فقد تعود أن يحترم أعداءه!». هذه الكلمات التي كتبها سعيد حورانية في قصته (قيامة أليعازر) عام 1956 يوصف خلالها موت بطل القصة محمد علي الصغير جاءت متطابقة مع موته هو؛ فقد أبدى الكثير من الثبات والشجاعة بعد اكتشاف مرضه بسرطان الرئة عام 1992، وتوفي بجلال في الرابع من حزيران عام 1994.
والكتاب الشهري لليافعة (سعيد حورانية)، تأليف: حسن م. يوسف، والصادر ضمن سلسلة «أعلام ومبدعون» عن الهيئة العامة السورية للكتاب يتناول بين دفتيه هذا المبدع السوري المميز، مسجلاً أبرز المحطات التي مرت فيها رحلة حياته.
المولد والنشأة
ولد محمد سعيد حورانية في حي الميدان الدمشقي عام 1929، ونشأ في بيئة «دينية ثورية» – على حد تعبيره -، وعلى تماس مباشر مع الجانب المضيء لهذا الحي، إذ كان والده الشيخ حسني حورانية من وجهاء حي الميدان، كما أنه كان من الأعوان المقربين للشيخ الثائر محمد الأشمر.
في الخامسة من عمره أرسل سعيد حورانية إلى شيخ الكتّاب، وبدأ القراءة الجادة في سن مبكرة، حتى إنه وظّف كقصاص في سن الطفولة مما أسهم في تفتح موهبته القصصية باكراً.
بعد قيام الحرب العالمية الثانية احتكرت سلطات الاحتلال الفرنسي لنفسها بيع الحبوب وشراءها، مما دفع بعائلة سعيد حورانية إلى تغيير صنعتها، والمضاربة في البورصة. وبما أنهم لا يملكون أية خبرة تذكر في هذا المجال، فقد انهاروا، وأعلن الأب حسني حورانية إفلاسه، وتحول الأبناء إلى كتّاب يمسكون الدفاتر لدى تجار سوق الهال.
بعد دخول سعيد حورانية الجامعة حصل تحول عميق في شخصيته، بانفتاحه على الفكر اليساري، كما بدأ في تلك المرحلة بكتابة القصة القصيرة، وشارك في مسابقات عدة للقصة القصيرة، ونال الجائزة الأولى في كل منها.
عاش سعيد حورانية بعد ذلك متمرداً على أسرته، منبوذاً من قبلها، الأمر الذي دفعه إلى مغادرة بيت العائلة بعد حصوله على استقلال مادي نتيجة راتب الطالب الذي كان يتقاضاه حينها في مدرسة المعلمين العليا، الأمر الذي قلل من قسوة انفصاله عن العائلة، لكنه لم يخفف من مرارة ذلك الانفصال.
سعيد حورانية مدرساً
عُين سعيد حورانية في عام 1953 معلماً في السويداء، وانخرط حينها في أواخر عهد الشيشكلي في الحركة الوطنية فيها، فعوقب على ذلك بأن نقل إلى دير الزور عام 1954 حيث واصل نشاطه الوطني، فزادت النقمة عليه، ونقل إلى الحسكة بحجة «التحريض على الإضرابات والاشتراك فيها».
أعماله القصصية
أصدر سعيد حورانية مجموعته القصصية الأولى (وفي الناس المسرة) عام 1954 عن دار القلم في بيروت، وأصدر في عام 1964 مجموعته القصصية الثانية (سنتان وتحترق الغابة)، كما أصدر في العام نفسه مجموعته القصصية الثالثة والأخيرة (شتاء قاس آخر) وأهداها إلى حنا مينة.
تجربة السجن
بعد فترة قصيرة من إعلان الوحدة بين سورية ومصر عام 1958 بدأت الاعتقالات بين الشيوعيين واليساريين، فألقي القبض على سعيد حورانية، وزج في السجن حيث استلهم من تجربته هذه قصة (المهجع الرابع)، ومسرحية (رجل اسمه فرج الله الحلو). عقب إطلاق سراحه، منع سعيد حورانية من السفر، فاتفق مع أحد أصدقائه على الهرب إلى بيروت، وعمل هناك أستاذاً للغة العربية في مدرسة الفرير. بعد وقوع الانفصال عاد سعيد إلى دمشق، لكنه أعيد إلى السجن، وبعد إطلاق سراحه عاد للعمل باسم مستعار في مدرسة الفرير في بيروت حيث بقي هناك ثلاث سنوات.
في بيروت ونتيجة وشاية أحد زملائه ألقي القبض على سعيد حورانية، وحكم عليه بالسجن مدة عام، وأحرق ما كان في غرفته من قصص قصيرة، ومخطوط رواية (بنادق تحت القش). ونتيجة هذه الحادثة لم يعد سعيد حورانية لكتابة القصة إلا لماماً. وقد جمع كل ما كتبه من قصص ومقالات ومقابلات في كتاب صدر عن وزارة الثقافة بعنوان (عزف منفرد لزمار الحي).
الاستقرار في دمشق
بعد انتهاء فترة سجنه في لبنان عاد سعيد حورانية إلى دمشق، ثم سافر منها عام 1969 إلى الاتحاد السوفييتي للعمل كخبير لغوي في مجلة أنباء موسكو. تزوج حورانية في موسكو من سيدة روسية أنجب منها بنتاً أسماها (ليلى)، وانفصل عنها عام 1974 حيث عاد إلى دمشق، ليعين بعد عامين من عودته كخبير في وزارة الثقافة، ويتسلم مقاليد إدارة المركز الثقافي الروسي.
في عام 1979 تزوج سعيد حورانية بالسيدة المثقفة نادية خضور، وأثمر هذا الزواج عن طفلين هما (يمان، ورادا). وتوفي في دمشق في 4 حزيران عام 1994.