وعلى الرغم من ضعف التركيز على ما يجري، يبقى تغيير النهج السياسي ذا أهمية كبرى لكونه يحمل في طياته مزيدا من البؤس والشقاء للشرق الأوسط تتحمل مسؤوليته الولايات المتحدة.
تمثل مرتفعات الجولان هضبة بركانية في سورية تتاخم «إسرائيل» ولبنان، وذات ارتفاع شاهق عن سهل الجليل، مما يجعلها تشرف على سائر المنطقة إذ يحدها شمالا جبال الحرمون التي ترتفع 2814 مترا، أما الهضبة فإنها تنحدر كلما اتجهنا جنوبا.
تزود مرتفعات الجولان نهر الأردن بالمياه التي تؤمن 15-20 % من المياه «لإسرائيل» نتيجة الثلوج التي تغطي شمالها. وتركز تل أبيب مدافعها في الجولان بحيث يمكنها أن تطول دمشق ومطارها، أما منظومة الاستخبارات الالكترونية فهي تراقب الجزء الجنوبي من سورية، بهدف التجسس على كافة الاتصالات والتحركات التي يقوم بها الجيش السوري.
لا شك بأن الهضبة منطقة رائعة وقد تجولت في الجانب الذي تسيطر عليه «إسرائيل» فلاحظت الدبابات الحربية والمدفعية والحصون الصغيرة المحيطة بخنادق مضادة للدبابات، وشاهدت حطام الدبابات والدروع المتناثرة في الريف نتيجة لما حصل من حروب في المنطقة. كما تجولت في الجانب السوري واطلعت على مدينة القنيطرة، تلك البلدة السورية التي دمرتها اسرائيل عام 1967.
احتلت إسرائيل الجولان إبان الحرب العربية - الإسرائيلية عام 1967 حيث تم تهجير معظم سكانها العرب وطردهم من قبل الإسرائيليين. لكن الأمم المتحدة والولايات المتحدة طلبوا من تل ابيب إعادة الجولان إلى أصحابه الشرعيين أي سورية. بيد أن الاخيرة لم تنصع للمطالب حيث لجأت بعد عام 1981 إلى توطين 20000 إسرائيلي في الجولان لتثبيت سيطرتها على هذه المرتفعات الاستراتيجية التي تعتبر مصدرا هاما للمياه.
خلال الحرب العربية - الإسرائيلية عام 1973 كانت القوات السورية على وشك طرد القوات الإسرائيلية خارج الجولان. ولحل هذا اللغز اعتقد أن الأقمار الصناعية السوفيتية رصدت نشر إسرائيل لقنابل وصواريخ نووية، وقد حذرت موسكو حليفتها سورية بأن تل أبيب قد تعمد إلى شن هجوم نووي إلا في حال توقف تقدمها ولذلك توقف الهجوم السوري بعد أن كان قاب قوسين أو أدنى من تحقيق نصر كاسح.
منذ عام 1973 دأبت السياسة الأميركية على مطالبة «إسرائيل» بالتخلي عن الجولان بينما كانت تعمد سرا تمويل أعمال البناء وتوسيع المستوطنات اليهودية على الهضبة من أموال دافعي الضرائب. وقد عرضت على اسرائيل مرارا وتكرارا إعادة الجولان مقابل اتفاقية سلام مع سورية، لكن الشروط السرية التي وضعها لتلك الاتفاقية رفضتها دمشق.
لقد أجرت إدارة ترامب تغييرا صارخا في نهج السياسة الأميركية في الشرق الأوسط، عندما أعلنت عن نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، ذلك الأمر الذي يعتبر خير دليل على رفضها لفكرة إقامة دولة فلسطينية تكون عاصمتها مدينة القدس القديمة. وقبل فترة وجيزة، أبدى البيت الأبيض موافقته على هيمنة «إسرائيل» الدائمة للجولان بالرغم من أن تلك الخطوة تعتبر انتهاكا للقانون الدولي وتخالف السياسة الأميركية السابقة.
لا ريب بأن سياسة الولايات المتحدة حيال الشرق الأوسط تخضع لسيطرة المحافظين الجدد الذين ينحازون إلى التوسع الإسرائيلي الذي تؤمن به الأحزاب اليمينية المتطرفة. وفي الواقع، فإنه من المتعذر إيجاد أي اختلاف بين سياسة الزعيم الإسرائيلي المتطرف بنيامين نتنياهو والرئيس الأميركي دونالد ترامب حيث يشترك الاثنان في رؤيتهما.
ما يجدر الإشارة إليه، بأن تغيير السياسة الأميركية حيال الجولان تعني بأن ترامب وشركاءه قد أعطوا الضوء الأخضر للتوسع الإقليمي الإسرائيلي. ومن دواعي الاستغراب أن نشاهد واشنطن التي تناهض ويعلو صوتها اعتراضا على ضم روسيا لجزيرة القرم والذي جاء بشكل قانوني واستفتاء في الجزيرة، لا تعترض بل توافق على الضم غير الشرعي للجولان. وفي هذا السياق، نتساءل عن الخطوة التالية التي ستتبعها الحكومة الإسرائيلية في المستقبل إذ ربما ستعمد إلى احتلال اجزاء أخرى من جنوب سورية وغزو لبنان بهدف السيطرة على منابع المياه التي تغذي «إسرائيل».
لقد حصلت المملكة العربية السعودية وحليفتها الصغيرة الامارات العربية المتحدة على الضوء الأخضر من واشنطن لنصب معاقل لها في اليمن وعلى طول ساحل البحر الأحمر الاستراتيجي. وهنا نتساءل إن كانت هذه هي تسوية «السلام» في الشرق الأوسط التي قطع ترامب وعدا بتنفيذها، ذلك لأننا لم نشهد سوى تحالف وثيق مع أكثر دول الشرق الأوسط رجعية وبشكل خاص مع النظام السعودي الدموي، الأمر الذي ينبئ بالسوء للولايات المتحدة في المستقبل المنظور.