وحسب مدرسته النقدية وبعد أن شغف الرحالة العرب بتدوين يوميات رحلاتهم إلى أصقاع الأرض نشأ لون جديد أكثر غنى وقدرة على تدوين الوقائع وتقديم المعلومات الهامة وبعيداً بعض الشيء عن لغة المشاعر والعواطف، بل كانت مدونات الرحلة سجلاً علمياً يعود إليه القارئ أو الباحث في الكثير من الأحيان لمعرفة حال أمة من الأمم، أو لمعرفة عادات وتقاليد لم يكن يعرفها كما تقدم رحلات ابن بطوطة وغيره من الرحالة العرب.
ولانأتي بجديد إذا قلنا إن الراحل د. شوقي ضيف كان من أوائل النقاد العرب الذين اهتموا بهذا اللون من الأدب وقدّم فيه مجموعة دراسات هامة، ثم اهتمت بعض الدوريات العربية بالموضوع وأفردت أعداداً خاصة كما فعلت (عالم الفكر).
وإشارة ثانية لابدّ منها ألا وهي أن أدب الرحلات لم يتوقف بل ازدهر عند العرب في القرن التاسع عشر سواء باتجاه الغرب أم داخل الوطن العربي، أم باتجاه الشرق، ولكن على مايبدو نحن المقصرون في نشر ماتركه هؤلاء الرحالة من مذكرات ويوميات.
دار التكوين كما يقول مديرها الشاعر سامي أحمد بدأت الاهتمام بهذا الجانب ووضعت خطة طموحة لنشر مجموعة كتب في هذا المجال، وقد صدر من هذه السلسلة حتى الآن كتابان هما: رحلة نيقولا سيوفي 1873 بيروت- حلب- كردستان- الموصل- بغداد اعتنى بنشر الكتاب تيسير خلف، والكتاب الثاني هو رحلة حمّود البوسعيدي -الحجاز- مصر- الشام.
وفي السلسلة أيضاً: رحلتان إلى الحجاز ونجد /محمد بهجة البيطار ومحمد مسعود العوري- رحلة محمد سعيد الزعيم وعبد الحميد شوفان إلى ليبيا- تونس- المغرب- والوقوف على أطلال الأندلس.
ومن رحلة البوسعيدي من زنجبار إلى دمشق نقتطف من قوله في محاسن دمشق:( فلما وصلنا رأيناها مدينة عظيمة وفيها جملة أسواق ومساجد، وحمامات شيء كثير، وفي أسواقها شيء كثير من بضائع وغيرها من المآكل والمشارب والفواكه الفاخرة شيء لايتوصف.. وحولها البساتين محدقة عليها كلجة البحر وحول البساتين الجبل داير عليها مثل السور، وهي تسقيها بسبعة أنهار كبار، وتتفرق إلى جملة أنهار).
المتوسط ورحلة البوسعيدي تقع في (111) صفحة من القطع المتوسط، ورحلة السيوفي في /100/ صفحة والكتابان صدرا حديثاً عن دار التكوين في دمشق ضمن سلسلة إحياء أدب الرحلات.