ومن هنا تأتي أهمية الكتاب الذي قدمه الدكتور وليد محمد السراقبي الصادر عن وزارة الثقافة -الهيئة العامة للكتاب - تحت عنوان (الترجمة المشوهة وفوضى المصطلح اللساني).
الكتاب يسير في مسارين اثنين: الأول نظري فرش مسائل الترجمة وقضاياها ومستوياتها، محاولا تبين سبل الارتقاء بها،وعارضا نماذج من المثالب التركيبية والدلالية التي غصت بها ترجمات وقف عليها المؤلف.
والثاني تطبيق كشف عن أثر الترجمات الفردية الارتجالية غير المنظمة في إيجاد فوضى مصطلحية على مستوى علم واحد من العلوم هو اللسانيات، فكان لهذا العلم في مستوى التسمية فحسب أكثر من عشرين مصطلحا مترجما !
توقف المؤلف عند الترجمة المشوهة وساق بعض النماذج عنها، في قوله تعالى (الذين يتبعون الرسول النبي الأمي.فجعل كلمة (الأمي) منسوبة إلى (الأم) لا إلى الأمة، بذلك تكون الترجمة مقطوعة عن سياقها،لذلك الترجمة السليمة لها من أصول العلم ما لها، ولها من جمال الفن ما لها، ومن هنا لا بدّ لها من أن تضبط بضوابط العلم من جهة، وتتلبس بموهبة الفنان من جهة ثانية، فهي إبداع حقيقي يتلو من جهة الزمن - مرحلة الإبداع الأول للنص في لغته الأم، وهي من جهة أخرى لا تكون تفسيرا، أو شرحا، أو تأويلا، أو تحليلا.
وعرض المؤلف في كتابه الأصول الجوهرية للترجمة وجملها في:
أولاً: البراعة اللغوية وهذه البراعة ليست مقصورة على اللغة الأم، ولكنها تشمل اللغتين: الأم والهدف، لأن اللغة هي الآلة التي سيعزف عليها المترجم موسيقاه،ثم إن البراعة في اللغة الهدف أيضا،وهي أشبه بمراهنة تتسم بالخطورة، والمخاطر في آن معا، لأن فيها كشفا وبيانا لمدى سعة صدر لغته التي ينقل إليها، وقدرتها على تمثل النص المترجم واستيعابه، وعلى مقدرته من جهة ثالثة على خلق شكل لغوي جديد بأدواته اللغوية الخاصة ترفده ذاكرة اللغة الأم من جهة، وطاقته الإبداعية من جهة أخرى.
ثانياً: الثقافة العامة الرافدة للتخصص أي معرفة عادات أهل اللغة التي ينقل عنها، والوقوف على دقائقها أمران لا غنى للمترجم عنهما البتة، إذا كان يريد لترجمته أن تبتعد عن الوقوع فيم هو جزء من التكوين الثقافي والاجتماعي لأهل اللغة التي ينقل عنها.
ثالثاً: الربط المحكم بين التراكيب ولعلَ ذلك يظهر من خلال مقارنتنا بين ترجمتين مختلفتين لنص واحد، ومن الأصول الجوهرية أيضا تجنب الغموض واللبس على سبيل المثال ما جاء في ترجمة القرمادي: وهو قوله (إلا أنه لا يمكن أن يعاب بالإفراط في النزاهة) فهذه الجملة قد تؤدي معنى المدح فيما يشبه الذم، إلا أنها تؤدي المعنى في العربية بوضوح، والجملة في أصلها الإنكليزي وترجمتها: (ولكن نقطة الضعف عنده تتمثل في عدم الحرص على الدقة العلمية) وأيضا الاهتمام بالصياغة لا التبديل أي الاهتمام بصياغة الفكرة لا الاقتصار على إبدال كلمة بكلمة،وهذه الصياغة تتطلب من المترجم أن يعرض عن مسائل كثيرة، كالتقديم والتأخير،ومن الأصول أيضا إيثار التعريب على الترجمة وإضاءة مواضع من النص المترجم، إضافة إلى سلامة الأسلوب، ومراعاة التقسيم الأصلي لفقرات النص بلغته الأصلية مع وضوح المصطلح ووحدته.
لكي نحصل على نص مترجم يغني الثقافة المنقل إليها نحتاج إلى مترجم كفوء قادر على فهم روح النص ولديه مخزون لغوي ثري وغني كي يتمكن من تقديم ما يفيد في إيصال رسالته وإحداث انفعال وتفاعل بين الثقافات.