ومن أجل الوصول إلى قواسم مشتركة حول ذلك عقد في القاهرة مؤتمر لذلك، ناقش العديد من هذه القضايا، عنه كانت الدراسة التي أوجزتها منى نور في أخبار الأدب المصرية.
تقول الدكتورة مها السعيد، رئيس القسم ورئيس المؤتمر، إننا بصدد مناقشة مفهوم الحدود في عالمنا المعاصر خاصة في ظل العولمة والتقدم التكنولوجي الهائل، ووسائل التواصل الاجتماعي واسعة الانتشار وأثر ذلك كله علي الحدود بمفهومها الحقيقي المادي أو المتخيل أو النفسي.
وأضافت: إن المؤتمر يطرح من خلال 165 ورقة بحثية يقدمها باحثون وباحثات -من مصر وإيطاليا وإسبانيا وتركيا وأمريكا والسعودية وليتوانيا والهند، وفرنسا والنمسا ورومانيا- تجليات الحدود في دراسات اللغة والأدب والترجمة والفنون البصرية وفنون الأداء، التي اتجهت مؤخراً إلى النظر في تشابك الحدود وتقاطعها سواء كانت تلك التي تتعلق باللغة والعرق أو الطبقة الاجتماعية أو النوع وما أسفر عنه ذلك من دراسات بينية، تجمع بين عدة مباحث أو دراسات قائمة على تعدد الوسائط أو أخرى تعنى بالتعددية اللغوية.
استهل المؤتمر أعماله بمحاضرة للكاتب إبراهيم عبد المجيد، أجاب فيها عن سؤال: لماذا تعبر الكتابة الحدود؟ تناول فيها ما يجب أن تتمتع به الكتابة الإبداعية، لتكون جديرة بعبور الحدود الجغرافية والثقافية والآليات المطلوبة، فقال: إن الأصل في الكتابة الإبداعية هو الروح الإنسانية كل ما يحيط بآمال الروح وآلامها من واقع اجتماعي، ومفردات من المجتمع والمكان هو الذي يحمل الكتابة إلي أفق إنساني مطلق. لافتاً إلى أن الحديث عن العالمية في الكتابة المحلية لا يعني أبداً أن تكون الكتابة مباشرة، وعن قضايا عابرة في مكان ومجتمع الكاتب. هذه الكتابة لا يتوقف عندها التاريخ، فالتاريخ يمكن أن يقدم شواهد أفضل. لكن حين يكون كل ما حول الكاتب، أو بمعنى أدق شخصيات الكاتب الروائية، يحملها إلى أفق إنساني، فهنا فقط نقول: الكتابة عبر الحدود. لكن تظل في الحياة العملية آليات نفتقدها ليرى العالم كتابتنا عبر الحدود، فالعمل الأدبي بعد صدوره يصبح سلعة. فكيف نعبر بها إلى العالم ليرى تجليات الإنسانية، في منطقة لا يعرف عنها إلا ما هو رائج في الصحف. إن كتابتنا لا تعبر الحدود العربية نفسها لأسباب ساذجة كادعاء الفضيلة في عصر الانترنت، كما أن عبورها إلى العالم لايزال قليلاً رغم وجود ترجمات واسعة لأعمال عربية، وهذه الترجمات تتسع الآن لكنها تحتاج آليات أكثر، والأصل أن الكتابة تجليات للروح الإنسانية، وهذا يتوفر بالمواهب الكبرى.
وجاءت المحاضرة الثانية ضمن فعاليات المؤتمر للدكتور أوميدتوفيجيان (الجامعة الأمريكية بالقاهرة، جامعة سيدني) وكانت حول: شعرية الكتابة عبر حواجز السجن (قصص من سجن مانوس). استعرض فيها لوناً إبداعياً جديداً من الكتابة يتجاوز الأنواع الأدبية المألوفة من أدب المنفي أو أدب الشتات، أو أدب ما بعد التحرر من الاستعمار، واستعرض كتاب (لا صديق سوي الجبال: الكتابة من سجن مانوس)، قائلاً إن هذا الكتاب من الكتب التي تستعصي علي التصنيف الأدبي لخصوصية تصويره وتحليله للتعذيب الممنهج الذي يتعرض له اللاجئون ممن تنفيهم الحكومة الأسترالية إلى سجن مانوس في بابوا (غينيا الجديدة)، وتعرض (أوميد) لتجربة المؤلف (بهروز بوتشاني) كنموذج للنزوح والنفي والسجن في آن واحد، وهو ما يكشف عن الوجه الاستعماري لسياسة الحكومة الأسترالية فيما يتعلق بمراقبة حدودها وما يتبعها من احتجاز لأجل غير مسمى، وكذلك انعكاسه على محتوى الكتاب وشكله والنهج المتبع في كتابته، والذي يجعل من تصنيفه ضمن الأعمال الأدبية عابرة الحدود تصنيفاً في غير محله، فهو أقرب إلى إعلام عابر لحدود السجن، وأسلوبه كما يطلق عليه المؤلف والمترجم السيريالية المروعة، متجاوزاً بذلك التصنيفات المألوفة من أدب المنفي أو أدب الشتات أو أدب ما بعد التحرر من الاستعمار.
