لكن ثمة خطر محدق يكمن في ما قد ينتابنا من يأس وإحباط يتعين علينا مواجهتهما بالبحث والسعي لعلنا نجد حلاً مناسباً لما يعترضنا من قضايا كبيرة شائكة ومستعصية لذلك جاء مؤتمر الدوحة للتجارة العالمية الذي أعطى بارقة من الأمل والتفاؤل لحل المعضلة الاقتصادية القائمة يضاف إلى ذلك أمل آخر بدأ يلوح في الأفق ألا وهو التوصل إلى إيجاد حل للصراع الفلسطيني- الإسرائيلي.
يعتقد الكثير من دول العالم وخاصة الغربية منها أن إيجاد حل ذلك الصراع من الأمور العصية، خاصة في ضوء ما بدا من فشل لكافة المساعي المبذولة منذ اتفاقيات اوسلو عام 1993، لكن ظهور قوى جديدة في الساحة السياسية العالمية سيفتح نافذة لعبور فرص جديدة قد تفضي في نهاية المطاف إلى إيجاد الحلول المناسبة ولاريب بأن تلك النافذة ستعطي فرصة جيوسياسية نادرة سنشعر بالأسف عليها بشدة إن لم يتم انتهازها.
ثمة إجماع عالمي تقريباً أن أي حلول تطرح ستضع اتفاقيات طابا التي أعدت في عهد الرئيس بيل كلينتون في عام 2001 أساساً لها خاصة في ضوء ما أبداه الدبلوماسيون الفلسطينيون من استعداد للقبول بتلك الاتفاقيات، يكاد أن يكون ثمة إجماع لدى الدول العربية بإجراء تسوية سلمية للصراع مع إسرائيل الذي ينظرون إليه باعتباره القضية الأكثر أهمية بالنسبة لهم، إلا أن البعض يرون في عقد تسوية مع إسرائيل مجالاً لتهدئة الشارع العربي ضد حكوماته فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية.
أما بالنسبة لإسرائيل فإننا نجد أنفسنا في وضع المتسائل إن كانت مستعدة فعلاً لتجنح نحو عقد اتفاق سلام مع الفلسطينيين في ضوء ظروفها السياسية القائمة التي تؤكد إجماع النخب الإسرائيلية على أن الزمن لا يمر لصالح إسرائيل ذلك الوضع يتيح لنتنياهو وليبرمان المعروفين بتشددهما أن يتصرفا على غرار ما فعل ريتشارد نيكسون عند زيارته للصين، وأن يقدم رئيس الحكومة الإسرائيلية على إقرار تسوية سلمية، ووضعها موضع التنفيذ عبر الانسحاب من معظم المستوطنات الإسرائيلية القائمة في الضفة الغربية. يخطرني في هذا السياق الزيارة التي قمت بها إلى إسرائيل في عام 1997 حيث التقيت آنذاك رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو لكوني كنت على معرفة به عندما كنا سفيرين في الأمم المتحدة، ولن أنسى ما قال لي في حينها: كيشور تجاهل كل ما يقال عني في وسائل الإعلام واعلم بأني أعمل من أجل السلام لذلك فإني اعتقد أن الائتلاف القائم بمن فيه ليبرمان ووزير الدفاع إيهود باراك يرغبون بالسلام.
لكن عقد أي اتفاق يستدعي بالضرورة وجود وسيط قوي النفوذ ولحسن الحظ فقد عهد إلى هيلاري كلينتون منصب وزير الخارجية الأميركية «بعد سلفيها كولن باول وكونداليزارايس اللذين لم يكونا مؤهلين للقيام بتلك المهمة» التي تمكنها خبراتها ومؤهلاتها وثقة الطرفين بها من القيام بدور الوسيط.
منذ عدة سنوات التقيت كلينتون في الكنيسة بأحد الممرات وحدثت بيننا مصافحة وقد شعرت منذ ذلك الحين بأنها تحظى بثقة الجالية اليهودية الأمر الذي يتيح لها القيام بوساطة ذات أهمية في الشرق الأوسط.
وقد تأكد ذلك عندما أبدت مهارة دبلوماسية فائقة في زيارتها للمنطقة خلال شهر آذار 2009، حيث أكدت التزام الولايات المتحدة بالأمن الإسرائيلي، وأبدت تعاطفها مع الذين تعرضوا للمحنة الإنسانية التي حلت بسكان غزة، ولابد من الإشارة في هذا السياق إلى أن ما تتمتع به من خبرة وفطنة ليس بالأمر المستبعد فزوجها، الرئيس السابق بيل كلينتون لديه الكثير من المعرفة والخبرة بمعضلات الشرق الأوسط وهو من وضع الأسس لعملية السلام في المنطقة، ولاريب أن إدراك كلينتون واستيعابها لتلك القضية سيمكنها من إكمال ما بدأ به زوجها لمعالجة أمور المنطقة، وسيشكل بالنسبة لها العامل المحرك الذي له اعتباراته المهمة، ولاشك أنها إن نجحت مساعيها في إقرار حل الدولتين، فستكون المرشحة الأولى لنيل جائزة نوبل للسلام وسيصفق لها العالم أجمع وخاصة أن الأميركيين أصبحوا على معرفة تامة بدور العالم الإسلامي وما يمكن أن يخلفه ارتباط نحو 1.3 بليون مسلم بالقضايا العالمية الرئيسية ومنها النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني الذي قاد إلى تبعات سياسية سلبية في شتى أرجاء العالم الإسلامي.
إن انتخاب الرئيس باراك أوباما كرئيس للولايات المتحدة لقي قبولاً كبيراً في العالم الإسلامي وخفف من التبعات السلبية القائمة، وبذلك فإن التوصل إلى تسوية سلمية ستجعل العالم يشهد انحساراً في غيوم الكآبة التي تحيط به لأن كل ما يطلبه في الوقت الحاضر مشاهدة بصيص من الأمل.
28/4/2009