يستحم فيه الشعراء كافتهم ليبلغوا درجة النيرفانا، وهم طيُّ ألسنته!
يقايض الشعراء الأمكنة التي ولَّدتهم بأخرى تستوعب سلالتهم الشعرية الخاصة، فهُم مهندسون بارعون في خيالاتهم، ووحدهم النقاد يحثون على سوقهم إلى ) بيت الطاعة(، محدَّدين لكل شاعر مكاناً، ولهذا ينظَر إليهم باعتبارهم منزوعي الانتماء الجنسي. وربما من هنا كان قول بورخيس )يمكن التفكير في أن الشعر هو فن نغل، هجين( ، أي يكون الشعراء وحشيين فيما يأتون به وإلا لاندثرت ذُرّيتُهم الشعرية، بينما الكتاب النقاد فهم جباة ضرائب مكانيون، والمعاصرة توصيفاً هي نفي الزمكانية لتأكيد مطلق ما في الشعر.
وأن الشعر هذا كان حاضراً باسمه مهما اختلِف حوله أو عليه، لأن الشعر ومذ وجد كان بمعنى عميق ٍما المحاربَ الأبدي للناس حتى بالنسبة للذين لا يطيقون سماع صوته، بوصفه السائر عكس التيار في اعتبارهم.
نعم ليس للشعر وقت، ليس للنثر وقت إن جاز التعبير، فالفصل والوصل بينهما بين الشعر واللاشعر تيمة أهليهِ اللامنضبطين اللامستقرين. ودفعة واحدة يمكن القول هنا، أن( ألف ليلة وليلة)، و( كتاب الحيوان) للجاحظ، و( البصائر والذخائر) للتوحيدي،( الروض العاطر في نزهة الخاطر) للنفزاوي، يمكن قراءتها نصوصاً شعرية عالية المستوى، أكثر بكثير من النصوص الشعرية المعروفة ذاتها في تاريخ الشعر الذي نعلم بأمره، لأن ثمة تعدداً وتنوعاً متوالدين فيها، وهي تخترق الأزمنة والأمكنة التي تسمّيها.
إنها تشعل ناراً فيمن يقرأها، بقدر ما يستدعي ماءً لإطفاء حريقها!
هذا يفضي بنا إلى عالم الشعراء، وكيف يؤصّلون التنوير في توقهم إلى المختلف، أي ما يبقيهم مرجعاً لأهل الفكر أو الفلسفة، وأظن أنه لولا هوميروس لما كان اسخيلوس المسرحي أو أفلاطون المتشدد على الشعراء ظاهرياً المسكون بهواهم داخلياً( انظر السطور النارية التي دبَّجها مارتن هيدجر عن هولدرلن بصورة خاصة، وهو الصارم في فلسفته)، وأن شعراء المعلقات هم الذين يمثلون قلادة الفلسفة العربية من الكندي إلى ابن رشد على الأقل، وحيث إن الإسلام لم يُحِل مطلقاً دون تسرَُّب مؤثراتهم: وهج شعرهم إلى متون كتاباتهم الأكثر إيغالاً في التجريد. فالشعراء عشاق في حضرة حبيبات لا تحصى لهم لا أسماء معيَّنة لهن، بينما الفلاسفة ففي الحد الأقصى يكون كل منهم في حضرة حبيبة مسمَّاة وهي زوجته.
الحضور الأكثر في العالم، المزيد من الحرية، الشعور بإنسانية الإنسان أكثر، تلك علامات التنوير الكبرى، وهذا ما يمكن تلمسه في الشعر الذي لا يهدأ مخلِصاً لحيوية النار داخله، أي للنور الذي يملأ على شاعره خياله.
ويمكنني القول أن بروميثيوس هو المعطف الكبير الذي خرج منه عموم الشعراء، ولا أعني بذلك أبوة الشعر واحتكاره، وإنما أشدد على براعة الرمز. بروميثيوس هذا تاريخ افتراضي، فلتة أسطورة، والشعر بغتتها وذاكرتها المفتوحة.
