فالأرض العربية ما زالت تقع تحت احتلال وروح الشعب المكافح ما زالت تنمو وتقاوم وتنتزع بإرادة الاستقلال كل حق مغتصب،شهداء السادس من أيار 1915 -1916 على يدي جمال باشا السفاح لم يكونوا قافلة الشهداء الأولى بل سبقهم في المرجة ذاتها شهداء أعدمهم سامي باشا الفاروقي وكانت قافلة الشهداء لم ينقطع طريقها منذ دخل إلى الدولة العربية الإسلامية هولاكو 1258م، وانتهت حواضر العروبة وتوقف الشوط الحضاري.
ومنذ دخول هولاكو حتى يوم الناس هذا لم ينته الكفاح ضد الاستعمار والمستعمرين بل يواصل شعبنا تضحياته حتى يتحرر من جميع أشكال الاحتلال والسيطرة واختراق السيادة الوطنية والقومية ومهما بدا عليه الأمر في كل حقبة من التاريخ في النضال ضد المستعمر من أن الشعب الأعزل، وغير المدعم بالقوى الكبرى العالمية لن يصل إلى تحرير ما احتل على قاعدة ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بها، وبذلك فلا بد من الإصغاء إلى اتجاهات تسمي نفسها الواقعية فيكون التفاوض والنضال السلمي طريقاً إلى الحل ويرون أنه الحل الوحيد أمام ما ينظر إليه من تغول المستعمر الأقوى عتاداً وعدة للحرب، إلا أن جماهيرنا العربية المكافحة تعود عبر تقلبات حسها الوطني إلى طبيعتها التاريخية التي جربتها كثيراً وبنت فيها أمجادها ومفاد هذه الطبيعة يقول: اطلب الموت تكتب لك الحياة، والحياة بدون كرامة ليست جديرة بأن تعاش كما أطلقها في حرب التحرير 1973 القائد الخالد حافظ الأسد.
نعم كانت وما زالت البنية النفسية والروحية لشعبنا مركبة على قيم الوثبة من أجل الوطن وهؤلاء الذين يمر علينا عيدهم وبشهادتهم بزغت شمس الوطن المقهور ولاتزال أغاني الشعب لهم زيِّنوا المرجة ترى المرجة لنا.. زيِّنوا المرجة لتلعب خيلنا، ما زالوا فينا نبراس صمود وكفاح ومواجهة وها هو قد عاد هولاكو إلى العراق منذ عام 2003 لكنه لم يستطع البقاء الآمن فيها فهو يبحث عن مخرج له تحت سياط المقاومة التي تغني: نحن ها هنَّا ولا هان على أبواب بغداد العراق ومن الجنوب البطل تجددت ملحمة الحرية في وجه الطغيان الصهيوني وهزمت إسرائيل في الحرب غير مرة أمام الذين ليس في إرادتهم سوى الشهادة أو النصر.
وفي غزة الأسطورة سقطت من جديد في هذا العام غطرسة المتغطرسين وتحولوا إلى مجرمي حرب دون أن يكسروا إرادة الشعب المقاوم، وأمام صورة تضحياتهم تغير وجه العالم ليتحول من القبح السياسي الذي كان يفرض على قناعات المجتمع الدولي إلى الحق السياسي الساطع الذي أصبح يفرض على إنسانية هذا المجتمع ولولا الشهداء ما كان لأحد في العالم أن يقر لنا بحقوق ولولا درب الشهادة كانت إسرائيل قد بقيت صاحبة الكلمة الأولى والأخيرة بينما هي الآن لا تعرف كيف تتقي مطالبات جميع المنظمات الحقوقية العالمية بتجريمها واستدعاء قادتها إلى المحاكم الدولية المختصة. ورغم أن الانتخابات الأخيرة في إسرائيل قد أتت بالنخبة العنصرية اليمينية المتطرفة لكن شيئاً قد أصبح على أرض الصراع مع العدو وهو إرادة المقاومة وقوتها على كبح جماح هذا العدو ولاسبيل أمامه إزاء تعبئتها للشعب العربي من محيطه إلى خليجه إلا الرضوخ والاذعان للحق التاريخي للعرب مهما طال الزمان أو تعددت صور التهرب والمماطلات.