أما المحاضرة الثالثة والأخيرة في أعمال المؤتمر، فكانت عبارة عن رؤية شخصية لمسألة القيم في العلوم الإنسانية والاجتماعية، قدمها (جيزيم ألبيون) جامعة برمنغهام، وفيها استلهم «جيزيم ألبيون» تجربته الشخصية كأكاديمي دائم الترحال تخرج في جامعة القاهرة (قسم اللغة الانجليزية)، ثم مرحلة الدراسات العليا في جامعات تيرانا والقاهرة ودارام، وتناول بالتقييم أهمية التعليم الرسمي متعدد المباحث وإسهامه في البحث الأكاديمي القائم على الدراسات البيئية، ومن خلال تجربته يتعرض لبعض التحديات التي تواجه الباحث، دائم الترحال والمسؤوليات الملقاة على عاتقه، كما أبرز إسهامات مفكري العصور الوسطى والعصر الحديث، مثل توما الإكويني، وابن خلدون، وماكس فيبر، وإدوارد سعيد، وسيغموند بومان، في تأصيل قيم الحقيقة والحرية الفكرية، مشدداً على أهمية فتح النقاش فيما يتعلق بها مرة أخرى في مجالي الإنسانيات والعلوم الاجتماعية اللذين لا يمكن الزعم بحياديتهما فيما يتعلق بالأفكار المذكورة، لاسيما في عصر العولمة الذي يتخلص من مفاهيم بعينها، منها علي سبيل المثال (المركز) و(الهامش)، بل زادت الفجوة بينهما. وفي الجزء الأخير من المحاضرة تناول ألبيون نماذج من إنتاجه الأكاديمي والإبداعي والصحفي الذي يحمل توجهات بعينها، ومنها مسرحيته (لو أن الموتى ينصتون)، عام 2006، وكتاب «الأم تيريزا: قديسة أم شخصية شهيرة؟» (2007)، ومجموعة مقالات في كتاب بعنوان (مواجهات مع الحضارة: من الإسكندر الأكبر إلى الأم تيريزا) عام 2008، والتي يستلهم فيها جميعاً دعوة سي رايت ميلز، لتقاطع التاريخ مع أدب السيرة، وهو كتاب هام للعمل الأكاديمي، أو غيره كي تكتمل (الرحلة الفكرية) التي يجسدها.
وتناول (تيين شارييه) الكتابة عند نقاط التفتيش: عبور الحدود وتأمل الحدود في رواية (ساعات الترحيل) لمحمد ياسين. فأوضح أنه كان للأوضاع الجيوسياسية في جزيرة قبرص التي أحدثها احتياج القوات اليونانية والتركية للجزيرة عام 1974، تأثير فارق في حياة الأديب القبرصي التركي اليوناني مباشرة، وتصور رواية محمد ياسين، التوتر الدائر على مستويات عدة بين الأتراك واليونانيين من جهة، والأتراك المولودين في قبرص والوافدين من تركيا من جهة أخرى. كما تسلط الرواية الضوء علي التوترات الناشئة عن تصارع أساليب أدبية متباينة داخل النظام الأدبي في تلك الجزيرة التابعة لتركيا سياسياً واقتصادياً وثقافياً، وتتبلور مفاهيم مستمدة من دراسات الأدب المقارن مثل تأمل الحدود ونقاط التفتيش اللغوية، ويصبح عبور الحدود في سياق الأزمة القبرصية، تجسيداً لتأزم حدود أخرى ترتبط بالنوع والعرق والدين واللغة والسياسة.
ومن جانب آخر تناولت كل من أسماء محيي الدين كاشف، وأمل محيي الدين كاشف عملية البحث عن اليوتوبيا بين الحقيقة والخيال في رواية (يوتوبيا) لأحمد خالد توفيق، فأكدتا أنه بالرغم من رسم الكاتب (صورة مأساوية لمصر المستقبل، إلا أن هذا قد يكون جرس إنذار لتجنب هذا المستقبل البغيض، وتعد (يوتوبيا) أحمد خالد توفيق، عملاً أخلاقياً يحقق الهدف التعليمي من الأدب، وتقع أحداث العمل في مصر عام 2023، حيث تنقسم مصر اجتماعياً إلي طبقتين متباعدتين تماماً، طبقة الصفوة، وطبقة المطحونين، تعيش الأولى شديدة الثراء في منتجع خاص في الساحل الشمالي، تحيطها الأسوار لحمايتها ويحرسها جنود المارينز، بينما تكافح الطبقة الفقيرة من أجل لقمة العيش.
وفي بحثه (معضلة المهاجر: دراسة نفسية سياسية لرواية (الصرصور) لراوي حاج، أثبتت الباحثة إيمان السعدني فشل غالبية المهاجرين في الوصول إلى نقطة التقاء بين حضارتهم الشرقية والحضارة الغربية، وعبرت عن ذلك من خلال تحليلها لرواية (الصرصور) للكاتب الكندي (راوي حاج) تناول فيها الكاتب معاناة المهاجرين من دول مختلفة بما فيها لبنان والمغرب وإيران، لكل منهم خلفية سياسية نتج عنها الهروب إلى كندا.