الفارق بين العاصفتين أن أولاهما اعتمدت على الغارات الجوية المتواصلة المكثفة وكان ضحاياها في معظم الأحوال من المدنيين الآمنين . ولقد بات واضحاً تماماً أن هذه العاصفة من عواصف إبليس يمكن أن تستمر لسنين دون أن تنجح في هدم المتاريس التي تستهدفها في اليمن أو أن تحقق أيّ هدف من أهدافها المعلنة منها والمضمرة , حيث إن الشيء الوحيد الذي أبرزته هو أن عقلية إبليس السعودي في استهداف ضحاياه من المدنيين للضغط على خصومه الفعليين كأسلوب من أساليب الردع لا تختلف عن عقلية إبليس اليهودي الصهيوني الذي طبق هذا الأسلوب الإجرامي في حروبه على لبنان وقطاع غزة . وهكذا فإن النتيجة الوحيدة المتحققة لعاصفة الحزم تتمثل في احتلال إبليس السعودي لموقعه الى جانب حليفه اليهودي الصهيوني على قائمة الإجرام اللامحدود .
من الواضح تماماً أن المعتدي السعودي لم يوقف عاصفة حزمه أو يتظاهر بإيقافها إلا بعد أن تلقى أمراً لا يمكن أن يكون مصدره إلا واشنطن بوقف تلك العاصفة . والدليل على ذلك أن الملك السعودي كان قد أصدر أمراً قبل ساعات قليلة من هذا الإعلان بإشراك الحرس الوطني السعودي في الحرب على اليمن , ربما في محاولة لتعويض النقص الناجم عن امتناع باكستان ومصر عن زج قواتهما البرية في الحرب .
وإذا كانت واشنطن قد أقدمت بالفعل على هذه الخطوة فلأسباب لا تتوقف عند الضغط الدبلوماسي , ذلك أن صور الجرائم المرتكبة ضدّ الشعب اليمني على أيدي طيّاري آل سعود الذين لم يتح لهم حكامهم يوماً فرصة تجريب طائراتهم في مواجهة الصهاينة اليهود باتت تملأ الدنيا وتشغل الناس . وكل الناس في هذه الدنيا يعرفون أن آل سعود لم يقدموا على فعلتهم في اليمن إلا بعد أن باركت أمريكا هذه الفعلة . وبالتالي , فإن الجرائم المرتكبة سعودياً تمسّ أيضاً صورة أمريكا وسمعتها خاصة وأن أميركا عمدت الى حشد أساطيلها البحرية بجوار اليمن وكلفت طائراتها بتزويد طائرات عاصفة الحزم المغيرة بالوقود في الجو , مما يعني إسهامها العملي في الحرب على اليمن . ولكن هذا لا يعني أن رقة الأحاسيس الأميركية تقف وراء الموقف الأميركي , فلدى أميركا مناعة طبيعية ضدّ هذا اللون من الأحاسيس . كل ما في الأمر أن الأميركي أدرك بعد 27 يوماً من القصف المكثف أنه قصف عبثي فشل في هدم متاريس الثوار اليمنيين المدافعين عن ثغور وطنهم , ولم يحقق أيّ هدف من الأهداف المعلنة , وأن هذا القصف يوحّد اليمنيين في مواجهة المعتدين بدلاً من أن يغري العداوة بينهم . ثم إن الرئيس الأميركي لم يتردد بعد إعلان وقف العملية في الكشف عن المخاوف الأميركية من توفر أسلحة لدى الثوار اليمنيين يمكن أن تهدد السفن في البحر الأحمر وبحر العرب , بما في ذلك بالطبع السفن الأمريكية والاسرائيلية . وفي ظروف الحرب المفتوحة والحصار يصير استخدام مثل هذه الأسلحة أمراً وارداً .
باختصار يمكن القول بأنه كان لا بد للأطراف التي تقف وراء «عاصفة الحزم» من تغيير الأسلوب والانتقال منها الى ما أسمتها بعملية «إعادة الأمل» , وعملية «إعادة الأمل» هذه تعني :
- استمرار الحصار الجوي والبحري والبري على اليمن .
- استمرار التدخل العسكري في اليمن , ولكن بوسائل أخرى غير القصف الجوي , وإن كان اللجوء الى القصف الجوي وارداً في بعض الحالات , بمعنى أنه بات إجراء محتملاً من حين الى آخر وليس مقرراً واجب التنفيذ بشكل يومي .
إن هذا المنطق يعني أن المساعي لإيجاد حل سياسي للأزمة في اليمن ستترافق عملياً مع استمرار الاشتباك على الأرض ومحاولة تغليب قوة على أخرى . وبالتالي لا يمكننا القول بأن حرب الأبالسة على اليمن قد توقفت , أو أن محاولات استنزاف هذا البلد وتقويض حريته قد انتهت . وهذا ما أقر به الجانب السعودي وهو يعلن بدء عملية «إعادة الأمل» . وهنا علينا أن ننتبه الى الدلالة التي يحملها هذا الشعار وما ينطوي عليه من تلبيس . فمن المؤكد أن الأمل الذي يتحدث عنه آل سعود , ويسعون الى إعادته , ليس أمل الشعب اليمني في أن يعيش في وطنه حراً مستقلاً بأمن وسلام , وإنما أمل آل سعود في أن يستعيدوا سيطرتهم وهيمنتهم على اليمن .
