تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


أســــطورة بعــــل ومــــوت

ملحق ثقافي
2/5/2006
فراس السواح

في حلقة سابقة من هذه السلسلة، قدمنا القصة الأولى من ملحمة بعل وعناة، التي تدور حول الصراع بين قوى الشواش والفوضى التي يمثلها الإله يم، أي البحر في اللغة الأوغاريتية،

وبين قوى النظام التي يمثلها الإله بعل. بعد انتصاره في هذه المعركة، يشرع بعل في تنظيم أمور العالم في مأمن من قوى العماء البدئي، ويدعو الألهة عناة التي تمثل روح الخصوبة الكونية لتلتحق به في مقر حكمه في أعالي جبل صفون ـ(=الأقرع)، ومن لقائهما تنتعش مظاهر الطبيعة والحياة الزراعية، لأن القوى الاخصابية لاتفعل إلا بمعونة قوى السحاب والمطر والندى التي يمثلها بعل. وها هو يبعث إليها رُسله برسالة قوامها أنشودة غنائية تعدُّ من عيون الأدب الأوغاريتي: عند قدمي عناة اركعا، أسجد وبجلاها وقولا للبتول عناة، أعلنا لسيدة الأبطال رسالة بعل العلي، وكلمة بعل الظافر: أن أقيمي في الأرض وئاماً وبذري في التراب محبة واسكبي السلام في جوف الأرض وليهطل الحب مخترقاً جوف الحقول وإليّ فلتسرع قدماك اهرعي إليّ تحملك ساقاك فعندي كلمة أقولها لك عندي قصة أسردها عليك إنها كلمة الشجر ووشوشة الحجر همسة السماء إلى الأرض ونجوى البحار إلى النجوم فأنا عليم بالبرق الذي لاتدرك السماء كنهه وعندي من الأسرار ما لايفهمه البشر هلمي إلى فاكشف لك كل أسراري لقد كانت علاقة عناة ببعل علاقة وثقى لاتنفصم، وكان حبهما الأبدي ورباطهما الجسدي ضرورة لاغنى عنها للحياة الزراعية. ولقد غذى هذه الفكرة طبيعة المناخ والبيئة السورية، حيث لاغنى للزراعة عن الأمطار، وحيث لاتشكل الأراضي المروية بواسطة الأنهار إلا نسبة ضئيلة مقارنة بوادي النيل ووادي الرافدين،وحيث معظم الأراضي هي ملك لبعل يسقيها كيف يشاء وعندما يشاء. ولاتزال حتى الآن الأرض المروية بماء السماء، في بلاد الشام، تدعى «أرض بعل» نسبة إلى إله المطر السوري، القديم. ولكن الإله يم لم يكن العدو الأخير الذي يتصدى لبعل، فما زال أمامه الكثير من الصعاب قبل أن يحقق انتصاراً كاملاً ومطلقاً، ومازالت هناك قوى تعاكس النظام الذي خلقه بعل بانتصاره على مياه الشواش البدئية، وتقاوم الحياة الانسانية والطبيعية التي انتظمت بعد أن وطد بعل سلطانه وبنى بيته، وهذه القوى يمثلها الإله «موت» سيد العالم الأسفل.فإذا كان انتصار بعل يمثل انتصار قوى الحضارة في المجتمع الانساني، والخصب في حياة الطبيعة، فإن «موت» يمثل الموت والجفاف والدمار والفوضى، وهو ضد الانسان يلاحقه طيلة حياته لاقتناص روحه التي يعمل بعل كل جهده للحفاظ عليها و«موت» ضد النبات يرسل عليه الحرارة والجفاف فيذبل ويذوي، بعد أن بذل بعل جهده في حفظه وإنمائه. وهو ضد النور والشمس والحركة، ولذا فإن عالمه هو عالم سفلي يسوده الظلام والصمت والسكون، في مقابل عالم بعل المليء بالفعالية والحركة والحياة. وسوف يكون على هاتين القوتين أن تتصارعا طويلاً قبل أن يُكتب لإحداهما الانتصار، وسيجد بعل نفسه في المعركة مراراً لاحصر لها، ففي كل سبع سنوات سيتبرى له «موت» ويتحداه، فيسلم نفسه له ويهبط إلى العالم الأسفل، ولكنه يعود منتصراً إلى الحياة بمعونة عناة، ويعمد الاثنان إلى القضاء على فلول جيش موت. وهكذا نجد أن هذه الأسطورة لاتهدف بالدرجة الأولى إلى تفسير الدورة الزراعية السنوية، بل إلى تفسير تناوب دورة الخصب ودورة الجفاف، وهو تناوب يميز مناخ بلاد الشام، وكان