أسراب من العصافير والشحارير بنت أعشاشها باتقان وكأن من بناها مهندس بارع..لم تكن ثمة صخرة دون محط ذكرى وقفنا عليها ليس وحسب إنما الآباء والأجداد.
فسحة بيتنا واسعة..الوالدة كانت ترسل بصرها الذي لم تفتقده آنذاك إلى حيث تريد..ترى طيوراً وسماء زرقاء صافية..تدور في أرجاء البيت تحاول لملمت الأشياء المبعثرة هنا وهناك..ظهرت أفاع أمام عينيها تمد رؤوسها من الجحور تنفث سماً زعافاً تريد اقتلاع كل شيء يدب على الأرض لكن هذه الأفاعي لم تستطع تحقيق مآربها لأن جذورنا عميقة في الأرض الطيبة..ومع نبض القلب يتلاشى الخوف..
ننظر إلى بيادر القرية التي هي جزء من بيادر الوطن..نرى الصبية تتجمع حولها تقف شامخة..تتذكر ملاعب الطفولة..تهيىء نفسها للرقص على ايقاع حركات النسوة اللواتي تجمعن على البيادر.صراخ الوالدة جعل وجهها يشع في العتمة اشعاعاً أضاء أرجاء المكان..تخبط الأرض بقدميها فلم يعد ما يشغلها إلا مقارعة شياطين الأرض الذين قالت عنهم إنهم الأفاعي المسمومة..تسخر من الموت..
كانت على ثقة أنها ستعود لأنها لمست ذروة السعادة حين فهمت لغة الأشجار والطيور..فجأة رصت الصفوف..أثارت ضجة..تحرك ذراعيها..تشق عباب الهواء كصقر يقاوم هوج الريح تقول: ارحلي أيتها الأفاعي..نحن قادمون..سمعت زقزقة العصافير..فرفرفت أحلامها كفرشاة فوق شجرات الياسمين تشكل سداً في وجه الريح..فادركت أن المقاومة انتصرت وأن العودة آتية لا محالة لأن جولاننا في العيون..العيون ترقب الآتي القريب مهما طال الزمن أم قصر يبقى جولاننا في العيون.