الاهتمام بالموهوبين ..
سامر عمران المدرب بالمركز الإقليمي لتنمية الطفولة المبكرة أوضح في بداية حديثه أن الإبداع هو إنتاج شيء جديد أو صياغة عناصر موجودة بصورة غير مألوفة في أحد المجالات كالعلوم والفنون والآداب ، وهو قدرات واستعدادات يمتلكها الفرد نتيجة مشاهدات وخبرات ، وهو فعل لا يأتي من فراغ بل نشاط مقصود يسعى الفرد إلى تحقيقه لما فيه من فائدة له وللمجتمع، وقد يكون استجابة لحاجة أو لتحد يواجهه الشخص المبدع .
وأكد عمران ضرورة الاهتمام بالطفل الموهوب وكيفية التعامل مع مواهبه وخاصة في مرحلة الطفولة المبكرة لكون ذلك عاملاً أساسياً في تجنيبه التعرض لمخاطر خطيرة كالاكتئاب, والانسحاب من التفاعل الاجتماعي والشعور بالاغتراب وتفاقم العزلة الاجتماعية.
وأضاف عمران أنه قد نجد من يقول إن الاهتمام بموضوع الإبداع هو نوع من الرفاهية التربوية على حين أن مجتمعنا السوري لم يستكمل بعد الحاجات التربوية الأساسية, فالعملية التربوية سواء أكانت في إطار الأسرة أم ضمن المؤسسات التعليمية متوقعاً منها تكريس تراث المجتمع ونقله إلى الأجيال الجديدة ومن ناحية أخرى يُعول عليها مواكبة كل ما يستجد في مجال المعلومات والمعارف ورفد الأجيال به, وهذه الأخيرة مشكلة بحد ذاتها, فتدفق المعلومات الهائل يشكل أبرز سمات هذا العصر وبالكاد نستطيع رفد الأطفال بنزر يسير منه, فكيف سيكون الحال إذا انشغلنا أيضاً بتنمية الإبداع عند عدد قليل منهم .
صفة مشتركة..
وبيّن عمران أن الإبداع هو صفة مشتركة بين جميع الأطفال وإذا لم يتم تشجيعهم على الإبداع خلال مرحلة الطفولة المبكرة فإن تشجيعهم يكون بعد ذلك قليل الجدوى حيث يتراجع الإبداع في السنة الثامنة إلى 2% فقط وتنخفض النسبة إلى 10% عندما يصل الأطفال الى سن السابعة ، كما ان نسبة الموهوبين من الأطفال من سن الولادة وحتى السنة الخامسة تصل إلى 90% .
وذكر عمران أن الدراسات الحديثة أثبتت أن أفضل وقت يتعلم فيه المخ يكون خلال السنوات العشر الأولى من عمر الطفل وذلك لعدة أسباب أهمها النمو السريع للوصلات العصبية والقدرة العالية على التكيف مع الظروف السائدة ، وكذلك قوة الملاحظة وتطوير القدرات بطريقة أسهل من السنوات التالية ، ومن هنا يجب تنمية الإبداع عند الطفل في سن مبكرة حيث تكون الوصلات العصبية عند الطفل ذي السنتين مساوية للوصلات العصبية عند الراشد أما في سن دخول الروضة (3 سنوات) فيكون عدد من الوصلات العصبية مساوياً لضعف عدد الوصلات عند الراشد، حيث تتكون بسرعة 3 بلايين وصلة في الثانية خلال الفترة من الولادة وحتى سن 10 سنوات وتستمر في الوجود والعمل باستخدامها واستثارتها وربطها بوصلات جديدة، أما إذا أهملت فإنها تضعف ولا تعمل وتضمحل لذلك يطلب من المربي ضرورة أن يغير تصوره لفكرة التعلم، فالكثير من الفترات الحاسمة أو الحساسة والتي تسمى بنوافذ الفرص تقع في هذه المرحلة العمرية المبكرة، حيث تكون القشرة المخية أنشط ما يمكن وتكون احتمالية تعلم الطفل لمهارة ما أعلى ما يمكن كما يمتلك دماغ الطفل مرونة عالية حيث إن بناء الشبكة العصبية وإعادة بنائها في حالة التلف سريع جداً عبر مرحلة الطفولة المبكرة.
بيئة الطفل ..
بدورها قالت وفاء شاهين المدربة بالمركز الإقليمي لتنمية الطفولة المبكرة إن مفهوم بيئة الطفل ينطوي على جملة من المفاهيم الفرعية, والتي تحتاج بدورها إلى الكثير من الوقت لتحليل مكوناتها والعلاقات التي تربط بين هذه المكونات, فعندما نقول بيئة الطفل دون تحديد لنوع البيئة, فإن المقصود بذلك البيئة الصحية والغذائية والبيئة النفسية والاجتماعية والبيئة التعليمية التعلمية والبيئة الثقافية لذلك كان لابد من انتقاء لأنواع البيئة الأكثر أولوية في حياة الطفل وتناولها في السياق القادم.