على مايبدو أكثر وضوحاً في الأزمنة القديمة، ويمكن حصره في سبع سنوات خصيبة تليها سبع عجاف. يبدأ الصراع كما هو الحال دوماً بمناوشات كلامية بين الطرفين، فبعد أن يستقر بعل فوق عرشه ويشرف على مملكة من أعالي جبل صفون، يبدأ أعداؤه بالتآمر ضده، ويعلن« موت» قائدهم: أنا وحدي من سيحكم فوق جميع الآله أنا وحدي من سيأمر الناس والآلهة ويسيطر علىجميع من في الأرض. (ولكن لبعل في هذه المسألة رأي آخر.) الآن وقد جلس بعل في قصره لن يحكم أحد على الأرض ملكاً كان أو غير ملك لن أرسل بأتاوة إلى موت بن إيل ولا جزية للبطل حبيب إيل دعوا موت يستتر في هوته السفلية دعوا حبيب إيل يكمن في مخابئه نستطيع فهم هذا التحدي لإله الموت بطبيعة انتصار بعل غير الكامل، فلقد هزم الإله ونودي به ملكاً، ولكن قوة الموت بقيت مسيطرة، وهي قوة يخضع لها الآلهة والبشر على حد سواء. وكان على بعل الخلاص من هذا المنافس ليكتمل سلطانه، فيبعث برسوليه إلى موت برسالة لانفهم فحواها بسبب النقص والتشوه في اللوح: الآن توجها إلى جبل ترعز وإلى جبل شرمج إلى الجبلين اللذين يحدان الأرض قوما برفع الجبل على أيديكم والتل على راحات الأكف واهبطا إلى أقاصي الأرض العميقة حتى تحسبا مع من غادر هذه الأرض ثم توجها إلى موت بن إيل في وسط مدينته، حيث كرسي عرشه حيث الشوك والطين، وحيث الحراس والأعوان ولاتقربا كثيراً من موت ابن الآلهة حتى لايجعلكما إلى فمه كما الحمل ويسحقكما بين فكيه كالجدي الصغير وعند قدمي موت واسقطا على الوجوه أعلنا للبطل حبيب الإله إيل رسالة بعل العلي، وكلمة بعل الظافر ها قد بنيت هيكلي من ذهب وبيتي من فضة......... (البقية مشوهة) يحمل الرسولان كلمة بعل إلى مملكة موت، ولكننا لانعرف طبيعة الرسالة، ولا ما جرى من حوار بين رسل بعل والإله موت، وذلك بسبب غير مفهوم يتراجع بعل عن المواقف التي كان قد أطلقها ويستسلم إلى الموت: شفة في الأرض، وشفة في السماء ولسانه يمتد بين النجوم يجب على بعل أن يدخل في جوفه هابطاً إليه من فمه فيجف الزيتون ونتاج الأرض وثمر الشجر خاف منه بعل العلي (وقال للرسولين): انطلقا وقولا لموت ابن الآلهة تحية لك ياموت، عبدك أنا سأكون (وبينما هو يستعد للرحلة، تأتيه تعليمات جديدة من موت): عليك أن تأخذ معك غيومك ورياحك وعواصفك وأمطارك وتأخذ بدرية ابنة النور وطيلة ابنة المطر فارفع الجبل على يديك والتل على راحيتك واهبط الى أقاصي الارض العميقة حتى تصبح مع من غادر هذه الارض (نقل الرسل خبر موت بعل الى كبير الالهة ايل، فأقام عليه طقوس الحداد:) جئنا الى بعل فإذا هوساقط على الارض مات بعل العلي، هلك الامير سيد الارض فقام اللطيف إله الرحمة ثم تهاوى واقعاً على الارض حثا التراب على رأسه، ومرغ نفسه بالأديم رفع صوته وصاح: بعل مات ماذا سيحصل بالبشر وصل خبر اختفاء بعل الى عناة، فراحت تطوف الارض حتى وجدته،فندبته حتى جف دمعها، ثم حملته على كتفها بمعونة «شبش» إلهة الشمس، وصعدت به الى أعالي جبل صفون حيث دفنته، ومضت الى إيل ودخلت عليه وهي تعرف بأن زوجته عشيرة سوف تفرح لموت بعل، لأن ذلك سوف يعطيها فرصة لتنصيب احد اولادها مكانه: فلتفرح عشيرة ولتبتهج مع ابنائها لأن بعل العلي قدقضى لأن سيد الارض قد هلك فنادى إيل عشيرة سيدة البحر: أي عشيرة ياسيدة البحر استمعي إلي ادفعي إلي بأحد أولادك لأجعله ملكاً فأجابت عشيرة سيدة البحر: لنجعل على العرش ملكاً قادراً على الحكم‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية