وهي تزعم بأن الوجودات الطبيعية أيضاً لديها أهداف باطنية أو داخلية intrinsic بصرف النظر عن رأي الإنسان فيها أو استخدامه لها. فمثلاً أرسطو ادّعى بأن الغاية الباطنية لجوزة البلوط هي أن تصبح شجرة بلوط كبيرة.
ومع أن الذريين القدماء رفضوا فكرة الغائية الطبيعية، إلا أن التفسير الغائي للطبيعة اللاإنسانية أو اللاشخصية جرى استكشافه والقبول به في الفلسفة القديمة وفلسفة القرون الوسطى، غير أنه جوبه بالرفض في العصر الحديث (1600-1900). وفي أواخر القرن الثامن عشر استخدم عمانوئيل كانط مفهوم التيلوس كمبدأ تنظيمي في كتابه (نقد الحكم)، كذلك كان التيلوس أساسياً في فلسفة هيغل التأملية.
لازال الفلاسفة والعلماء المعاصرون يناقشون ما إذا كانت قصة التيلوس مفيدة ودقيقة في عمل الفلسفة والعلوم الحديثة. فمثلاً، في عام 2012 اقترح توماس ناجل تفسيراً غير دارويني للتطور يدمج قوانين تيلولوجية طبيعية في تفسير وجود الحياة والوعي والعقلانية.
في الفلسفة الغربية نشأ مفهوم التيلولوجي في كتابات أفلاطون وأرسطو. الأسباب الأربعة لأرسطو تولي أهمية خاصة لـ «السبب النهائي» أو الغاية لكل شيء. هو هنا يتبع أفلاطون في رؤية الهدف في كل من طبيعة الإنسان وما دون الإنسان.
أفلاطون
في حوار فيدو لأفلاطون، يجادل أفلاطون من خلال سقراط بأن التفسيرات الحقيقية لأي ظاهرة فيزيقية يجب أن تكون غائية. هو يأسف على أولئك الذين فشلوا في التمييز بين الأسباب الضرورية للشيء والأسباب الكافية، وقد أطلق عليهما تباعاً بالأسباب المادية والنهائية (فيدو، ص 98-99).
هنا يجادل أفلاطون بأن المواد التي يتركب منها الجسم هي شرط ضروري لحركته وفعله بطريقة معينة، لكن تلك المواد لا يمكن أن تكون شرطاً كافياً لحركته وفعله (الشرط الضروري يجب أن يكون حاضراً في الحدث لكي يحدث، لكنه لا يزود سبباً كافياً لحدوث الشيء، أما الشرط الكافي هو الذي يصنع الحدث). فمثلاً إذا كان سقراط جالساً في أحد سجون أثينا، فإن مرونة الأوتار المربوط بها هي التي تسمح له بالجلوس، وبهذا فإن وصف فيزيقي لأوتاره يمكن طرحه كشرط ضروري لفعل الجلوس الذي كان فيه (فيدو، ص996). غير أن هذا الشرط هو فقط شرط ضروري لجلوس سقراط. لكي نعطي وصفاً فيزيقياً لجسم سقراط، هو أن نقول بأن سقراط جالس، لكن هذا الوصف لا يعطينا أي فكرة لماذا الجلوس وليس عدم الجلوس في المقام الأول. لكي نقول لماذا كان جالساً بدلاً من عدم الجلوس، علينا أن نوضح ما هو الشيء الخير أو الجيد في جلوسه. لكي نعطي توضيحاً لشيء ما علينا أن نقرر ما يتعلق بخيريته. خيرية الشيء هي سببه الحقيقي أو غرضه (Timaeus 27d 8-29a ).
أرسطو
بنفس الطريقة، جادل أرسطو بأن ديمقريطس كان خاطئاً في محاولته اختزال كل الأشياء إلى مجرد ضرورة، لأن عملاً كهذا يتجاهل الهدف أو النظام أو السبب النهائي الذي خلق هذه الشروط الضرورية:
ديمقريطس يتجاهل السبب النهائي، يختزل كل عمليات الطبيعة بالضروري. الآن هي ضرورية، ذلك صحيح، ولكن لاتزال هي لغرض سبب نهائي ولأجل الأحسن في كل موقف. وهكذا، لا شيء يمنع السن من أن يتشكل بهذه الطريقة، ولكن ليس بسبب هذه الأسباب وإنما بسبب الغاية... (أرسطو، أجيال الحيوانات V8,789a8-b15).
