تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


غاب شارون وبقيت الشارونية !

شؤون سياسية
الثلاثاء 31/1/2006م
مصطفى قاعود

بلا شك نحن معنيون بالإجابة عن أسئلة المستقبل لأننا معنيون بالمواجهة,

والنظرة التبسيطية التي تبتعد عن التحليل الواقعي قد تؤدي بنا إلى الاستكانة وانتظار ما ستؤول إليه الأمور في اسرائيل ما يبقينا في موقع رد الفعل بعيداً عن الاستعداد الواقعي لمواجهة الاستحقاقات, نعم غياب شارون قد يحدث بعض البلبلة في الخريطة الحزبية الداخلية ولكن بشيء من التدقيق سنكتشف أن رحيل شارون لا يعني رحيل الظرف الموضوعي الذي انتج السياسة الشارونية والتي بلا شك لاقت استحساناً لدى جمهور صهيوني واسع, لأنها حققت مكاسب جمة لاسرائيل, وبالنهاية وضعتها على أبواب مرحلة جديدة ونوعية عنوانها الأبرز هوية الدولة وبالأوضح (يهودية الدولة) ولهذا الشعار منتسبون كثر أسهم التفافهم بولادة كديما والذي سجل رسمياً كحزب شخص واحد هو شارون, لكنه كان بالنهاية تعبيراً عن نهج ورؤية لها جذور في المجتمع الصهيوني وجاء نتيجة فرز لحالة صراع وتنازع أيديولوجي وحزبي وسياسي مستمر منذ عدة عقود بلغ أوجه في المرحلة الشارونية ارتباطاً بالتسوية المطروحة حيث كانت تتنازع السياسة الصهيونية بين تيارات عدة انطلاقاً من النظرة إلى التسوية ومستقبل اسرائيل ارتباطاً بمصير الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 وصلة ذلك بالحل النهائي حيث تبلورت في خضم هذا الصراع ثلاث وجهات نظر رئيسية ظلت وجهات نظر إلا أن شارون شرع بتنفيذ وجهة النظر التي يحملها من جانب واحد وبالاتفاق مع إدارة بوش لذا كانت حالة الفرز التي شهدناها وأعطت قوة مثال داخل المجتمع الصهيوني لامكانية فرض تسوية وحل نهائي من جانب واحد يستجيب لمتطلبات(يهودية الدولة) ولنتعرف أكثر على الشارونية لا بد أن نفرزها من بين وجهات النظر المتصارعة وهي:‏

أولاً: أنصار (أرض اسرائيل الكاملة) ويعبرون عن أنفسهم (بتجسيد ما يسمونه حق الشعب اليهودي على أرض اسرائيل الكاملة وأنه لا يحق لأحد الانسحاب من هذه المناطق بل يجب ضم هذه المناطق)وتلك هي السياسة التقليدية لحزب الليكود والأحزاب المتدينة المتحالفة معه وظل شارون ابناً لتلك المدرسة إلى أن وجد نفسه وجهاً لوجه أمام التسوية قبل أن تتمكن اسرائيل من تغيير الواقع الديمغرافي في الأراضي الفلسطينية المحتلة نتيجة صمود الشعب الفلسطيني.‏

ثانياً: أما وجهة النظر الثانية فهي تتحدث عن الانسحاب الكامل(وأن هذه المناطق محتلة من قبل اسرائيل وهي أي اسرائيل لا يحق لها الاستمرار في الاحتفاظ بها ولذلك فإنه يتوجب عليها الانسحاب , لكنها ترفض الانسحاب الكامل إلى خطوط 1967 وأصحاب هذا الرأي هم من يسمون باليسار الاسرائيلي وإلي حدٍ ما حزب العمل ولكن دون قناعة عملية أو قدرة علي مواجهة تيار التطرف اليميني لذا انساق حزب العمل مع موجة تشجيع الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة حيث كان موزعاً حول ضرورة الانسحاب وإمكانية تغيير الوجه الديمغرافي من خلال الاستيطان). لكن اسرائيل لم تشهد بتاريخها مدافعاً عن الاستيطان أشرس من شارون الذي سمي( أبو الاستيطان) إذاً هناك مصلحة صهيونية أكبر هي التي دفعت شارون لوقف شهيته الاستيطانية العشوائية نقول العشوائية لأنه بقي مع الاستيطان ولكن المجدي ديمغرافياً وسياسياً من وجهة نظره.‏

ثالثاً: التسوية الإقليميةومضمونها( أن لاسرائيل الحق في الاحتفاظ بأرض اسرائيل التي احتلتها في حرب يزعمون أنها دفاعية و من أجل الحفاظ علي طابعها كدولة يهودية صهيونية فإنه يجب عليها التنازل عن جزء من هذه الأرض وضم الباقي ضمن تسوية).‏

وأول من طرح هذا التوجه هو إيغال آلون ومثل هذا الاتجاه جوهر برنامج حزب العمل للتسوية وهو الخلفية التي دفعت رابين للتوقيع عل اتفاق أوسلو, وهذا التوجه يميز بين مناطق مختلفة بناء علي تركيبتها الديمغرافية ويخلص إلي أن اسرائيل تنسحب من الأراضي ذات الأكثرية الفلسطينية وتحتفظ بمناطق قليلة السكان وبموجب هذا عملت اسرائيل بمختلف أطيافها علي التغيير القسري للواقع الديمغرافي لبعض المناطق ذات الأهمية مثل القدس ومحيطها ليصار إلي إخراجها من التسوية كأمر واقع وفقاً لنظرية كلينتون ماللعرب للعرب ومالليهود لليهود.‏