وإذا أجيزَ لي أن أمضي بخيالي الأدبي الرياضي أكثر وبنوع من التمادي، فيمكن القول أنه ربما كان بروميثيوس ذاته ينتمي إلى سلف حيواني ذي ريش يُتباهى به، أي البط عاشق المياه الجامدة، وهو يتهادى غندوراً وسطها، لأنه، ببساطة أيضاً، يترجم ناره التي تشتعل داخله وهو يخفف منها، أي يجمع ببراعة بين النار والماء.
وأعتقد أن الشعر لا يعدو أن يكون، كما هي كينونتنا من الداخل، هذا الجمع الغفير والمستحيل بين الماء والنار، أننا مائيون / ناريون بمعنى ما، أرضيون وهي نسختنا الترابية سماويون بحسب نسختنا النورانية المغيَّبة!
النار هذه تمثّل بنهرها الشعري القاسمَ المشترك الأكبر بين أرباب الديانات والثقافات المختلفة، ولا مفر من معايشة النار ليكون المرء شاعراً. وهوميروس كان أبعد ما يكون عن اسمه فحملت الملحمتان اسمه، أي كانت ولادة الشعر البروميثيوسي بامتياز بقدر ما دخل اسمه السجل الذهبي للشعر، والذهب نار وافرة الفتنة من جهته.
جمعية مشاكسي العالم
الشعراء عمَّال خيالاتهم الخاصة، إنهم ضحَّاكو الجنازات، وربما بكاؤو الأعراس، يعملون ضد الحشمة، وحتى اللغة بالذات إذ كثيراً ما يتأففون منها كما يعلمنا بذلك سلوكهم الشعري ، فهم إذاً يشكلون ودون اتفاق، أكبر جمعية من نوعها في التاريخ تضم كل الشعراء الذين يعرَّف بهم شذاذ الآفاق ألا وهي جمعية مشاكسي العالم.
كل الشعراء قديماً وحديثاً يتواجهون حول مائدة مستديرة، ليس من فضل لأحد على آخر، ليس من صدارة مجلسية، من حيث المبدأ كما يفترض الشعر. إن مشهد المائدة يضعنا في مواجهة المعاصرة التي تبقي كل شاعر في حالة تحد مع الآخر وذاته بغية الأفضل!
المشاكسة ليست حكماً أخلاقياً لذمّ الشعراء إنما صفة تمايز، بقدر ما تكون فرزاً إيجابياً لما يحقّقونه بشعرهم.
الشاعر معاقَب عقاباً أبدياً فيما يختاره لنفسه باعتباره منمّي الآلام فيه، ولا مفر من الآلام في الطرق الألف لقول الشعر ومكابدة عذاباته.
التنوير الشعري خطوة متقدمة في قول الشعر، لأنه في جوهره يمثل الوجه الحي والعصري الدائم تجدداً للقصيدة الواحدة، ويتجلى فرق كبير بين صراع الشعراء من أجل مسمّيهم الشعر، وصراعهم من أجل مسمّي أناهم، فالعلاقة الارتحالية عكسية تماماً.إنه الفرق بين البطة البرّية والبطة الداجنة عاشقة المياه العكرة!
إن كتابة القصيدة تعني إعلان ظهور الشاعر التنويري في اللحظة التي ينظر الشاعر الطفرة إلى الأمام دونما النظر فيمن يراقبه أو ينتظره، إن القصيدة هي التي تسمي شاعرها وليس أن يسمي الشاعر قصيدته.
ما أكثر النماذج التي تعرّي في الشاعر ما ليس فيه، حيث يتنابذ الشعراء بالألقاب، وكأنهم ناصِبو العداء لتلك القصيدة الواحدة بداية ونهاية مفترضتين، أي قصيدة التنوير، أي يتقدمون على القصيدة ليؤكدوا عبئهم عليها.
ولكم يتصرف الشعراء تصرف الضرَّات، وكأنهم يعانون من عقدة الأبوية القاهرة لجميع الأبناء، هي ذاتها عقدة الشعور بوضع اليد، وكأن خروجاً من هذا الانتماء الجمعي القهري حقيقة، يلزم الشاعر باتخاذ الأقصى موقعاً مقاماً له. إن الجهر بالتنوير لا يعني دوام التذكير بالظلمات وإنما بالسعادة غير المسماة تنويرياً، لأن الدخول في التنوير يعني الخروج من الظلام وعدم النظر إليه. إن من يذكّر بالظلام وهو في فسحة النور، ضعيف الإيمان بالنور حُكماً..
محن التنوير المختلفة
لا مناص من الحديث عن التنوير وكيف اُقتص منه تاريخياً!. إن استقدام الشاعر والاحتفاء به ومن ثم تحويله إلى مفرخة قصائد مديحية أو توقيفه على أداء أدوار تكسبه مكانة ووفورة صحة، ليس أكثر من سلخه وهو حي، وكثيراً ما يتصرف الشعراء في التاريخ على أنهم منذورون لغيرهم ، عندما يعرضون سلعهم: صورهم الشعرية وهم تابعوها. إن دخول الأسواق أو الحلبات محظَّر على الشاعر، لأن الشعر يتطلب ذلك، والشاعر الذي يزدرد لقمته وهو يحاول لقيا الشعر لا بد أن يكون الشعر ذاته فضلاتياً، غير مستساغ.
ولكم عِيشَ الزمن فُتاتياً أو مبعثراً أو متصرَّفاً به خارج حقيقته العامة، لكَم أقحِم في الزمن ما ليس له يد فيه، كما هو المتعلق بذات الشعر ومن يمكنه تمثيله، ومن موقع الاستئثار براية التنوير، عندما نتحدث عن الذكورة والأنوثة. وهذا ما يمكن ربطه بتلك الثغرات التي تضع الشعراء غالباً في المواجهة الصعبة لما هم عليه إزاء خاصية الانتماء الأنثوية تلك التي تشكل عنصراً فاعلاً في حياتهم، وخاصية الرؤية للعالم من حولهم، وفي علاقتهم مع نظرائهم، حيث إشارة الشاعر إلى سواه لا تتعدى التنويه من موقع التنبيه إلى أهمية المتكلم.
في أهبة التنوير المعاصر وحفاوته
ثمة بوابات كبرى مفتوحة أمام شاعر اليوم، وهي تحديات بقدر كثرتها وسعتها، حيث البوابة الكبرى توحي بضرورة الاندفاع، والاندفاع ربما يؤدي إلى الدخول في المتاهة وفقدان الاتجاه أو السقوط في الهاوية، بسبب عدم التركيز في النظر، كما هو المستسهل في قول الشعر وإطلاق أسماء من باب التمييز.
لهذا فقط يبقى علي أن أقول مستعيداً العبارة الباذخة لابن رشد فيلسوفنا المتنور وهو يقول( تموت روحي بموت الفلسفة) وأنا أعدّل فيها قليلاً: ( تموت روحي بموت الشعر). تُرى هل من تنوير فيما أثرته؟
نعم ليس للشعر وقت، ليس للنثر وقت إن جاز التعبير، فالفصل والوصل بينهما بين الشعر واللاشعر تيمة أهليهِ اللامنضبطين اللامستقرين. ودفعة واحدة يمكن القول هنا، أن( ألف ليلة وليلة)، و( كتاب الحيوان) للجاحظ، و( البصائر والذخائر) للتوحيدي،( الروض العاطر في نزهة الخاطر) للنفزاوي، يمكن قراءتها نصوصاً شعرية عالية المستوى، أكثر بكثير من النصوص الشعرية المعروفة ذاتها في تاريخ الشعر الذي نعلم بأمره، لأن ثمة تعدداً وتنوعاً متوالدين فيها، وهي تخترق الأزمنة والأمكنة التي تسمّيها.
إنها تشعل ناراً فيمن يقرأها، بقدر ما يستدعي ماءً لإطفاء حريقها!
هذا يفضي بنا إلى عالم الشعراء، وكيف يؤصّلون التنوير في توقهم إلى المختلف، أي ما يبقيهم مرجعاً لأهل الفكر أو الفلسفة، وأظن أنه لولا هوميروس لما كان اسخيلوس المسرحي أو أفلاطون المتشدد على الشعراء ظاهرياً المسكون بهواهم داخلياً( انظر السطور النارية التي دبَّجها مارتن هيدجر عن هولدرلن بصورة خاصة، وهو الصارم في فلسفته)، وأن شعراء المعلقات هم الذين يمثلون قلادة الفلسفة العربية من الكندي إلى ابن رشد على الأقل، وحيث إن الإسلام لم يُحِل مطلقاً دون تسرَُّب مؤثراتهم: وهج شعرهم إلى متون كتاباتهم الأكثر إيغالاً في التجريد. فالشعراء عشاق في حضرة حبيبات لا تحصى لهم لا أسماء معيَّنة لهن، بينما الفلاسفة ففي الحد الأقصى يكون كل منهم في حضرة حبيبة مسمَّاة وهي زوجته.
الحضور الأكثر في العالم، المزيد من الحرية، الشعور بإنسانية الإنسان أكثر، تلك علامات التنوير الكبرى، وهذا ما يمكن تلمسه في الشعر الذي لا يهدأ مخلِصاً لحيوية النار داخله، أي للنور الذي يملأ على شاعره خياله.
ويمكنني القول أن بروميثيوس هو المعطف الكبير الذي خرج منه عموم الشعراء، ولا أعني بذلك أبوة الشعر واحتكاره، وإنما أشدد على براعة الرمز. بروميثيوس هذا تاريخ افتراضي، فلتة أسطورة، والشعر بغتتها وذاكرتها المفتوحة.
وإذا أجيزَ لي أن أمضي بخيالي الأدبي الرياضي أكثر وبنوع من التمادي، فيمكن القول أنه ربما كان بروميثيوس ذاته ينتمي إلى سلف حيواني ذي ريش يُتباهى به، أي البط عاشق المياه الجامدة، وهو يتهادى غندوراً وسطها، لأنه، ببساطة أيضاً، يترجم ناره التي تشتعل داخله وهو يخفف منها، أي يجمع ببراعة بين النار والماء.
وأعتقد أن الشعر لا يعدو أن يكون، كما هي كينونتنا من الداخل، هذا الجمع الغفير والمستحيل بين الماء والنار، أننا مائيون / ناريون بمعنى ما، أرضيون وهي نسختنا الترابية سماويون بحسب نسختنا النورانية المغيَّبة!
النار هذه تمثّل بنهرها الشعري القاسمَ المشترك الأكبر بين أرباب الديانات والثقافات المختلفة، ولا مفر من معايشة النار ليكون المرء شاعراً. وهوميروس كان أبعد ما يكون عن اسمه فحملت الملحمتان اسمه، أي كانت ولادة الشعر البروميثيوسي بامتياز بقدر ما دخل اسمه السجل الذهبي للشعر، والذهب نار وافرة الفتنة من جهته.
جمعية مشاكسي العالم
الشعراء عمَّال خيالاتهم الخاصة، إنهم ضحَّاكو الجنازات، وربما بكاؤو الأعراس، يعملون ضد الحشمة، وحتى اللغة بالذات إذ كثيراً ما يتأففون منها كما يعلمنا بذلك سلوكهم الشعري ، فهم إذاً يشكلون ودون اتفاق، أكبر جمعية من نوعها في التاريخ تضم كل الشعراء الذين يعرَّف بهم شذاذ الآفاق ألا وهي جمعية مشاكسي العالم.
كل الشعراء قديماً وحديثاً يتواجهون حول مائدة مستديرة، ليس من فضل لأحد على آخر، ليس من صدارة مجلسية، من حيث المبدأ كما يفترض الشعر. إن مشهد المائدة يضعنا في مواجهة المعاصرة التي تبقي كل شاعر في حالة تحد مع الآخر وذاته بغية الأفضل!
المشاكسة ليست حكماً أخلاقياً لذمّ الشعراء إنما صفة تمايز، بقدر ما تكون فرزاً إيجابياً لما يحقّقونه بشعرهم.
الشاعر معاقَب عقاباً أبدياً فيما يختاره لنفسه باعتباره منمّي الآلام فيه، ولا مفر من الآلام في الطرق الألف لقول الشعر ومكابدة عذاباته.