في الفيزياء رفض أرسطو افتراض أفلاطون بأن الكون خُلق بمصمم ذكي مستعملاً أشكالاً خالدة. أرسطو يرى أن الغايات الطبيعية يتم إنتاجها بواسطة «الطبيعة» (مبادئ التغيير هي داخلية للكائن الحي)، والطبيعة كما يرى أرسطو لا تتأمل.
هذه الآراء الأفلاطونية والأرسطية هي في تصادم مع تلك الآراء المبكرة لديمقريطس ولاحقاً للكروتوس اللذين كانا يؤيدان ما يسمى حالياً بالمصادفة accidentalism:
لا شيء في الجسم يُصنع لكي نستعمله. ما حدث لما يوجد في الجسم هو سبب استعماله (Lucretius. on the nature of things.,IV,833)
المعارضون
منذ فرنسيس باكون، جرى عمداً تجنب التفسيرات التيلولوجية في علم الفيزياء لمصلحة التركيز على التفسيرات المادية والفعالة. السببية النهائية اعتُبرت زائفة أو ذاتية جداً.
بعض الحقول خاصة ضمن البيولوجيا التطورية تستمر باستخدام لغة تيلولوجية عندما تصف الميول الطبيعية نحو ظروف غائية معينة. وبينما يجادل البعض بأن هذه النقاشات يمكن التعبير عنها في أشكال غير تيلولوجية، آخرون يرون أن اللغة التيلولوجية لا يمكن منعها من طرح أوصاف في علوم الحياة.
الاقتصاد
لعبت غايات الإنسان التيلولوجية دوراً حاسماً في عمل الاقتصادي لودوج فون مايسيس Ludwig Von Mises خاصة في تطوير علم الباروكسولوجي. هو اعتقد بأن أفعال الإنسان والسلوك الهادف هي أفعال تيلولوجية مرتكزة على افتراض مسبق بأن أفعال الفرد محكومة أو تنشأ عبر غاياتها المختارة، وبعبارة أخرى، إن الفرد يختار ما يراه الأكثر ملاءمة لتحقيق ما يسعى إليه من هدف. مايسيس أكد أيضاً على أن التيلولوجي المتعلق بفعل الإنسان ليس مستقلاً عن السببية كما يقول «لا يمكن تصميم فعل بدون فكرة محددة عن العلاقة بين السبب والنتيجة، التيلولوجي يفترض السببية سلفاً».
التاريخ
عندما عرّف أرسطو التيلوس ذلك، كان في سياق من الجدل الطويل في السياسة والتي كانت تشير إلى الهيكل السياسي والاجتماعي لدولة المدينة. أرسطو ادّعى أن السياسة هي الميدان الأساسي لخلق السعادة الإنسانية – أي أن الفرد يمكنه خلق تيلوس فقط بالمقدار الذي تسمح به بيئته السياسية والاجتماعية. هذه الفكرة كانت أساسية لدى الآباء الأمريكيين المؤسسين الذين كتبوا إعلان الاستقلال القائل بأن كل إنسان ولد ومعه الحق في الحياة والحرية ومتابعة طريق السعادة. فكرة التيلوس أصبحت أيضاً أساسية في معظم الدول الحديثة خاصة دول أوروبا التي توفر الآن لمواطنيها تعليماً مجانياً ورعاية صحية ومساعدات أخرى.
وفي نفس الوقت الذي كانت فيه تلك الدول تطور أنظمة لترسيخ وتعجيل التيلوس لدى مواطنيها، برزت ثورة أخرى أعطت معنى جديداً للتيلوس وهي ثورة تشارلز داروين الذي طور في القرن الثامن عشر نظرية التطور عبر الاختيار الطبيعي التي توضح بالضبط كيف أن الكائنات الحية تبدو تيلولوجية. كيف يبدو كل نوع وكل عضو في الكائن الحي يعمل لأجل إنجاز هدفه الخاص. العين لكي ترى، القلب لكي يضخ الدم، الدماغ لكي يفكر، وكامل أعضاء الجسم لكي يتكاثر الكائن الحي، وهو الهدف الطبيعي النهائي.
