أخيها، بوصفها مومساً وبين أخي المناضلات، فسيف الاحتلال فوق جميع الرقاب.‏‏‏‏‏

أما مناوشة الحرام الجنسي في رواية البدد، فقد تجلت في إطار العلاقة بين سراب وهي الشخصية المركزية في رواية البدد، وبين عصام اللوح أحد القيادات السياسية الفلسطينية في مخيم عين الحلوة، حيث تكشف الرواية عن عجز عصام الجنسي، والذي يعبر في أحد وجوهه عن عجز القيادات السياسية بعد اجتياح بيروت عام 1982.‏‏‏‏‏

ولئن توسلت سحر خليفة لغة مواربة في التعامل مع شخصية المومس، فإنني في البدد قد توسلت لغة صريحة وواضحة، وهذا ما كان من أمر علاقة جلال ومريم في رواية ليلة الحنة التي تصل إلى حد الوضوح الصارخ، في رسم المشهدية الجنسية.‏‏‏‏‏

على أن خرق هذا الحرام الجنسي سواء أكان في رواية باب الساحة، أو في روايتي البدد وليلة الحنة، لم يكونا فقط في إطار التنطع للحرام الجنسي، ونشدان المزيد من الحرية في الإبداع فحسب، بل وفي إطار ما تقدم في حديثي عن الكشف الذي ذهبت إليه الرواية الفلسطينية، يمكن أن يرحل إلى ذاك الصراع السياسي والفكري والاجتماعي والعسكري.‏‏‏‏‏

أما الحرام السياسي، فقد تجلى بكثافة في رواية الميراث لسحر خليفة، التي وعلى مدار صفحات الرواية، تطلق نقدها اللاذع للسلطة التي لم تستطع أن ترتقي بواقع المجتمع الفلسطيني إلى ما كانت تحلم به الكاتبة. بل تصل حدود السخرية عندها إلى حد وصف هذه السلطة بقولها: «سلطة محكومة وبتحكم».‏‏‏‏‏

ولئن كانت الحالة السياسية الفلسطينية، لم تترسم بعد مثل الحالة السياسية العربية، فإن الرواية الفلسطينية بشكل عام، قد شكلت خروقات كبيرة للتابو السياسي.‏‏‏‏‏

وجاء ذلك في إطار نقد الذات الفلسطينية، ولعل رشاد أبو شاور في روايته البكاء على صدر الحبيب، ويحيى يخلف في روايته مريم، وما كتبت سحر خليفة من روايات أخرى، وما كتب حسن حميد في روايته تعالي نطير أوراق الخريف، لا يشكلون استثناء في خرقهم لهذا الحرام.‏‏‏‏‏

بل إن رواية البدد التي تحاول أن تصور الفساد في القيادة الفلسطينية، لم تشكل فرقاً أيضاً، بل إن نقد الذات عبر المنتج الروائي الفلسطيني، والخروج من حالة التقديس، التي دأبت عليها بعض الروايات الفلسطينية مع مطلع انطلاقة الثورة ونموذج الفدائي السوبرمان الذي لا يقهر صار ضرورة في ظل المعيش الفلسطيني، سواء على الصعيد السياسي أو الاجتماعي أو الإنساني.‏‏‏‏‏

وذهبت رواية ليلة الحنة في نقدها للتابو السياسي إلى مرحلة نقد الحالة الفلسطينية التي تاهت ما بين مقاومة وتفاوض، وما بين عسكرة انتفاضة، وعصيان مدني.‏‏‏‏‏

وكما جاءت اللغة في رواية سحر خليفة واضحة دون مواربة في خرقها للحرام السياسي، كذلك كان الأمر في روايتي البدد وليلة الحنة، ولئن توسلت ليلة الحنة والبدد ما يمكن أن نسميه شاعرية اللغة، فإن سحر خليفة توسلت اللغة البسيطة النابعة من الواقع الفلسطيني.‏‏‏‏‏

وعلى الرغم من الشغل على الحرام السياسي والجنسي في الروايات المذكورة، إلا أن حرية منشودة كما هو الحال في الموروث السردي لم تصل إليها الرواية الفلسطينية بعد.‏‏‏‏‏

بل لعلي أجرؤ على القول أن رقيباً داخلياً هو أشبه بآلهة التمر نستطيع أكله لو شئنا، ما زال ينبق، وسيفه ما فتىء يبتر حلما هنا، ويقطع أوصال فتنة جميلة هناك.‏‏‏‏‏

إلا أن الرواية الفلسطينية التي تكتبها المرأة، والرواية الفلسطينية بعامة، وكذلك الرواية العربية، حاولت وتحاول أن تمزق حراماً هنا وآخر هناك على الرغم من شدق المؤسسات الدينية والسياسية والاجتماعية التي سرعان ما تنقض على المبدع والإبداع إذا ما سنحت لها الفرصة.‏‏‏‏‏

لكن حسبنا أن هناك من يكم هذه الأفواه بإبداع يصول ويجول في ساحة الحرية التي ننشد.‏‏‏‏‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية