ذات يوم كانت زوجتي مع أولادي يتأهبون للخروج من البيت، وكان من المفروض أن أذهب أنا معهم، فأردت أن أمازحهم بأن أختفي عن نواظرهم، ورأيت أن أفضل مكان أختبئ فيه هو صندوق كبير كانت أمي أورثتني إياه بعد أن جلبته مع جهازها عندما زفت إلى أبي، فتحت الصندوق وحشرت نفسي فيه وأغلقته دونما حركة مني، وسمعت زوجتي والأولاد ينادونني ثم يبحثون عني وأنا قابع في الصندوق دونما حركة أو همسة ويبدو أنهم يئسوا من وجودي فقالت زوجتي للأولاد:
يبدو أن أباكم قد سبقنا، هيا! وسمعت الباب يغلق كانت مزحة ثقيلة عليهم ولما أيقنت أن البيت خالٍ من الأولاد والزوجة حاولت فتح الصندوق، فإذا به لا يفتح حاولت عدة مرات فلم يفتح وتذكرت أن ابني قد مر بالصندوق كلما وجد قفله غير مغلق أغلقه وذهب تذكرت أنني سمعت صوت إقفال القفل ولم أنتبه إلى فداحة الموقف في ساعتها، لكنني عندما ذهبت السكرة وجاءت الفكرة اكتشفت أن هذه المزحة قد كلفتني غالياً وربما موتاً بطيئاً في الصندوق.
دون أن يشعر بي أحد وتصبب العرق من كل مكان في جسمي وشعرت بخوف شديد، وصرت أحوقل وأبسمل وألوم نفسي على مزاحي وأقول إن كان سيكتب لي عمر من جديد فلن أمزح أبداً خاصة مزاحاً من هذا النوع الثقيل الذي لا يضحك بل يبكي، يبكيني أنا الرجل المشورب الذي سينقصف عمره في الأربعين، وهكذا صرت أصيح علّ أحداً يسمعني ولكن هيهات أن يسمع صوتي المخنوق داخل عتمة الصندوق الذي حشرت نفسي فيه حشراً في مزحة ثقيلة علي أنا.
مضت مدة ليست بقصيرة كاد أن يغمى علي خلالها بسبب تعذر استنشاق هواء جديد، لكن حكمة الله أرادت أن تنقذني مما أوقعت نفسي فيه، فقد سمعت باب البيت يفتح وصوت زوجتي يؤنب الأولاد، فرحت أصرخ بكل قوتي الباقية، حتى سمعت زوجتي صوتي المتحشرج، وعرفت أنه صادر من داخل الصندوق، ومضت دقائق حسبتها دهراً حتى عثرت زوجتي على مفتاح القفل وفتحته، وركض أطفالي حولي يضحكون لأنني اعتدت أن أمازحهم لكنني كنت قد اتخذت قراراً بألا أعود إلى مزاح قط، وأنا الآن رجل جاد حتى الصرامة، مقطب الجبين أبداً.
ومجنون يحكي وعاقل يسمع.