يعني هذا أن اليمن لا يزال يواجه التحدّي , وأن الحرب على اليمن لم تتوقف عملياً إلا إذا كان هناك اتفاق سياسي أولي بين القوى الدولية يمكن أن يكون مقبولاً من جانب الأطراف اليمنية . وهنا نستطيع أن نتحدث عن مرحلة جديدة تتداخل فيها الاشتباكات الفعلية على الأرض , وربما أيضاً على الحدود , مع المساعي السياسية الدولية لإيجاد حل . ومثل هذا التطور قد يعني عملياً أن دول مجلس التعاون الخليجي المتورطة صار ينظر اليها كطرف في الصراع وليس كوسيط، وأن المجتمع الدولي بات ينظر بانزعاج الى إفراطها في استخدام القوة , وأن هذا الفعل ينطوي على مخاطر قد تهدد السلم والأمن الدوليين , أو على الأقل أمن الملاحة البحرية . وعليه , فإن هذه الدول لم تعد تصلح كحاضنة للحل السياسي في اليمن . كما أن القيادات اليمنية التي روّجت لجرائم عاصفة الحزم وراهنت عليها تكون قد خسرت الرهان بفشل هذه العاصفة في تحقيق أهدافها , خاصة وأن الأحداث أثبتت بأن هذه القيادات لا توجد لها شعبية حقيقية على الأرض . وإذا كانت شرعيتها أصلاً مستمدة من الاعتماد السعودي لها وليس من إرادة الشعب اليمني فإن الفشل السعودي في الحرب يعني فشلها بدورها .
هذا يعني أن «عاصفة الحزم» فشلت بامتياز , وأنها شكلت كارثة سياسية حقيقية بالنسبة لأصحابها . لكن الكارثة الإضافية التي تنتظر هؤلاء إنما تتمثل في المنطق الانفعالي الذي حكم سلوكهم وهم يعلنون وقف «عاصفة الحزم» بإطلاق عملية «إعادة الأمل» . فالمنطق يقول بأنه إذا كانت هناك بوادر حل سياسي تعكف عليه الدول الكبرى ويوجد حوله شيء من التفاهم , فإنه يتوجب على أصحاب تلك العاصفة أن يؤيدوا توقف القتال بين الأطراف اليمنية في الداخل الى جانب كفّ أيديهم هم كلياً عن القتال , لكن هذا لم يحدث بل حدث العكس . فقد أحلوا حرباً محل حرب , أي أنهم غيّروا فقط أسلوب الحرب . أو لنقل إنهم يفكرون الآن بجعل اليمن يعاني من حرب استنزاف طويلة , وهو المنطق الذي حكم سلوكهم التآمري تجاه سورية من قبل . وهو منطق تلبيس إبليس الذي صار شهيراً .
إن هذا التفكير العدواني لن يخدم حتماً مصلحة آل سعود , إذ أنه سيؤدّي الى توريطهم في مأزق قاتل . فمحاولاتهم للعبث بالشأن اليمني تحت عنوان «إعادة الأمل» قد يترتب عليه امتداد القتال الى داخل السعودية وخاصة في مناطق نجران وجيزان وعسير , وهو احتمال كان قائماً من قبل ويجعله السلوك السعودي المصمّم على التدخل في الشأن اليمني وارداً في كل حين . فمن يصرّ على مواصلة العبث بالداخل اليمني عليه أن يتوقع اتساع القتال وامتداده بحيث يكتوي المعتدي بنار عدوانه . والمغامرة التي يصر آل سعود على مواصلتها هي مغامرة المتاعيس الذين أعمتهم ضلالتهم ولا نقول فقط شهواتهم للسيطرة حتى إنهم لم يعودوا يدركون أن من يعتدي على الآخرين لا بدّ وأن يُعتدى عليه من قبلهم بمثل ما اعتدوا عليه . بل إن توجه اليمنيين نحو نجران وجازان وعسير سيكون جزءاً من معركة تحرير الأرض اليمنية التي كان آل سعود قد احتلوها في القرن الماضي ومن يدري لعل آل سعود خططوا في حربهم على اليمن لاحتلال المزيد من أراضيه , ولكنهم اصطدموا بالجبال والبيوت اليمنية التي تحولت الى متاريس وبإرادة الإنسان العربي في اليمن الذي لا يمكن أن تهزمه عواصف إبليس مهما كانت هوية هذا الإبليس ومهما مارس من أنماط التلبيس .