والتحولات الدولية الراهنة، تلك التي لم تعد بمصلحة العدو الصهيوني كما كان يحضّرها هو لنفسه، ويفرضها على أصحاب الحق في المنطقة العربية
حيث كانت المعادلة السياسية تترجم لمصلحة أصحاب النفوذ على حساب أصحاب الحق في الأرض، والتاريخ، والوجود. جرى ذلك عندما كان الخيار العربي يعتقد بإمكانية وجود، أو اظهار آلية دولية للحل العادل، والشامل للصراع العربي- الاسرائيلي. وهاهم العرب قد اختبروا الكيان القائم على الغطرسة والعنصرية، والتهويد بأن خارطة سلام ليست في توجهاته، وأن أي نية باتجاه الدولة الفلسطينية غير موجودة.
وهاهي المنظمة الصهيونية داخل الأرض الفلسطينية المحتلة (بتسليم) تعلن عن أن الاستيطان الصهيوني يلتهم/43٪/ من مجمل مساحة الضفة الغربية دون احتساب القدس ما يعني - عملياً- اجهاض فكرة الدولة الفلسطينية المستقلة التي تبناها أوباما، ويدعي العمل بالوصول إليها مرة عبر المفاوضات غير المباشرة، ومرة بالمطالبة بتحويل هذه المفاوضات إلى مباشرة حتى بتواصل التطبيل السياسي لوجود الحل مخلّصاً لأميركا، واسرائيل من ضغط المجتمع الدولي الذي انكشفت أمامه حقائق كثيرة من قوة الدبلوماسية السورية، دبلوماسية المواجهة، والصمود، والمقاومة، وكذلك من تغيير أوراق اللعبة على الأرض العربية على أثر الفشل الذي أصاب العرب في الثقة بأن الحل إذا أرادته أميركا سيكون والمهم أن نبقى مع أميركا، ونساعدها على ما تريد.
وإذا رغبنا غض النظر عن المحاور التي حاولوا دفع العرب إليها بوهمية الطريق الوحيد نحو الحل وما توصل إليه من راهن على ذلك من ضياع جهود، وخيبة آمال نجد أننا- في الدائرة العربية وفضائها الممتد الفسيح- ملزمون بإعادة النظر فيما بيننا في كل شيء لأن أميركا، واسرائيل لن تعطيانا شيئاً، وزيارة نتنياهو إلى واشنطن أثبتت - للذين ما زالوا يحتاجون إلى إثباتات- بأن أميركا لا ترى مصالحها سوى مع اسرائيل بحمايتها، وتقويتها والادعاء بأنها المهددة دوماً من محيط عربي، وإسلامي يتربص بها الدوائر. وما زالت هذه الحالة تكرر المقولة التي تعيها سورية جيداً، وتضع سياساتها الجيواستراتيجية وفقها وهي ان أميركا ليست لها سياسة في منطقتنا العربية، بل هنا توجد سياسة صهيونية تتعهدها أميركا بالتنفيذ.
والسياسة حين تنطلق من حياة الشعب، وسيادة الوطن، والقرار المستقل تتصل دوماً بالوجدان الشعبي لتعبّر عنه، وتعبر فيه الى الجبهات التي تواجه التحدي، وتؤكد مشروعية مقاومة أصحاب الحق الثابتين عليه، وغير المفرطين فيه، والصامدين في خطوط المقاومة المتعددة من أجله. ومن هذه القواعد اللأخلاقية في العمل بما يتجاوب دوماً مع طموح الأمة انطلقت سياسة السيد الرئيس بشار الأسد - عبر عقد كامل من الزمان على قيادته- لتبقى المرابطة في القلعة العربية للمقاومة، والرافضة لأي صورة من صور التنازل أمام العدو، وبناء عليه تدرك هذه السياسة أهمية التعبئة- بدينامية خلاقة- للدوائر الثلاث: العربية، والإقليمية والدولية وبأن التأثير المتبادل بينها يكسب قضية العرب المزيد من الفهم، واقرار العدالة، والضغط باتجاه تنفيذ القرارات ذات الصلة. وزيارة السيد الرئيس الى تونس اليوم تكتسب أهميتها دوماً من بنية العقل السياسي التوحيدي للسيد الرئيس، ومن رغبته دوماً في المزيد من تكثيف العمل العربي وترسيخ المشتركات في السياسة والاقتصاد، والثقافة خدمة لعروبتنا الحاضرة التي تتعرض لتحديات الكثير من العوامل الخارجية، ومن احتياطييهافي الداخل العربي.
ومن المعروف أن السياسة التي اختطها السيد الرئيس بشار الأسد - عبر العقد الاول على قيادته الذي تكون قمته في 17 من هذا الشهر- اتسمت بالحكمة من منظور أن الحكمة هي السبيل الوحيد لربط العقل بالعاطفة، فالعقل السياسي القومي التوحيدي يرتبط بالعاطفة العروبية التي ربطت مشرق العرب بمغربهم عبر الوجود الجيوتاريخي للعرب على هذه الارض. ومن صور استقبال البلد الشقيق تونس للسيد الرئيس رسمياً وشعبياً نقف على النسبة الحقيقية لتمثيل سيادته في الوجدان الرسمي، والشعبي. فهو القائد العربي الحريص على العمل العربي عبر المنهج الموحد للسياسة العربية في القضايا العربية المهمة وفي طليعتها قضية فلسطين والأراضي العربية المحتلة. وهو الحريص على ألا يتسبب الخلاف العربي- العربي بالقطيعة السياسية والاقتصادية، والثقافية. وهو الحريص على تفعيل آلية حلِّ النزاعات العربية، والخصومات بلجان عربية على قاعدة أهل البيت الواحد. وأخيراً : إن آفاق هذه الزيارة ستعود على التضامن العربي، الهدف المتواصل لسورية بالتنشيط المطلوب، والتحريض الامثل نحو الوصول إلى حل السؤال الأساس في المسألة العربية عموماً، وهو: كيف نكون معاً باعتبار أن التحدي الأمرو صهيوني لا يستثني منا أحداً.