وكان قطاع التعليم العالي في قلب عملية التطوير هذه، لأنه العماد والأساس. فلا تنمية إلا بتنمية القدرات البشرية، ولا تقدّم إلا بتوفير البنى التحتية اللازمة، ولا تحديث إلا بدفع عجلة البحث العلمي. هو نسيج متماسك وكلٌّ متكامل لا يقوم إلا على أساس علمي متين يخدم أهداف المجتمع وتطلعاته.
ومن هذا المنطلق أصدر السيد الرئيس كل المراسيم والقوانين التي أريد لها أن تطور قطاع التعليم العالي وأن توفر للجامعات الظروف الملائمة التي تتيح لها الاضطلاع بمسؤولياتها. فكان قانون تنظيم الجامعات الجديد ولائحته التنفيذية وما تبع ذلك من تحّسن ملحوظ في الظروف المعيشية للأستاذ الجامعي، ثم صدور القانون رقم واحد لعام 2009 الذي أزال العقبات من أمام استحداث وحسن عمل الماجستيرات المشتركة بين الجامعات السورية الحكومية والجامعات الأجنبية التي ندخل وإياها في علاقات تعاون علمي بنّاء.
في خطابه عام 2008 أمام مؤتمر وزراء خارجية الدول الأعضاء في المؤتمر الإسلامي، أكد السيد الرئيس الدكتور بشار الأسد أن عقيدتنا تدعونا لأن نكون أكثر انفتاحاً، وأن الانغلاق، وإن كان أحياناً « رد فعل على انغلاق الآخرين تجاهنا، إلا أنه علامة ضعف وهو مخالف لتراثنا... لذلك علينا أن نتعامل معهم بقوة الانفتاح وليس بضعف الانغلاق... وأن نبادر تجاههم بثقة ، وأن نحاورهم بصبر كي نصل معهم إلى قواسم مشتركة تكمن فيها مصلحتنا...». تلك كانت كلمات سيد هذا الوطن التي تمثّلتها جامعة دمشق وجعلتها نبراساً تقتدي به في سياسات التعاون العلمي والأكاديمي التي انتهجتها مع جامعات عالمية عريقة، وأثمرت ماجستيرات وبرامج علمية مشتركة منحت خريجينا فرصة ذهبية نادرة ليطوروا معارفهم وينموا مهاراتهم بالاستفادة من خبرات عالمية عريقة على كفاية عالية في حقل المصارف والتمويل، والتحوّل الاقتصادي، والإدارة البيئية، وترميم الأبنية التراثية، وهندسة الاتصالات،، والتخطيط العمراني والتنمية المستدامة وسواها من حقول المعرفة النظرية والتطبيقية.
وتنفيذا لتوجهات القيادة السياسية واستجابة لمتطلبات عملية التنمية الشاملة ودعماً لكل الجهود التي تبذل في القطاعات الأخرى، قامت جامعة دمشق بالتوسع أفقياً فأحدثت فروعاً لها في ثلاث محافظات هي درعا والسويداء والقنيطرة، وهي تضيف كل عام كليات وأقساماً جديدة فيها، إلى أن أصبح بعد صدور المراسيم الأخيرة عدد الكليات في فرعنا في درعا أربع كليات، وفي السويداء أربع كليات، وفي القنيطرة كليتان.
وأما عن التوسّع العمودي في جامعة دمشق فهو كبير امتد ليشمل إحداث كليات جديدة ككليتي السياحة والإعلام، والمعهد العالي للترجمة والترجمة الفورية، إضافة إلى أقسام لغات وآداب جديدة.
إن ما شهده قطاع التعليم العالي في السنوات العشر الأخيرة كماً ونوعاً أكبر من أن يختصر في أسطر قليلة. ولعل جوهر هذا التطور يكمن في الرؤيا الشمولية المتكاملة التي أطلقها سيادة الرئيس لعملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية والتي يجب أن تدعمها نهضة علمية فكرية حقيقية تؤسس لهذا التطور وتهيء له سبل النجاح. وهذا حتم على الجامعة أن تسعى لتأمين الشروط المواءمة لتطوير عملية التأهيل ودفع البحث العلمي وربطه بحاجات المجتمع.
وعندما يتحدث سيد الوطن عن ضرورة مراجعة الذات للكشف عن مواطن ضعفنا ومعالجتها وتدعيم نقاط قوتنا واستغلالها في خدمة قضايانا الوطنية والقومية، فإنه يوجّه بالشفافية وبوقفة جريئة مع الذات بغية الوصول للتميز. ومن هذا المنطلق، أطلقت جامعة دمشق خطتها الاستراتيجية الجديدة ومنظومة ضمان الجودة فيها، وهو أحد أهم المشاريع التي أطلقتها منذ ثلاث سنوات ونيف، وهي عملية طويلة الأمد التزمت بها الجامعة وحشدت لها كل الطاقات الخبيرة الخيّرة المؤمنة بالتطوير الشامل والجذري، وأتت لها بأفضل الخبرات الخارجية في حقل ضمان الجودة وتطوير البرامج التعليمية. وبدأت بتطبيق هذه الخطة على أربع كليات رائدة تمهيداً لتعميمها على باقي الكليات.
وكما كانت سنوات الولاية الأولى والثانية حافلة بالعمل الحثيث والجهد الدؤوب لتنفيذ رؤيا وتوجهات قائد المسيرة، فإن السنوات الآتية ستكون دون ريب حافلة مثمرة بما يحقق الأماني ويقربنا من الأهداف المنشودة. فكل عام والسيد الرئيس ووطننا بألف خير.