|
الحسين بن الضحَّاك.. يجرح ويداوي بشعره ساخرة ويذكر أن أبا نواس متهم بأخذ معانيه في الخمر. ولد في البصرة ونشأ فيها، وتوفي في بغداد، وقيل: أصله من خراسان. لم يكن شعره منتشراً في البلاط فحسب، فقد كانت له شعبيته أيضاً في مختلف الأوساط، فقد هجا مغنية استخفت به فقال: لها في وجهها عكنٌ وثلثا وجهها ذقنُ وأسنان كريش البط، بين أصولها عفن فضحك الحاضرون وبكت بكاء حاراً، وشاع هذان البيتان فكسدت من أجلهما. وكانت إذا حضرت في موضع أنشدوا البيتين فتجن، ثم هربت من «سر من رأى» فما عرف لها بعد ذلك خبر. (1) الحسين.. مع الجندي العاشق وكانت للحسين طرائف ومواقف تضحك الثكلى في هذا المجال، وقد تحدث هو نفسه فقال: كان يألفني إنسان من الجنود عجيب الخلقة والزي والشكل، غليظ جلف جاف، فكنت أحتمل ذلك كله له، ويكون حظي التعجب به. وكان يأتيني بكتب من عشيقة به مارأيت كتباً أحلى منها، ولاأظرف ولا أبلغ ولا أشكل من معانيها، ويسألني أن أجيب عنها فأجهد نفسي في الجوابات وأصرف عنايتي إليها، على علمي بأن هذا الجندي بجهله لايميز بين الخطأ والصواب، ولايفرق بين الابتداء والجواب. فلما طال ذلك علي حسدته، وتنبهت إلى إفساد حاله عندها، فسألته عن اسمها فقال: «بصبص» فكتبت إليها بالنيابة عنه في جواب كتاب منها جاءني به: أرقصني حبك يابصبصُ والحب ياسيدتي يرقصُ أرمصتِ أجفاني بطول البكا فما لأجفانك لاترمص؟ - أي: تعمش - وابأبي وجهك ذاك الذي كأنه من حسنه عصعص فجاءني بعد ذلك فقال لي: ياأبا علي، جعلني الله فداءك! ماكان ذنبي إليك، وماأردت بما صنعت بي؟ فقلت له: وماذاك، عافاك الله؟ فقال: ماهو والله إلا أن وصل ذلك الكتاب إليها حتى بعثت إلي: إني مشتاقة إليك والكتاب لاينوب عن الرؤية، فتعال إلى الروشن - أي الكوة - بالقرب من بابنا، فقف بحياله حتى أراك. فتزينت بأحسن ماقدرت عليه، وصرت إلى الموضع، فبينما أنا واقف أنتظر مكلماً أو مشيراً إلي، وإذ شيء قد صب علي فملأني، من قرني إلى قدمي، وأفسد ثيابي وسرجي وصيّرني وجميع ماعلي ودابتي في نهاية السواد والذقن والقذر (....) فانصرفت بخزي، وكان مامر بي من الصبيان وسائر من مررت به من الضحك والصياح بي أغلظ مما مر بي ولحقني من أهلي، ومن في منزلي شر من ذلك وأوجع. وأعظم من ذلك أن رسلها انقطعت عني جملة. قال الحسين: فجعلت أعتذر إليه وأقول له: إن الآفة أنها لم تفهم معنى الشعر لجودته وفصاحته. (2) بيتا شعر الحسين أنقذا..كثيراً على أنه كانت له مواقف معاكسة، سخر فيها شعره لحل إشكالات الآخرين والسعي إلى الخير، فقد سأل المعتصم عن ندماء صالح بن الرشيد، وهم: أبو الواسع وقنينة وحاتم الريش وكثير بن اسماعيل والحسين بن الضحاك فأدخلوا عليه، فكتب كثير «سيدي.. هب لي شيئاً» فلما رآه المعتصم لم يستطب ذلك, ودعا من غد بالندماء ولم يدع بكثير بن اسماعيل، ففزع كثير إلى الحسين بن الضحاك، فقال له الحسين: إني لم أحلل من أنسه بعدُ بالمحلّ الموجب أن أشفع إليه فيك، ولكني أقول لك بيتين من شعر وادفعهما إلى حمدون بن اسماعيل يوصلهما، فإن ذلك أبلغ، فقبل كثير، وقال حسين على لسان كثير: قل لدنيا أصبحت تلعب بي سلط الله عليك الآخرة إن أكن أبرد من «قنينة» ومن «الريش» فأمي فاجرة وكان قنينة والريش بين من أدخلهم المعتصم للمنادمة. وعندما قرأ المعتصم الشعر ضحك وأمر لكثير بمال واستحضره وألحقه بأصحابه. (3) الحسين مع الأمين.. في البستان وقبل المعتصم كانت علاقة الحسين بالأمين وثيقة، كما يبدو من هذه الحكاية، بلسان الحسين: «شربنا يوماً مع الأمين في بستان، فسقانا على الريق، وجدبنا في الشراب، وتحرّز من أن نذوق شيئاً، فاشتد الأمر علي، وقمت لأقضي حاجة فأعطيت خادماً من الخدم ألف درهم على أن يجعل لي تحت شجرة أومأت إليها رقاقة، فيها لحم، فأخذ الألف، وفعل ذلك، ووثب محمد «الأمين» فقال: من يكون منكم حماري؟ ركب ظهره وخسر ألف درهم فكل واحد منهم قال له: أنا، لأنه كان يركب الواحد منا عبثاً، ثم يصله. ثم قال: ياحسين أنت أضلع القوم - أي: أقواهم. فركبني وجعل يطوف وأنا أعدل به عن الشجرة - وهو يمر بي إليها، حتى صار تحتها، فرأى الرقاقة فتطأطأ فأخذها فأكلها على ظهري وقال: هذه جعلت لبعضكم. ثم رجع إلى مجلسه وماوصلني بشيء، فقلت لأصحابي: - أنا أشقى الناس. ركب ظهري، وذهب ألف درهم مني، وفاتني مايمسك رمقي، ولم يصلني كعادتي (4) الهوامش (1) نديم الخلفاء - تأليف: عبد الستار أحمد فراج - سلسلة (اقرأ) دار المعارف - القاهرة - الكتاب رقم 109 - ص101 (2) المصدر السابق ص 104 - 105 - 106 (3) المصدر نفسه ص 109 (4) المصدر نفسه - ص 11-12
|