لذا ظلت اسرائيل تتهرب من التسوية وتماطل في تنفيذ الاتفاقات وعلي رأسها أوسلو علي علاته إلي حين إحداث التغير الديمغرافي اللازم قبل تنفيذ التسوية وخصوصاً في محيط القدس, ولكن ماالذي فعله شارون عندما وجد نفسه مضطراً لتقديم إجابات وضاحة عن التسوية و(خريطة الطريق) تبني وجهة النظر الثالثة مع ادخال تعديلات جوهرية عليها وفي مقدمتها عدم الاعتراف بوجود شريك فلسطيني, وقام بالخطوة الأولي بفك الارتباط أحادي الجانب عن غزة الميؤس من إمكانية إحداث تغيير ديمغرافي فيها وترتب علي تلك الخطوة تعاطف دولي وأميركي بشكل خاص حمل شارون علي الاعتقاد بأنه بالإمكان الوصول إلي تسوية نهائية وعلي رأسها القدس والكتل الاستيطانية الكبري وإسقاط حق العودة حيث لمس استعداداً لدي إدارة بوش لتقبل ذلك من خلال تطمينات بوش المكتوبة.‏

أي أن هناك فرصة لتحويل التطمينات إلي اتفاق مع الولايات المتحدة بوصفها وكيلاً اجبارياً عن الفلسطينيين ولدي شارون كتلة كبيرة في الليكود تؤيد هذا التوجه وأخذ هذا الاتجاه يتجذر داخل المجتمع الصهيوني ويستقطب ويستهوي الكثيرين من الأحزاب الأخري التي كانت تتطلع إلي تسوية بهذا المستوي ولكنها كانت عاجزة عن تنفيذها ما أحدث خلخلة داخل الخريطة الحزبية الصهيونية دفع شارون إلي التقاط الحالة واللحظة المناسبة وركوب الموجة والاعلان عن حزب كديما الذي يري منتسبوه ضرورة استغلال الفرصة المتاحة في ظل إدارة بوش لانجاز اتفاق مع واشنطن يتم بموجبه رسم حدود اسرائيل الشرقية ويريي شارون أن لهذا الاتفاق أهمية دولية كبيرة وحاول بدوره إغراء الولايات المتحدة بالمكاسب التي سوف تجنيها فيما لو أقدمت علي توقيع اتفاق كهذا مع اسرائيل حيث يقول مخاطباً الأميركان(أنتم أناس ستستطيعون التلويح بإنجاز تاريخي. إدارة بوش هي الإدارة الأميركية الوحيدة التي ستجسد الإعلان الرسمي لموقع اسرائيل وانسحابها الكبير من أكثر مناطق الضفة وعن إخلاء كبير لعشرات المستوطنات ولعشرات آلاف المستوطنين والتمكين لدولة فلسطينية ذات امتداد جغرافي في الضفة) بالمقابل ستحصل اسرائيل علي توقيع أميركي رسمي يتضمن الرفض الأميركي التام والصريح لحق العودة, وعلي سيادة اسرائيلية في القدس القديمة كلها, و هذا الاتفاق الأميركي مع اسرائيل سيشكل المقدمة لحل نهائي وتام يجبر عليه الفلسطينيون كأمر واقع, ويفترض من وجهة النظر الاسرائيلية أن يشتمل الاتفاق الاسرائيلي الأميركي علي استكمال سريع للجدران وعلي إخلاء تدريجي للمستوطنات وعلي مساعدات مالية أميركية ضخمة تغطي نفقات نقل المستوطنين وتوطينهم من جديد داخل حدود الجدران التي ستتحول إلي حدود حقيقية لاسرائيل وللكانتونات الفلسطينية التي ستسمي دولة, وشارون الذي أعلن مراراً أنه لن يكون هناك انسحابات أحادية أخري سيكون لموقفه هذا صدقية مصطنعة أمام ناخبي كديما, فالانسحابات هذه المرة ليست أحادية بل متفق عليها ولكن ليس مع الفلسطينيين وإنما مع الوصي الأميركي الإجباري علي الطرف الفلسطيني, وانطلاقاً من هذا التصور أعلن شارون في برنامج كديما الحزبي أنه سيضع البنية التحتية للحدود الدائمة لاسرائيل وبوصفها دولة ذات أكثرية يهودية وعليه فإن حزب كديما لم يعد حزب شارون وحده بل حزب(يهودية دولة اسرائيل) وهو تعبير عن حالة أيديولوجية داخل المجتمع الصهيوني, لذا سوف يستمر حتي بعد رحيل شارون وستستمر الشارونية فلنستعد للمواجهة لأن الشارونية في بدايتها وليس في نهايتها?!.‏

ومن الجدير بالذكر أن صحيفة معاريف أشارت في تقرير لها أن هذه الخطة ظهرت بشكل مفصل في الصحيفة الأميركية (كومنتري) وهي المرشد النظري للمحافظين الجدد ولإدارة بوش وللحزب الجمهوري وأثارت اهتماماً كبيراً في الولايات المتحدة الأميركية ويشير ذات التقرير أن اسرائيليين تحدثوا إلي وزير الخارجية الأميركي السابق هنري كيسنجر وسمعوه يؤيد هذه الخطة ويمكن أن يكون من مقترحيها الأوائل حيث نصح بسرية الاتصالات الاسرائيلية الأميركية وذلك بقصد أن يعرض الموضوع كله كنوع من العرض الأميركي علي اسرائيل أمام دول الاتحاد الأوروبي بهدف الحصول علي تأييدها لعملية رسم الحدود.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية