ولطالبي العلم والمعرفة والمعلومة من مصادرها الموثقة بين دفتي هذه الكتب.
وربما هذه التظاهرة ليست جديدة على مجتمعاتنا، فقد حدثنا التاريخ عن عدد من شيوخ العلم ممن أوصوا بأن تذهب مكتباتهم بعد رحيلهم إلى أحد تلامذتهم أو إلى إحدى المكتبات أو المساجد ودور العبادة التي كانت تشكل في مرحلة تاريخية مكانا للعلم ومنارة للإشعاع الحضاري.
وهنا يحضرني قول نزار قباني عندما قال: «عندما يموت مبدع كبير، كأن كوكبا خرج عن مداره» ولكننا نستطيع أن نجعل هذا المبدع حاضرا وحيا في مداره فيما لو حافظنا على إرثه من الكتب التي تشكل مرحلة تاريخية كاملة تضم العديد من ألوان المعرفة وتحكي سيرته الذاتية وتشي بذائقته واهتماماته والمنتج الثقافي السائد في عصره.
فعندما يتبرع المبدع بإرثه من الكتب أو يوصي بأن تهدى إلى جهة ما أو مؤسسة ثقافية، فهو يضع بين أيدي الأجيال كنوزا ثمينة يستطيع أن يفيد منها في دراساته العليا أو تحصيله الأكاديمي، بدل أن يودي بها الإهمال إلى الرصيف وبيعها بأبخس الأثمان، والمؤسف أننا لاحظنا ذلك عند شرائنا لبعض الكتب القديمة المستعملة، قد كتب عليها من مقتنيات فلان، أو من إهداء فلان لفلان، وهذا بالطبع يدل على جهل الورثة بقيمة هذه الكتب التي يمكن أن تكون نادرة وثمينة جدا.
وهذا الأمر أيضا يحيلنا إلى كثير من المشاريع التي يمكن أن تنشأ للحفاظ على تركة المبدعين من الكنوز الفكرية وربما لنا في تجارب العديد من الدول أسوة حسنة وذلك بإقامة متاحف تضم كتب المبدع ومقتنياته لتكون محجا وسياحة ثقافية لكل المهتمين، كما متحف الأديب جبران خليل جبران في لبنان مثلا، أو تخصص مكتبات لاستيعاب هذه التبرعات يؤمها الطلاب للاستعانة بمقتنياتها في دراساته والتعرف عن قرب على إرث مبدعينا، وهذا يشكل فرصة لتواصل الأجيال وبناء وعيهم وانتمائهم لوطن سيبقى مبدعوه كواكب تهدي العالم ألق الثقافة ووهجها.