فمن أرض الشهادة والشهداء تنبت في الوطن الجليل ألف زهرة في اليوم وبها تكتب للمناضلين الحياة .
وعبرة هذه الصورة شهدناها في حرب التحرير التي قادها الخالد حافظ الأسد عام 1973 حين كسرت شوكة الكيان السوبرماني وحطمت طائراته وأسر جنوده وتوالت بعدها انكساراته من عدوان له إلى اخر، وهذا هو اليوم ينسحب من منطقة من الغجر ليقول نتنياهو لأوباما قبل أن يكون بين يديه في 18/5/2009 نعم ليس أمامنا إلا أن ننسحب ونحقق القرارات الدولية ذات الصلة والاستكبار لم ينفع الأميركيين فترة بوش وهاهو لن يكون مخرجاً للمتعصبين في إسرائيل.
ومن الواضح في أجواء حكومة الكيان الصهيوني أن تصريحات، وبرامج كسب المعركة الانتخابية شيء، وفرض هذه الأهداف العدوانية على العرب شيء آخر. كما بات واضحاً أن نيات إسرائيل العدوانية، الإحلالية العنصرية لم تعد تجد لها داخل الإدارة الأميركية الحاضرة الحماس الذي كان.
إن أوباما اليوم ينوء بأعباء تركة بوشية من أفغانستان إلى غزة، والعراق، ودارفور، والأزمة المالية، والنفط، وكوريا الشمالية، وإيران، والتجارة العالمية، وضبط التسلح، وعدم انتشار النووي، وقضايا البيئة والمناخ، والبطالة الأميركية الواصلة إلى 9٪، وتداعيات الدرع الصاروخي مع روسيا، وكذلك قضايا جورجيا، وتراجع دخل دافع الضرائب الأميركي، ونمو نزعات الحنين إلى الأصول داخل أميركا ومايهدده هذا النمو من تفكيك الرابطة الأميركية القائمة بالأساس على الوفرة المالية فقط، وقد تم تثقيل هذه القضايا المعقدة بانفلونزا الخنازير.
وبناء عليه كيف يتصرف نتنياهو ليجعل ذهن أوباما منصباً عليه، وعلى أفكاره العدوانية طالما أنه يعتقد بالعودة عن الجزء الذي احتلته إسرائيل من الغجر بعد عدوان 2006، ونصَّ القرار 1701 على خروجها منه، مسألة مقايضة كافية؟
ثم يحاول نتنياهو أن يحمل ما اعتبرته الصحافة الإسرائيلية محاولات يائسة حين يعتقد هذا الأخير أنه قادر على إقناع أوباما بأنه يعالج الملف النووي الإيراني مقابل إشعار كاذب بالتوجه نحو خطته للسلام في الشرق الأوسط.
ومهما حدث من نتنياهو وليبرمان من غلو عنصري، وخاصة في رفض حل الدولتين، أو قبولهما على أساس دولة لكل شعب. ويأخذان سبباً بترحيل عرب 48، وعدم السماح بالقدس عاصمة مشتركة، أو عودة اللاجئين، سيكون أمام إسرائيل مجموعة مصاعب لم يعد بأيديها تجاهل التعامل معها، وأولها التنكر لحق سورية في الجولان، إذ إن إسرائيل وأوباما لن يصلا إلى أي حل كما قالت مجلة فورن أفيرز: «إن إدارة أوباما تحتاج إلى التعاون مع سورية ففيه الحل». وتحت عنوانها: الدروس المستفادة من الشرق الأوسط ورد بأن على إدارة أوباما أن تعرف أن أميركا ليست اللاعب الوحيد الذي فشل في تنظيم الشرق الأوسط تحت قيادتها، وقوتها، بل إسرائيل كذلك.
فإذا كانت هذه هي مؤشرات التفكير الأميركي، والدولي فأين مؤشرات التفكير العربي الذي عليه أن ينتظم خلف الإرادة السورية ومن معها في إعادة بناء الجبهة العربية الجديدة سياسياً، واقتصادياً، وعسكرياً؟ فبها وحسب تعود إسرائيل وأميركا إلى مربّع إحقاق الحقوق، وتنتشي بذلك روح شهداء السادس من أيار منتصرةً.