تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


أسعد عرابي: اللوحة تمثل رهاناً ثقافياً وجدانياً وجودياً

ملحق ثقافي
2/5/2006
أيمن الغزالي

حملت اللوحات الطازجة في اللون وتاريخ الإنجاز من باريس بالنسبة لأسعد عرابي ومن محترف يازجي المقيم في دمشق القديمة عذوبة البرد والدفء معاً الحرية والطموح، الرفض والقوة،

الغربة والمكان بذاكرة تكاد تكون واحدة لكليهما رغم تأثيرات الطقوس المختلفة. يتسم الإثنان بخصوبة الإنتاج والالتقاء حول البحث عن مثيولوجية تعبيرية معاصرة موشومة بذاكرة التعبيرية المحلية والروح الحضارية الشمولية المتوسطية وتواصلها أسلوبياً مع عدد من الاتجاهات التشخيصية ما بعد الحداثوية مثل (التشخيصية المحدثة) و(التعبيرية المحدثة). وإلا ما معنى هذا الجمع بين أسعد عرابي وفادي يازجي رغم الانتماء إلى جيلين متباعدين وامتلاكهما سيرتين مختلفتين، بالزمان والمكان. هناك تقارب في الأسلوبين وخاصة في الأشياء الفخارية لأنها بالنهاية هي التحدي الذي يعيشه فادي في تجاوزه لكل هذه المواصفات التي يعيشها في عقد التحدي. لهذا لم يكن رأي الفنان الياس زيات مختلفاً حول لقاء هذين الفنانين ليؤكد بدوره على السمات الأساسية في لقائهما مشيراً إلى حالة التعري الفني أمام المشاهدين والتي اكتملت بالجلسة الحوارية ولأنه لابد من كلام قال: إن علاقة الفنان بالمتلقي هي وسيلة مشيراً إلى أسعد وفادي (رؤية جديدة في معالم مختلفة). على هامش هذه التظاهرة حاورت أسعد عرابي <لماذا اخترت بالذات فادي يازجي في معرضكم المشترك وليس سواه؟. << لم أختره، وإنما تم اللقاء والاختيار بيننا بصورة عفوية وخلال على الأقل السنتين الأخيرتين، صدر المشروع كشراكة طبيعية بسبب قرابة الحساسية والدهشة «التعبيرية الميثولوجية» المشتركة، كانت لقاءاتنا متباعدة، أنا مقيم في باريس وهو في دمشق، بحكم زيارتي السنوية (شهر كل عام) فقد كانت تجمعنا ليس فقط، أحياناً نفس الموضوعات والعناصر الأسطورية أو الميتافيزيقية الروحانية، بل وهو الأهم اتفاقنا الحدسي حول آلية تفريخ هذه الصور الميثولوجية المعاصرة، الواقع أننا بصيغة أدق من عبارة التلاقي الأسلوبي أو حدود الشبه المحدودة، كان تخييلنا متوازي، كل في موقع حساسيته وتأويلاته الحلمية وطابع كائناته الحسي أو اللمسي وخصوبة المواد النوعية. وخاصة التحول المباشر من الرسم السريع العاصف والانفعالي المحتدم إلى الأداء المتسارع التراجيدي أو العبثي في اللوحة «العمل النهائي». وهناك العديد من محطات اللقاء معلنة في البيان الذي كتبته بلغتين في كراس المعرض. أترك للمتفرج مصداقية إثبات شرعية هذا اللقاء التشكيلي رغم الاختلاف الظاهر. < لنفرض أن لقاءك الشخصي مع يازجي لم يتم، هل كان من الممكن أو المحتمل أن يعقد مع سواه؟ << لم لا، فشرط اللقاء هنا هو وجود الصفات التشكيلية المشتركة أو التقارب التخييلي، بعد أربعة عقود من الصداقة المتصوفة مع المعلم نذير نبعه والتي افتخر بذاكرتها أجدني اليوم أسلوبياً أقرب إلى شطحات شلبية، علينا أن نملك شجاعة هذا البوح الذي لم نعتده حتى اليوم بسبب الحذر وتراجع الحوار الحر بين المحترفين، لدرجة يكاد يغلب الصراع السياسي حتى لا نقول الأمني بين الفنانين السوريين بدلاً من الصراع الصحي بين التيارات والتجمعات المحترفة التي لا تصدر بقرار أفقي أو عمودي. < وهل تملك الشجاعة على البوح بمقارباتك مع الأسماء المعروفة؟ << بالطبع، ابتدئ من بعض التجارب العشرة الذين كان لي شرف العرض معهم في السبعينات. خاصة نشأت الزعبي والياس زيات. تبدو القرابة هنا أشد مع ملحمة لوحات المرحوم فاتح المدرس. بالأحرى مع الاتجاهات الروحانية ذ الأسطورية، ثم توالدت قرابة حدسية مع تكوينات إدوار شهدا وأحمد معلا، واليوم أجد نفسي أقرب حداثياً إلى بعض أسماء الكوكبة الانفجارية الشابة التي أخرجت الحركة من عباءة السلطة والالتزام والمراهقة السياسية أو الموالاتية أو الفولكلورية. مثلاً، أحسنّ بقرابة شطحية مثلاً مع ياسر الصافي وهيئات شخوصه الساخرة المنتزعة من تراكمات خيال عرائس الظل. وهناك أكثر من أحد اجتمع معهم في هذا الخندق الشطحي الذي أوقف موجة الحروفية وتيار التجريد الغنائي المستورد والمؤسلب والمنمط بسبب تنسيقه من أوروبة منذ الحرب العالمية الثانية؟ < لماذا تقفز بين أجيال متباعدة؟ < لأن عامل تباعد الأجيال لا يفرق بين الفنانين. وإنما التباعد الفكري. < ما هي أمثلة هذا التباعد بالتحديد؟ << اللوحة بالنسبة لأمثالي وأمثال يازجي تمثل رهاناً ثقافياً وجودياً وجدانياً وجدياً، أما بالنسبة لمن أختلف معهم فاللوحة تمثل بالنسبة إليهم رهاناً تسويقياً أو تزييناً أو دعائياً ملتزماً بالعصبية الأيديولوجية. < هل تجد لوحتك بريئة تماماً من الالتزام؟ << لا أستطيع أن أدعي هذه الاستقالة المطلقة إذا كنت تقصد الالتزام بمعناه الشمولي، هناك وشاح من الاعتراض المضمر لدي على تدمير الأجناس ضمن ديناميكية الخصوبة السحرية، لا يمكنني مثلاً أن أختلف مع منهج يوسف عبدلكي أو أحمد معلا لأن الخطاب السياسي لديهما يمثل انحيازاً شمولياً لمفهوم الحرية والعدل يأتي في الدرجة الثانية كموضوع بعد خصوبة وبلاغة اللغة النوعية للتشكيل بمعناه الإبداعي. عندما نراجع سمكة يوسف عبدلكي نجدها نموذجاً لمفهوم الضحية من خلال تشكيلها النوعي وتشريحها الذري العملاق في عالم من المسخ، كذلك الأمر مع مواد معلا التي تقترح بانبثاقها الحدسي قيامة جماهيره التي تعلن نهاية العالم. ننشد نحن الثلاثة الحرية كطوباوبة تنسحب على شتى آفاقها الشطحية والتخيلية. < ألا يقود هذا الموقف بالنتيجة إلى العزلة عن المجتمع والنضال الوطني العام؟ << أنا لا أميل بطبعي إلى انخراط الفنان في أي اتجاه سياسي سواء أكان ضد أو مع السلطة، لأنه يورط المبدع في عكس حرفته، فاللوحة ليست انحيازاً إلى العام والدهماء والمجموع بقدر طبيعتها الانشقاقية خاصة من الأحادية السياسية التي تصب غالباً في الفاشية. الثقافية. ومهما يكن من أمر فأنا أقرب إلى جنون فاتح المدرس وروحانية الياس زيات وبراءة شلبية ابراهيم، ولا أميل إلى النشاطات الإدارية بما فيها التعليم وألقابه الجامعية الفارغة. < لكن هذه الدعوى تتناقض مع ممارستك المحترفة للنقد الفني وبصورة كثيفة تكاد تنافس نشاطك التشكيلي؟ << أو بشكل آخر أنا أمارس الكتابة التشكيلية وليس التربوية تماماً كما يفعل زملائي الفنانون الفرنسيون سواء الذين أعرفهم عن قرب أم الذين أسسوا للكتابة التشكيلية المختصة في تاريخ الفن المعاصر، ابتداءً من سينياك وانتهاءً بروشنبرغ وجود، مروراً بفازاريللي وبويز، هو ما يفسر خصوبة تيارات ما بعد الحداثة التي اجتاحت الفراغ الاجتماعي والمعماري، وحيز الطبيعة، ودمجت الفنون السينوغرافية بالمسرحية بالفيديو لتصل إلى مفاهيم جديدة في التشكيل. < ولكنك تترصد غالباً في كتاباتك معارض الآخرين من الفنانين العرب أو العالميين ولا تقتصر على تنظير لوحتك ونشاطك الإبداعي؟ << وذلك لسبب بسيط أن الفن العربي منذ النهضة محروم من التوثيق. نحن شعوب بدون ذاكرة تشكيلية، هو فسح المجال أمام أصولية إشاعة فكرة التحريم الموهوم، وترسيخ قصورنا الثقافي أمام تهم القصور العنصري. كيف يمكن أن نعقد حواراً مع الذات ومع الآخر إذا التزم التشكيليون الصمت؟ واستمرت وصاية الأدباء على منطوقهم الفكري، خاصة وأن التصوير أقرب إلى الفنون الإيقاعية من موسيقى ورقص وعمارة ومسرح وأبعد ما تكون عن فنون الكلمة في حين أن اللغة وسيلة طيعة تملكها شتى الاختصاصات وليست حكراً على الشعر والرواية وسواهما. عندما أؤكد أن موقع الشكل من الفراغ أهم من الشكل نفسه أكون قد عبرت إلى ميدان التخصص التشكيلي بمعزل عن المضمون والبعد السيميولوجي والمضموني والحكائي والسردي والأدبي. أنا أبحث مثل بقية الفنانين المعاصرين عن لغة نوعية رديفة للوحة لا علاقة لها بالنقد الأدبي أو الفني، لأنها تقتصر على التبيان الفكري، تثبت الركائز الأساسية في سياق تطور تاريخ الفن كطوبوغرافية لونية وخطية، أو إيقاعية لحنية، هي الكتابة الرديفة لمفهوم التجريد والتنزيه.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية