وفي هذا السياق نقرأ على سبيل المثال عن البطلة أو القديسة الفرنسية جان دارك التي أعدمت حرقاً في الثلاثين من شهر أيار سنة 1431 بتهمة الهرطقة إلى أن كان العام 1920 يوم أعلن قداسة البابا بندكتوس الخامس عشر أنها أصبحت في عداد القديسين وبذلك أصبحت قصة جان دارك مصدر إلهام لكبار الفنانين في فرنسا وخارجها تزين لوحاتهم الشهيرة المنتشرة في أرجاء عديدة من العالم.
ومعروف عن جان دارك الشابة التي كانت تتسابق مع أترابها في المروج المجاورة لنهر ميز في قريتها دومرمي ذات يوم في سنة 1424 أنها سمعت فجأة صوتاً غريباً يقول لها: اذهبي قدماً وسوف يتم كل شيء وفقاً لما تأمرين.
منذ تلك اللحظة تغيرت حياة جان دارك وكان عليها أن تلتحق بالجيش الفرنسي بهيئة جندي لتقاتل في صفوفه ضد الحصون الانكليزية المنتشرة في شمال فرنسا.
في البدء كما يحدثنا التاريخ لم يصدق أحد جان دارك عندما كانت تردد أمامه أن الله أمرها أن تنقذ فرنسا سوى واحد من ضباط الجيش الفرنسي ويدعى روبير بودريكو كان الوحيد بين من استمع إليها باهتمام فاصطحبها لمقابلة ولي العهد يومذاك شارل السابع الذي قرر أن يوليها قيادة الجيش لنجدة مدينة أورليان التي كانت محاصرة من قبل القوات الانكليزية، خاضت جان دارك معارك ضارية ضد قوات الاحتلال وتمكنت من طردهم وحررت المدينة المحاصرة. وكان من تداعيات هذا الانتصار تتويج ولي العهد «شارل السابع» ملكا على فرنسا بعد أن تم تحرير أراضيها من الغزو الإنكليزي .
بيد أن سوء حظ «جان دارك» أنها كانت قد أسرت، قبل زمن التحرير بفترة، في إحدى المعارك الضارية مع قوات الاحتلال، فقرر الإنكليز محاكمتها وصدر الحكم عليها بالإعدام حرقا بتهمة الهرطقة وإحراقها كساحرة .
وبذلك كانت حياتها القصيرة كومضة إلهام لفرنسا كلها. وبعد خمسة وعشرين عاماً من موتها حرقا وهي مشدودة إلى عمود في إحدى ساحات بلدة «روان» الفرنسية، صدر قرار بإبطال الحكم، ولكن السيف كان قد سبق العذل، إلى أن كانت سنة اعتبارها في عداد القديسين في فرنسا كما أشرنا من قبل، هي واحدة من سخريات القدر الذي يقلب الشيء إلى نقيضه حتى تنجلي حقيقته على نحو هذا الحدث التاريخي الشهير.