وبينت شاهين أن احتياجات الطفل الأولى لتحقيق النمو بشكل سليم, هي احتياجات غذائية وصحية, حيث تتصدر قائمة هذه الاحتياجات الرضاعة الطبيعية و وجبة الإفطار وتجنب التلوث الغذائي،مشيرة إلى أهمية توفير بيئة نفسية واجتماعية مواتية لنمو الإبداع عند الطفل من خلال تطوير نوع العلاقات الحميمة القائمة على الحب والاحترام المتبادل بين الطفل ووالديه والأفراد المحيطين به في الأسرة وإبعاد الطفل عن مكامن الخوف وخاصة الخوف من الوقوع في الأخطاء، وترك الفرصة للطفل ليقوم بمحاولاته المتعددة, حيث إن الخوف من الوقوع في الخطأ يعوق العملية الإبداعية، إضافة إلى حث الطفل على استخدام الخيال وتجاوز الأشياء المحسوسة المألوفة, والتحرك بحرية بين الواقع والخيال, ومحاولة تكوين افتراضات وتكوينات خيالية, واستخدام أسلوب الدعابة والمرح وجعل الطفل يشعر بحالة من الاسترخاء ما يساعد على مزيد من التحرر من الالتزامات الواقعية المحيطة, ومساعدتهم على تحمل صور الغموض المرافقة للمواقف الخيالية. فارتباط الطفل بالأمور الواقعية وبشكل مستمر يجعله لا يرغب أو يستحسن التفكير الخيالي .
دور الدفء الأسري ..
وأكدت المحاضرة ضرورة تربية الطفل على المرونة في التفكير وعدم التصلب, وترك الحرية للاختيار واتخاذ القرارات, ومحاولة غرس حلول جديدة, وعدم الاعتماد على حلول مسبقة قد يجدها الطفل جاهزة وسهلة لاستخدامها وبالتالي لا يكلف نفسه عناء التفكير والبحث عن طرق وأساليب أخرى, فمن الأهمية تشجيع الطفل على الاستقلالية في الوصول إلى حلول جديدة ومتنوعة للموضوعات والمشكلات التي يواجهها بشكل منفرد, وعدم الاعتماد على الآخرين لإيجاد تلك الحلول، إضافة إلى أنه ينبغي أن تكون توقعات الآباء والأمهات لأداء الأبناء ليست بالمنخفضة بحيث يدفع الطفل إلى الشعور بضعف الثقة بالنفس وعدم الإحساس بتقدير أدائه, ومن جهة أخرى يجب ألا تكون أيضاً توقعاتهم مرتفعة لأداء أبنائهم بشكل كبير بحيث يشعر هؤلاء الأبناء بالعجز والإحباط في حالة عدم الوصول إلى تلك التوقعات, فضغوط الأهالي للوصول إلى أداء عالٍ وبشكل مستمر يعرض هؤلاء المبدعين إلى كثير من الإحباط والقلق والتوتر للوصول إلى المستوى الذي يتطلع إليه آباؤهم وأمهاتهم وبالتالي ينعكس سلباً على إبداعاتهم وطريقة تفكيرهم وإنجازاتهم لأن الشخص المبدع يحتاج إلى بيئة تتميز بمستوى منخفض من القلق والتوتر والضغوط المختلفة والبعد عن المشاحنات الأسرية والنزاعات بين أفراد الأسرة وتحقيق مناخ يسوده الاطمئنان والألفة وعدم وضع شروط للقبول للأبناء في الأسرة على أساس الإنجاز أو التحصيل الأكاديمي ولكن قبولهم كأبناء يشعرون بالدفء والحب الأسري بغض النظر عن سلوكياتهم, وتحقيق بيئة آمنة تحقق الراحة والاسترخاء ما يدفع إلى مزيد من الخيال للوصول إلى إبداعات ذات طابع فريد وأصيل.
وحول تنمية القدرات الإبداعية لدى الأبناء بينت شاهين أن نتائج الأبحاث والدراسات التي تناولت الأساليب التربوية المناسبة, أظهرت أن التربية المتوازنة القائمة على الاحترام والتقدير للطفل وإعطائه الحرية في طرح أفكاره وآرائه من خلال نقاشاته وحواراته, يغرس الثقة بالنفس والشعور بقيمة الذات, ويدفعه إلى السلوك الاستقلالي, ويرفع من دافعيته وحبه للاستطلاع ويشجعه على الانفتاح على تجارب أخرى جديدة، كما اوصت الدراسات بعدة أساليب للتعامل مع الأطفال المبدعين كالابتعاد عن المبالغة في الثناء والمدح للطفل المبدع وتفضيله على من حوله من إخوته، فهذا قد ينعكس سلباً على إبداعاته فقد يشعر بالتميز وبالتالي يكون مشغولاً بالمكانة التي حققها داخل الأسرة، ويبدأ يستمد قوته منها، ويبتعد عن تطوير إبداعاته.