تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


عصافير الحبّ

الملحق الثقافي
21/4/2009
قصة : فيصل خرتش

عندما دخل فلان الفلاني إلى بيته ، صرخ الأولاد في وجهه : “ بابا ... مات العصفور “.

مرّ خيط من الحزن بين عينيه وتداعت الذكريات متقطّعة ... صور متلاحقة ، صديقه الدكتور في كلية الآداب وهو يحمل إليه القفص ، العصفوران الملوّنان بكل ألوان الحبّ والفرح ، زقزقتهما وتغريدهما الذي كان يملأ البيت ، الأنثى ذات المنقار الأبيض وهي تنقر الذكر الصغير ذا المنقار الأزرق ، الأولاد وبهجتهم وهم يرقبون حركات العصفورين ، يا إلهي كم كانت الحياة سعيدة ...‏

“ كيف ؟ “ ودون إشارة استفهام ، ألقى ما بيديه ، الأولاد قالوا : لقد نسيناه على الشرفة الغربية فلم يحتمل حرّ بلادنا ... وبعد ذلك ... مات ...‏

نظر الرجل إلى القفص كانت الأنثى مرتمية على أرضية القفص والذكر صامت يلفّ حزنه على بعضه ... وبهدوء ، وقبل أن يحلّ الظلام أشعل الجميع شمعة وساروا وراء الأب ، وعند الحديقة توقفوا ... أخرج الرجل علبة كبريت ، وأشعل واحداً وعشرين عوداً رطباً من كبريت وطني ثم حفر حفرة صغيرة ، لفّوا أنثى الحب بالخاصة البيضاء ، قرؤوا ما تيسّر من قصار السّور ثم أهالوا التراب بدموعهم الصغيرة ... ومن يومها أعلن الأولاد حدادهم وامتناعهم عن أكل لحم العصافير والدجاج والطير وكل ذي مخلب ومنقار. وكانوا ينزلون كل يوم جمعة إلى الحديقة يضعون زهرة واحدة على ضريح الشهيد المجهول .‏

صار الأولاد يذهبون إلى مدارسهم بهدوء ويأس ، لا يكتبون وظائفهم ، ويكسرون أقلامهم ... الرجل فلان الفلاني صار يكره عمله وبات يجلس بشكل دائم وهو يضع كفه على وجنته يذاكر كثيراً من أشعار أبي العتاهية في التأمل والاعتبار ، والأم تسبحّ بسبحة طويلة تدعو الله أن يأخذ الذكر وراء الأنثى ...‏

قدم الشتاء وصرنا جميعاً نخاف على العصفور ، نركض به من شرفة إلى شرفة ، وعندما يشتد البرد ندخله إلى داخل المنزل ، نضعه قرب دفئنا ، ولم نعد نتركه ليلة واحدة خارج المنزل ... فيغرّد ويصرح ويولول علينا ... لم نكن نتابعه ، كنا نتابع الفضائيات عبر الستلايت هكذا كان الرجل فلان الفلاني يقول لصديقه الحيادي ، والرجل ينصت إليه بكل وقار ...‏

لم يعد يستيقظ في الصباح ، لم يعد يغرّد ، صار ينهرنا إن أخرجناه إلى الشرفة ، يتمطى بعد الظهر ، يغرّد قليلاً ، ويطلب العودة إلى الداخل لماذا ؟ ... إنه يريد أن يبقى معنا يتفرّج على الفضائيات .‏

هكذا كان الرجل يقول ، لأنه أيضاً كان يعتقد أن الحياة أصبحت بهيجة .‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية