وعلى كل حال ثمة من عمل على جمع ما أنتجه شعراؤنا حول هذا العدوان وما جادت به قرائحهم، فكان الديوان السوري المفتوح الذي صدر في حمص، ومن ثم قدمت مجلة الموقف الأدبي كتابا ملحقا يدون الكثير مما قيل في هذه الحرب أعده الدكتور ثائر زين الدين، وتعود المجلة من جديد لتستكمل الديوان بجزء ثان أعده محمد حديفي.
ومن مقدمة الأديب محمد حديفي لكتاب «جرح الوطن» نقتطف: سبع عجاف مضت أو تكاد، وسوية المجد والبطولة تكتب في فضاءات الوطن ملاحم الثبات والصمود، وترسم فوق جدرانه لوحة للنور الطالع من كل حبة رمل من رماله كي تروي حكاية بطولة، أو تسجل لجيل سوف يأتي لتقول له:
هكذا نحن كنا، وهكذا يجب أن نكون، لأن تاريخنا العابق بالبطولة والتضحيات الذي رضعناه مجدا مع حليب الأمهات كان لنا الهادي وكان الدليل.
وكتاب «جرح الوطن» من إعداد وتقديم محمد حديفي، من منشورات اتحاد الكتاب العرب للعام 2017 ضمن سلسلة كتاب الجيب، يضم باقة من قصائد الشعراء التي كتبت لتغني أمجاد الوطن، وتسلط الضوء على بطولات جيشه التي وصلت حد الأساطير، ضمن خطة الاتحاد في رصد كل الجهود الخيرة التي يبذلها المبدعون من كتاب وشعراء لتجمعها كتبا تحفظ هذا الإرث العظيم وتقدم للأجيال القادمة نموذجا يوضح أن كتاب هذا الوطن كانوا في قلب المعركة. ولم يكتفوا بالكتابة عن صموده فحسب، وإنما دفع كثيرون منهم حياتهم وأرواحهم فداء له ودفاعا عن ترابه الوطني، والكاتب الحق الملتزم بقضايا وطنه مسؤول، ومسؤوليته ترتقي لأن يقول كلمته صادقة وطنية ملتزمة ويقدم الروح رخيصة في سبيل الوطن حين يقتضي أمر الوطن ذلك.
وقصائد هذا الكتاب تنتمي إلى مدارس عدة، والشعراء نهلوا من مناهل مختلفة ومتمايزة، ما أدى إلى اختلاف بينهم في التعامل مع اللغة أو الصورة الشعرية أو الطريقة في تناول الموضوع.
وفي قصيدته «ياعماد العقيدة الحق» كتب الدكتور جهاد طاهر بكفلوني بمناسبة الذكرى السنوية الثانية لاستشهاد العماد البطل حسين اسحق:
ياعماد العقيدة الحق كانت
عالما قبله تمادى الخلاء
ملأ الدنيا بالرجولة كونا
مار فيه الإمرار والإحلاء
أملت النبل بالشهادة روح
حرة يهوي طهرها الإملاء
أمك الأرض حين عدت إليها
بك قرت فشكها أشلاء
فاخرت بالشهيد عصرا ودهرا
فهو الإخلاص الوفاء الولاء
ويقول الشاعر سليمان السلمان في قصيدة «قاتل هواك»:
أيا وطني .. رعشة في المفاصل ..
شوق وجيع وأغنية ..
تعزف الآه فيها شفاه قتيلة
هو العمر .. ياوطني ..
والرحيل وسهد الليالي الطويلة ..
وآه .. وآه على ذكرك العذب
ياوطن التائهين على كل درب.. عشقتك ..
إني أموت بحبك، عذري الهوى..
حين لم يعد الحب عذرا،
حين ضاعت دماء الأضاحي ..
ونامت على ذعرها الكلمات الجميلة
ففي قبضة الريح، رقص الفواصل
والحركات الثقيلة
وكتب الشاعر خالد أبو خالد في قصيدة الشام:
شوقي لصوتك .. جلنار في الأغاني ..
زهر نار في رمادي
جرح ناي في غبار القصف من دار لدار
شوق البياض إلى المحابر والحصار
إلى المعابر بين ميلاد القصيدة ..
بين حامدتين، من قصف المدارس والدمار
شوق البنادق .. للمعارك، في مخاضات المدائن، في احتضار الموت، في موت الصغار، شوق البيارق لاحتفال الغار
و«من مقام الوجد» نقرأ للأديب محمد حديفي:
وترحلون .. قلبي يرتل ما تيسر
من مقام الصبر، في زمن الجنون
هذي الحرائق في دمي
من سوف يطفىء نارها؟
من بعدكم يذكي المشاعل في دمي
إن لوحت كف المنون؟ وترحلون
من سوف يؤنس وحشتي في الليل
إن غاب القمر
من سوف يأتي محملا بالصبح؟
ومن الشعراء نقرأ للشاعر د. نزار بني المرجة «طائر الرعد»:
من فوق، من عليائك الزرقاء، هل رأيت دمي؟ أنا لست هابيل الضحية
لست أنتظر الغراب كي يواري جثتي
هم أفلحوا في القتل والروح تمتلك الجواب .. أنا وسط شلال الدماء سيظل مائي في فمي
أنا طائر الرعد المدمى..
ويرى الشاعرصالح هواري «بالسيف قد لانلتقي أبدا»:
هب الربيع وما انتظرناه
ياليت أنا ما رأيناه
قلنا: قطار الشمس عاد لنا
والورد بعض من هداياه
لكن ويا أسفي أتى قمرا
دامي المحيا ما عهدناه
هذه بعض من روحهم التي آلمها جرح الوطن، فجاءت كلماتهم مدماة تارة، وتارة أخرى تحمل بشائر النصر، فتسرع لتحمل أكاليل الغار تتوج فيها شهداء كانوا حماة الوطن وحصنه المنيع، طوبى لأصحاب الكلمة الصادقة ولمن كان جنبا إلى جنب مع جنودنا البواسل يسجلون في سفر الوطن حكاية بطولات لا تنتهي، ومجد لايخبو وهجه.