الذي دشن عهده بمحاولة تغيير صورة الشيوعية لبلاده لينتهي به هذا الأمر إلى تدمير النظام المذكور لكن هناك قضية يتيمة يستحيل مناقشتها وتكمن في البصمة الجديدة التي أدخلها الرئيس الأمريكي على السياسة الخارجية لبلاده وبسرعة قصوى لم يحققها الرئيس الروسي الأسبق فقد ظل «غورباتشوف» في الحكم قرابة 18 شهراً قبل أن يصبح كل من «الفكر الجديد» و «البريسترويكا» قابلاً للتنفيذ عام 1986 بالمقابل لم يكد يتجاوز أوباما المئة يوم في البيت الأبيض -وهي مدة كافية لاطلاق حكم صائب على أي تغيير يجريه الرئيس بعيد تسلمه السلطة -حين كانت المستجدات التي جاء بها واضحة للعيان في كل مكان.
وها هو أوباما يعرب عن استعداده للحديث مع كل من المسؤولين في إيران وكوبا كما أعلن عن البدء بإعادة تنظيم علاقات الولايات المتحدة بروسيا الاتحادية وتدشين جولة من المحادثات الخاصة بالأسلحة النووية وها هو يقلص من خططه الرامية إلى نصب المزيد من منصات الدفاع الصاروخية وسط أوروبا وهي المشروعات التي عارضها الجانب الروسي وقايضها باقناع موسكو جارتها إيران بتعليق هذه الأخيرة لبرنامجها النووي الخاص بتخصيب اليورانيوم.
كذلك افتتح أوباما مؤخراً محادثات مع رئيس فنزويلا أوغو شافيز معترفاً خلال قمة العشرين الكبار في لندن بافتقار أسواق الولايات المتحدة الأمريكية للتنظيم ومسؤوليتها الأولى عن نشوب أزمة الائتمان العالمية وباشر أوباما أيضاً بإغلاق معسكرات الاعتقال التابعة لوكالة الاستخبارات الأمريكية مصدراً أوامره للإعلام الأمريكي لاستصدار مذكرة تسلط الضوء على الأساليب التي اتبعتها عناصر الوكالة خلال عمليات استجواب المعتقلين لديها وتقنيات تعذيبهم وتم إقرارها في عهد إدارة جورج بوش السابقة.
وتعهد الرئيس الأمريكي الجديد بإعطاء دفع لمسيرة السلام في الشرق الأوسط.
وتشير الدلائل إلى أنها ستشمل الحل الذي يهدف إلى إقامة دولتين فلسطينية وإسرائيلية مع التوصل إلى اتفاق بين كل من إسرائيل وسورية تستعيد من خلاله تلك الأخيرة مرتفعات الجولان.
وفي سبيل تدعيم قوله بالفعل اتخذ أوباما اجراءات فعلية تتعلق بقضيتين: قضية انبعاث الغازات السامة من البيوت البلاستيكية والتغير المناخي وتجاهلهما جورج بوش خلال قمم الدول الصناعية السابقة.
وما زال العالم يترقب مراحل تنفيذ تلك الوعود وانطلاقاً من الأسلوب الذي اتبعه الرئيس الأمريكي الجديد إلى الآن فإن «المبادئ» كما يدعونها والتي تميزت بها بدايات عهده جعلت أوباما يختلف سياسياً عن سلفه بوش فقد صرح أوباما الرئيس الرابع والأربعون للولايات المتحدة خلال رحلته الأولى إلى أوروبا لحضور قمة العشرين والناتو الشهر الماضي قائلاً: جئت لاستمع وليس لإملاء قراراتي وميزة الاستماع تلك المذكورة كان يفتقدها بوش الذي لم يتحل بهذه الصفة.
ويعكس انفتاح أوباما الواسع على دول العالم انتماء هذا الرئيس لأرومة اجتماعية وسياسية مغايرة عن أرومة سلفه فهو أول رئيس ينحدر من الأقلية السوداء في الولايات المتحدة عاش في طفولته فوق أرض غير أمريكية فقد أقام لفترة طويلة في أندونيسيا مما جعله يدرك كيف ينظر الآخرون إلى أمريكا وهو أمر لم يتوصل إلى كشفه أسلافه من رؤساء الولايات المتحدة بمن فيهم بيل كلينتون وينتمي هو الآخر للحزب الديمقراطي الحاكم اليوم.
ويرى المراقبون أن تلك النظرة تعكس شخصية أوباما التي تميل إلى ترجيح فلسفة الذرائع في الحكم على الأمور وهي صفة ثمنها عالياً المحيطون بهذا الرئيس المختلف.
ويعد أوباما كذلك إنساناً واقعياً تنسجم الصفة التي تعرف في الأوساط السياسية بالحماقة مع شخصيته الفعلية ومن خصائص طباعها الاستمرار بفعل الشيء ذاته مع توقع نتائج مختلفة وأبرز مثال على ذلك التغيير الذي طرأ على إستراتيجية واشنطن الأخيرة بالنسبة لكوبا فقد راح أوباما يتخلى تدريجياً عن السياسة الأمريكية المستمرة منذ نصف قرن دون تغيير أو تجديد خلال تعاملها مع كوبا وهي سياسة أبعد ما تكون عما كانت عليه في الستينيات من القرن الماضي ومن أهدافها خلال تلك المرحلة الاطاحة بنظام فيدل كاسترو لتتجاهل سياسة واشنطن الخارجية اليوم هذا الهدف.
أما قمة دول أمريكا اللاتينية وشارك فيها أوباما مؤخراً فكشفت عن واقعيته من خلال ردود فعله أمام صيحات الغضب التي واجهها داخل الولايات المتحدة وتقف وراءها جماعات يمينية متطرفة هاجمت الرئيس الأمريكي الجديد للقاء جرى بين هذا الأخير الرئيس الفنزويلي أغوشافيز وجاء رد أوباما على صحفي انتقده وطرح هذه القضية في مؤتمره الصحفي بأن ميزانية فنزويلا الدفاعية لا تتجاوز الواحد بالستمئة مقارنة مع ميزانية الولايات المتحدة الضخمة واستطرد أوباما قائلاً: إن مصافحتي للرئيس الفنزويلي والمحادثات التي أجريناها تتسم بالتهذيب وهذا لا يعني أنني أعرض مصالح الولايات المتحدة الإستراتيجية للخطر.
29/4/2009