فبعد احتلال الجزء الغربي من المدينة احتلت إسرائيل في عام 1967 الجزء الشرقي منها أيضاً ثم أعلنت المدينة عاصمة موحدة وأبدية لإسرائيل، وحتى تكون كذلك كان لابد من التهويد، والتهويد يشمل البشر والحجر معاً.
لذلك فإن بناء المستوطنات اليهودية في القدس واقتلاع سكانها الأصليين من المسلمين والمسيحيين وتهديم بيوتهم ومصادرة أراضيهم يجسد عملية التهويد البشري التي قطعت شوطاً بعيداً إلى الأمام، حتى إن عدد العرب في القدس الشرقية يقل عن عدد ثلث اليهود الذين استوطنوا فيها.
وأما التهويد الذي يستهدف الحجر فقد شمل عدداً من الصروح الوقفية الإسلامية وحتى المقابر التي تحولت إلى حدائق عامة أو إلى مواقف للسيارات.
ولا تخفي إسرائيل نيتها في تدمير المسجد الأقصى بحجج مختلفة وهي الزعم بأنه مبني فوق أنقاض «هيكل سليمان» وكان الحريق الذي استهدف المسجد في عام 1969 واحداً من عدة محاولات قامت بها إسرائيل لتدمير المسجد.
وليس التهويد هدفاً إسرائيلياً فقط بل إنه هدف تسعى إليه الحركة الصهيونية في الولايات المتحدة أيضاً، ولذلك يمكن اعتبار تاريخ الخامس من حزيران عام 1967 عنواناً لبدايات جديدة كثيرة ليس في العالمين العربي الإسلامي فقط ولكن في العالم كله ولاسيما في الولايات المتحدة.
فعندما احتلت إسرائيل مدينة القدس كان على رأس القوات الإسرائيلية التي اقتحمت المدينة المقدسة-موشي دايان- وكان يرافقه في دبابة القيادة القس الإنجيلي الأمريكي «بات روبرتسون» الذي أعلن في ذلك اليوم وهو يتفرج على عملية تهديم حي المغاربة المجاور للمسجد الأقصى: «إن المعجزة الثانية المتعلقة بسيناريو العودة الثانية للمسيح قد تحققت و علينا الآن العمل على تحقيق المعجزة الثالثة وهي بناء الهيكل اليهودي على أنقاض المسجد الأقصى وفي موقعه» أما المعجزة الأولى فقد تحققت بقيام إسرائيل في عام 1948.
وفي عام 1980 ترشح «روبرتسون» للانتخابات الرئاسية الأمريكية وكان يتطلع إلى العمل على تحقيق المعجزة الثالثة ولكنه تعثر في الوصول إلى البيت الأبيض وكان الفوز من نصيب ريغان ولم يكن ريغان أقل شغفاً بسيناريو نهاية الزمن الذي يبدأ بمعركة هرمجدون الماحقة ثم بعودة المخلّص الذي يحكم العالم مدة ألف عام يسود خلالها الأمن والسلام والعدل كما تقول الأدبيات الدينية لهذه الحركة.
ولذلك كان ريغان يقول: إنه يتمنى أن يكرمه الله بالضغط على الزر النووي حتى تقع هرمجدون ويكون له بالتالي شرف المساهمة بتحقيق أحد أهم شروط هذه العودة المنتظرة.
ففي الحادي والعشرين من آب عام 1969 أي بعد مضي عامين فقط على احتلال القدس امتدت يد الإجرام الصهيونية إلى المسجد الأقصى وأشعلت فيه النيران وكان الهدف من وراء تلك العملية تدمير الأقصى، ولم تكن تلك المحاولة الأولى ولن تكون الأخيرة.
فقد جرت عدة محاولات قبل ذلك منها محاولة تزنير المسجد بالمتفجرات ونسفه ومنها محاولة قصفه بالقنابل المحرقة والمدمرة من الجو.
ولم تفشل هذه المحاولات إلا بعد افتضاحها قبل تنفيذها.
والذي أحرق المسجد الأقصى كان صهيونياً مهاجراً من استراليا من أعضاء (حركة الصهيونية) التي تعتبر قيام إسرائيل واحتلال القدس وبناء هيكل يهودي على أنقاض المسجد الأقصى شروطاً لازمة للعودة الثانية للمسيح.
وكذلك فإن تمويل تلك المحاولات لم يكن تمويلاً إسرائيلياً فقط بل كان مصدره الأساس هذه الحركة الصهيونية وحتى شراء العقارات في القدس وحولها اعتبر منذ عام 1967 أولوية مقدسة لدى هذه الحركة الإنجيلية التي تعارضها الكنائس الإنجيلية و الكاثوليكية والارثوذكسية.
إن البعد الديني المتجذر في استراتيجية الدعم الأمريكي لإسرائيل يتجاوز الحسابات السياسية وحتى المصالح القومية الأمريكية.
وتمارس حركات سياسية دينية أوروبية تؤمن بهذه النظرية الدينية أيضاً ضغوطاً معنوية شديدة على حكوماتها لحملها على مساعدة إسرائيل ودعمها اعتقاداً منها بأن في ذلك تلبية لنداء الله ومساهمة منها في تنفيذ إرادته.