هل نظرية التطور توضح التيلوس أم تتعارض معه؟
إذا كان هناك من يرى أن نظرية داروين توضح الغائية في الكائنات الحية، فإن آخرين يؤمنون بعكس ذلك بقولهم إن التطور يعمل من خلال عمليات عشوائية غير مصممة. بعض العلماء يرون أن نسبة التيلوس للكائنات الحية تشكل سوء فهم كبير للتطور وخطر جسيم على العقلانية. نسبة التيلوس للكائنات الحية يمكن استخدامها لتبرير التصميم الذكي الديني، وهو إنكار للعلم باعتباره الطريقة الوحيدة لاشتقاق الحقيقة الموثوقة. هم يؤكدون أن الأحياء ليس لها تيلوس، فمثلاً، أنت لا يجب أن تمتلك القدرة على التفكير لكي تكون ممتازاً في جهودك المهنية، وإنما بسبب أن أسلافك تغيروا بما يكفي لتكون أكثر عقلانية من الآخرين، وهذا الحدث ساعدهم في البقاء أطول ولديهم أطفال أكثر من غيرهم. إمكانية العقل لخلق العلوم والتكنولوجيا أو أي شيء آخر، لم تكن السبب في تطورها. كل شيء تم مصادفة بفعل العمليات الميكانيكية العمياء للاختيار الطبيعي. آخرون لاحظوا بأنه على الرغم من أن وظائف التكيف التطوري (مثل القلب أو الدماغ) لم تتطور لتعمل كما تقوم به، لكنه من المستحيل الحديث عنها أو فهمها بدون الإشارة إلى التيلوس الخاص بها. لا معنى للحديث عن قدرتنا على التفكير بدون ذكر ما ننجزه، لأن التطور رغم أنه تصادفي وأعمى، إلا أنه يقود إلى أحياء لها إمكانات طبيعية معينة. فمثلاً العقل يعطينا القدرة على حل المشاكل وهو ما ساعد أسلافنا على البقاء، لذا من الصواب أن يكون لدينا عقل بسبب غايته حتى لو كانت تلك الغاية ليست السبب المباشر لتطور ذلك العقل.
الفلسفة الحديثة وما بعد الحديثة
تاريخياً، يمكن تعقب التيلولوجي إلى الفلسفة الأرسطية. عقلانية التيلولوجي جرى استكشافها من جانب عمانوئيل كانط كما أنه كان أساسياً في فلسفة هيغل التاملية ومختلف صيغ المدارس الهيغلية الجديدة والتي اعتبرت تاريخ الجنس البشري في تضاد مع داروين وأيضاً مع المادية الديالكتيكية لكارل ماركس وإنجلس ومع ما يسمى الآن الفلسفة التحليلية. نقطة الانطلاق لم تكن حول المنطق أو الحقيقة العلمية، وإنما حول «الهوية». وعي الإنسان الفردي هو في عملية من السعي لتحقيق الاستقلالية والحرية، وهو ليس لديه خيار سوى التعامل مع الحقيقة الواضحة، وهي أن الهويات الجمعية مثل التعددية في الرؤى العالمية والأخلاق والهويات القومية والثقافية تقسّم العرق الإنساني وتضع مختلف الجماعات في تضاد مع بعضها. هيغل تصور «الكلية» في المنافسة المتبادلة بين الجماعات في الرؤى وأشكال الحياة في التاريخ كونها «انسياق نحو هدف» موجّه نحو نهاية التاريخ. التناقضات الموضوعية للموضوع وللذات سوف تتراكم في النهاية إلى شكل من الحياة يترك صراعات العنف في الخلف. هذه الفكرة التيلولوجية ذات الهدف للعملية الكلية للتاريخ تتجسد لدى العديد من كتّاب القرن العشرين رغم خفوتها الواضح بعد الحرب العالمية الثانية.
في المقابل، التيلولوجي المرتكز على «القصص العظمى» جرى التخلي عنها من جانب الموقف المابعد حداثوي، واعتُبر التيلولوجي كاختزال واستبعاد وضرر للذين تضاءلت قصصهم أو جرى تجاهلها.