يتوجب لأهلها استعارة واحدٍ حمصي ليكون بطل تلك النكتة أو الدعابة ومعروف أن الحمامصة هم أكثر استجابة وترويجاً لما يشاع عنهم من نكات، لكأنهم يضحكون من الآخرين حين يساهمون في التنكيت على أنفسهم، وكم من الحمامصة تسلح بما ألصق به من جدبته ليستعملها كجواز سفر يفتح له الأبواب المغلقة أو يخلصه من مأزق وقع فيه.
في ذاكرتي الآن المرحوم عبد الحليم عسكر، صانع الأحذية أو الكندرجي بالتسمية الشائعة. وكان هذا الرجل يعرف بخفة الظل وبسرعة البديهة والذكاء وهو حاضر في مجالس الأدباء والوجهاء وأهل السياسة.
حين تشكل فوج الاطفاء بحمص في منتصف القرن الماضي كان اختيار عناصره من الرياضيين حيث تم تسليمهم لباساً موحداً من الحذاء حتى الغطاء أي غطاء الرأس وقد أعلنت الجهة المسؤولة عنهم آنذاك مناقصة لتصنيع أربعين حذاء.وقد رست المناقصة على المرحوم عبد الحليم عسكر إذ تم توقيع العقد معه. وفي العقد ذكر المبلغ والمدة بالإضافة إلى عبارة (وفق النموذج)..
التزم الرجل ببنود العقد أيما التزام، فقدم في الزمن المحدد أربعين فردة حذاء يمين، وحين سألوه عن الأربعين فردة اليسار حّولهم إلى نص العقد الذي يذكر عبارة«وفق النموذج» وأنهم في أثناء توقيع العقد قدموا له فردة اليمين للحذاء كنموذج التزم بتنفيذه حرفياً وأمام هذا الالتزام الدقيق لم يجد المسؤولون عن الموضوع بداً من إبرام عقد آخر معه لتقديم أربعين فردة حذاء آخر «وفق النموذج» وكان النموذج هذه المرة هو الفردة اليسار للحذاء!!! ولأن الرجل كان يدرك مسبقاً هذه النتيجة فقد كانت فردات اليسار الأربعين مخبأة عنده في الدكان مصنعات مع أخواتها من فردات اليمين، فقبض المبلغ مضاعفاً بسبب التقيد بنص العقد الذي يقول «وفق النموذج» فهل تخطر هذه التركيبة ببال جحا؟!!!
في ذاك الزمن كان الخياط والكندرجي يقوم كل منهما بتفصيل الطقم أو الحذاء للزبون فالجاهز لم يكن شائعاً آنذاك، وكثيراً ماكانوا يخلفون مع زبائنهم بالمواعيد. وكان قائد الشرطة قد أوصى على حذاء عند المرحوم عسكر. وقد أرسل أحد رجاله أكثر من مرة يطالبه بالسرعة في إنجاز الحذاء وفي آخر مرة صرخ عبد الحليم عسكر بالرجل قائلا: قل لمعلمك إنني مشغول بصباط المحافظ!؟...