في خضم كل تلك التحركات تتجه التنظيمات الارهابية المدعومة من تركيا إلى حشد مزيد من قواتها للتصدي لأي بذرة نجاح متبقية في «سوتشي».
يعج شمال سورية بين منبج وشرق الفرات بحوادث التركي والأميركي اللذين يسعيان إلى إجهاض الاتفاقات الدولية، حيث حاول الممثل الخاص لوزارة الخارجية الأميركية لشؤون سورية جايمس جيفري ملاقاة المخاوف التركية تجاه المبادرة الأميركية لنشر «نقاط مراقبة» على الحدود السورية ــــ التركية بين نهري دجلة والفرات، تحت حجج أنها ستكون فقط لحماية امن تركيا ولن تكون مواقع قتالية، ولن تمنع أي طرف من إطلاق النار، فيما وأد جيفري آستنة وسوتشي، وعبر عن وجهة نظر بلاده التي تعتقد بأنه مع وصول المبعوث الأممي الجديد يجب النظر إلى كيفية دفع العملية (السياسية) إلى الأمام، ومعرفة المسؤول عن تعطيلها، كما وجه التهم بكل ما أوتيت السياسية الأمريكية من عنجهية للدولة السورية بانها من أفشلت هذه الاتفاقات.
وبعيداً عن كل التطمينات الامريكية لتركيا إلا أن واشنطن تحاول أن تكسب مزيدا من الوقت لإزاحة حليفها التركي بعيداً من صيغة آستنة ، وضمان مصالحها شرق الفرات في الوقت نفسه وهو ماجاء على لسان جيفري بأن تركيز التحركات اليوم على منبج فقط!! مشيراً إلى التزام واشنطن بـ«تحقيق تقدم ملموس» في التحركات شرق الفرات بحلول نهاية العام، والتي تهدف من خلالها إلى ضمان مصالحها في المنطقة.
تخبطات الممثل الخاص لوزارة الخارجية الامريكية عبر الهجوم الغير مسبوق على آستنة، لم يكن له صدى في الجانب التركي الذي كان أحد الراعين للاتفاق، على اعتبار أن جيفري كان في عقر الديار التركية بل ركز حديث المسؤولين الأتراك على الملفات ذات الاهتمام الثنائي المشترك (في الشأن السوري)، لا سيما ما يخصّ منبج وشرق الفرات، كما شدد اللقاء على ضرورة تحقيق تقدم ملموس وسريع في تنفيذ خريطة الطريق الخاصة بمنبج، بحلول نهاية العام الحالي، واستمرار التخطيط المشترك للعمل في المناطق الأخرى وفق ما تنص عليه تلك الخريطة، كذلك تضمّن البيان التزام الطرفين حسب ادعائهما «سيادة واستقلال ووحدة وسلامة أراضي سورية، بيد أن هذه الصيغة التي تعد أقرب إلى محاباة الطرفين لبعضهما، فهي لم تخرج حسب العديد من المحللين عن لغة التعاون المشترك التي يتجادل ضمن إطارها الطرفان عادة، وهي تشير إلى أن الجانب الأميركي مستمر في سياسة شراء الوقت لمنع أي صدام بين حليفه التركي، والقوى التي يرعاها في شرق الفرات، فيما أكد المتابعون للشأن التركي أن أنقرة لن تقبل بالخطة الأميركية الحالية لتثبيت نقاط مراقبة على طول الحدود، من دون وعود واضحة المعالم لإضعاف نفوذ «وحدات حماية الشعب» الكردية على امتداد الأراضي السورية بين نهري دجلة والفرات، وهو ما عبر عنه وزير الدفاع التركي بضرورة إنهاء الدعم الأميركي المقدم لـ «الوحدات» الكردية، والتخلي عن طرح نقاط المراقبة.
وفي الوقت الذي تعمل فيه واشنطن بكل قوتها وجهدها على إقناع حليفها التركي بأحقية مصالحها في شرق الفرات، كثف تحالف واشنطن من اعتداءاته الجوية ضد المدنيين في شرق دير الزور بحجة تمهيد الطريق «لقسد» التي تدعمها والتخلص من «داعش»، فكانت النتائج مزيدا من الضحايا المدنيين ومئات الشهداء وخسائر في البنى التحتية.
وبين الاتهامات الأمريكية ضد سوتشي والتحركات التركية شمال سورية، أعلن الناطق الرسمي لما تسمى «الجبهة الوطنية للتحرير» أكبر التشكيلات الإرهابية في الشمال السوري المدعو ناجي مصطفى، عن تعزيز قدراتهم ورفع جاهزيتهم لمواجهة الجيش العربي السوري، خاصة ان هذه التنظيمات هي نفسها التي رفضت الدخول في سوتشي وكانت من اكبر المعرقلين لنجاحه.
هذا وكانت أبرز الفصائل الإرهابية في إدلب أعلنت قبل أكثر من ستة أشهر عن تشكيل «الجبهة الوطنية للتحرير»، والتي تضم كلا من: «فيلق الشام» و«جيش إدلب الحر» و«الفرقة الساحلية الأولى» و«الفرقة الساحلية الثانية» و«الفرقة الأولى مشاة» و«الجيش الثاني» و«جيش النخبة» و«جيش النصر» و«لواء شهداء الإسلام في داريا» و«لواء الحرية» و«الفرقة 23».
واشنطن تحضر «كردستاناً سورياً»
في سياق مماثل كان رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية، الجنرال جوزف دانفورد قد صرح مسبقاً أن قوات بلاده درّبت نحو خمس القوات اللازمة لحماية ما تدعي أنها قوات تحافظ على استقرار المناطق التي كانت تحت سيطرة «داعش»، والتي يقدر عددها بين 35 ألفاً و40 ألف عنصر، وهو ما يفتح باب التساؤل عن الدور الامريكي القادم في سورية؟
تلك التساؤلات وجد بعض الإجابات عنها عبر مقالة تم نشرها في صحيفة «أوراسيا ديلي»، والتي تحدثت عن الدور الأمريكي في دعم «انفصال أكراد» سورية، وخلق حدود محمية بالسلاح بحكم الأمر الواقع.
ووفقاً للمقال فإن الولايات المتحدة تواصل بنشاط البحث عن أسس لتمديد وجودها العسكري في سورية إلى أمد غير محدد، وقد اتبعت سيناريو مألوفا ومختبرا في بلدان أخرى من المشاركة في الأزمة تحت ستار تدريب قوات محلية على مكافحة الإرهاب والتهديدات الأخرى.
وعليه بلغ عدد المقاتلين المزمع تدريبهم وتجهيزهم على الضفة الشرقية لنهر الفرات حوالي نصف المنضوين تحت راية التحالف العربي الكردي (قوات سورية الديمقراطية)، الذين يتراوح عددهم بين 60 و 75 ألف مقاتل، أي أن واشنطن تتجه إلى إنشاء تحالف شبيه بكردستان العراق لكن شمال سورية، بيد أن هذا التحالف الافتراضي لا وجود له إلا في المواد والخرائط التشغيلية لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية، والاستخبارات العسكرية الأمريكية، وتقارير تحليلية التي أعدت للقيادة السياسية في واشنطن، فيما تسعى أمريكا جاهدة إلى ضم التنف إلى هذا التحالف والذي يعد بحسب الصحيفة مبالغة كبيرة، خاصة أن التنف لا يوجد فيها «أكراد» وعليه تسعى واشنطن إلى تحويل مركز الثقل عليهم، خدمةً لوجود أمريكي طويل الأجل في الشرق الأوسط، تحت عنوان «فرّقْ تَسُدْ».