التنوير الشعري خطوة متقدمة في قول الشعر، لأنه في جوهره يمثل الوجه الحي والعصري الدائم تجدداً للقصيدة الواحدة، ويتجلى فرق كبير بين صراع الشعراء من أجل مسمّيهم الشعر، وصراعهم من أجل مسمّي أناهم، فالعلاقة الارتحالية عكسية تماماً.إنه الفرق بين البطة البرّية والبطة الداجنة عاشقة المياه العكرة!
إن كتابة القصيدة تعني إعلان ظهور الشاعر التنويري في اللحظة التي ينظر الشاعر الطفرة إلى الأمام دونما النظر فيمن يراقبه أو ينتظره، إن القصيدة هي التي تسمي شاعرها وليس أن يسمي الشاعر قصيدته.
ما أكثر النماذج التي تعرّي في الشاعر ما ليس فيه، حيث يتنابذ الشعراء بالألقاب، وكأنهم ناصِبو العداء لتلك القصيدة الواحدة بداية ونهاية مفترضتين، أي قصيدة التنوير، أي يتقدمون على القصيدة ليؤكدوا عبئهم عليها.
ولكم يتصرف الشعراء تصرف الضرَّات، وكأنهم يعانون من عقدة الأبوية القاهرة لجميع الأبناء، هي ذاتها عقدة الشعور بوضع اليد، وكأن خروجاً من هذا الانتماء الجمعي القهري حقيقة، يلزم الشاعر باتخاذ الأقصى موقعاً مقاماً له. إن الجهر بالتنوير لا يعني دوام التذكير بالظلمات وإنما بالسعادة غير المسماة تنويرياً، لأن الدخول في التنوير يعني الخروج من الظلام وعدم النظر إليه. إن من يذكّر بالظلام وهو في فسحة النور، ضعيف الإيمان بالنور حُكماً..
محن التنوير المختلفة
لا مناص من الحديث عن التنوير وكيف اُقتص منه تاريخياً!. إن استقدام الشاعر والاحتفاء به ومن ثم تحويله إلى مفرخة قصائد مديحية أو توقيفه على أداء أدوار تكسبه مكانة ووفورة صحة، ليس أكثر من سلخه وهو حي، وكثيراً ما يتصرف الشعراء في التاريخ على أنهم منذورون لغيرهم ، عندما يعرضون سلعهم: صورهم الشعرية وهم تابعوها. إن دخول الأسواق أو الحلبات محظَّر على الشاعر، لأن الشعر يتطلب ذلك، والشاعر الذي يزدرد لقمته وهو يحاول لقيا الشعر لا بد أن يكون الشعر ذاته فضلاتياً، غير مستساغ.
ولكم عِيشَ الزمن فُتاتياً أو مبعثراً أو متصرَّفاً به خارج حقيقته العامة، لكَم أقحِم في الزمن ما ليس له يد فيه، كما هو المتعلق بذات الشعر ومن يمكنه تمثيله، ومن موقع الاستئثار براية التنوير، عندما نتحدث عن الذكورة والأنوثة. وهذا ما يمكن ربطه بتلك الثغرات التي تضع الشعراء غالباً في المواجهة الصعبة لما هم عليه إزاء خاصية الانتماء الأنثوية تلك التي تشكل عنصراً فاعلاً في حياتهم، وخاصية الرؤية للعالم من حولهم، وفي علاقتهم مع نظرائهم، حيث إشارة الشاعر إلى سواه لا تتعدى التنويه من موقع التنبيه إلى أهمية المتكلم.
في أهبة التنوير المعاصر وحفاوته
ثمة بوابات كبرى مفتوحة أمام شاعر اليوم، وهي تحديات بقدر كثرتها وسعتها، حيث البوابة الكبرى توحي بضرورة الاندفاع، والاندفاع ربما يؤدي إلى الدخول في المتاهة وفقدان الاتجاه أو السقوط في الهاوية، بسبب عدم التركيز في النظر، كما هو المستسهل في قول الشعر وإطلاق أسماء من باب التمييز.
لهذا فقط يبقى علي أن أقول مستعيداً العبارة الباذخة لابن رشد فيلسوفنا المتنور وهو يقول( تموت روحي بموت الفلسفة) وأنا أعدّل فيها قليلاً: ( تموت روحي بموت الشعر). تُرى هل من تنوير فيما أثرته؟