أعلن سورين كيركيغارد، في النصف الأول من القرن التاسع عشر، انتقاده لفلسفة هيغل، بوصفه فيلسوف التأمل الذي تناسى الوجود. ومن ثم انتقد كيركيغارد النزعة الكانطية، وعارض الفلسفة المثالية ليؤسس لعصر جديد. وفي النصف الأول من القرن العشرين – وذلك بعد أن ابتدأ تأثير كيركيغارد – بزغت فلسفة أصيلة، تمثلت بمارتن هيدغر وكتابه الأهم (الوجود والزمان)، الذي عارض فيه العالم الثقافي لأسلافه، وعارض أيضاً المجتمع الصناعي الذي يسعى لتحطيم الفردية عبر التنظيمات الصلبة.
وجد هيدغر شركاءه الحقيقيين: الإغريق، وغرق فيهم إلى الدرجة التي وصفه البعض فيها بأنه أكثر إغريقية منهم؛ وما ذلك سوى لأنه أراد اكتشاف نفسه في نصوصهم. استخدم النص الأرسطي نقطة انطلاق بحثه في بدايات ما قبل سقراط، باعتباره النص الباقي الوحيد الذي يحتوي كل شيء. ودافع عن الموقع المميز للحقيقة في عمل أرسطو (الميتافيزيقا)، ولم يهمل – في الوقت نفسه – أنكسيمندر وهيرقليطس وبارمنيدس – رغم عدم وجود أفكار كاملة لديهم – بل استخدم شذراتهم لتشييد بنيانه الخاص، معيداً تركيبها وترتيبها وفق مخططه.
رغم الاعتراف الكبير لهيدغر بأنه استرجع الماضي لوصل الفكر الإغريقي بالعلم الحديث، وبأنه حاول إتاحة الفرصة للثقافات الإنسانية الأخرى كي تكشف نفسها، رغم ذلك فقد صنفه كثيرون بأنه جزء من أزمة الرأسمالية الأخيرة، وبأنه لاعقلاني في تنكره للمنطق الحديث.
لم تكن كل التوصيفات لفكر هيدغر تبغي التقليل من شأنه في سلسلة الفلسفة العالمية، ولم تقصيه أو تحيده آراء الآخرين عن مكانته الفلسفية التي تسنمها في القرن العشرين؛ إذ إن النقد – من حيث هو نقد في الجوهر – لم يكن يهدف إلا إلى الاستمرار في البحث عن الحقائق الجوهرية. وهو – أي النقد – من سمة العقل الساعي إلى الاستقلال والتحول الدائم.
جاء مفكرون كثر في القرن العشرين، أعادوا قراءة كل السلف، ثم أعادوا القراءة، وخرجوا بنتيجة، هي أنهم جميعاً – مع أسلافهم – يشكلون الفكر الإنساني الفاعل، المرهق بالبحث عن جوهر الوجود. لم يلغ أحدهم الآخر، بل كان معيناً له في تحقيق الاستقلالية، وتوليد أفكار جديدة طازجة، تغير هذا الواقع، وترفع من الشرط الإنساني المتحقق.