تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


كـتـب فــي مهـبِّ الإعـــــارة...أعـــــزُّ كتـــــاب ..؟

ثقافة
الخميس 7-5-2009م
ديب علي حسن

سُئلت إعرابية عن أعز أبنائها وأقربهم إلى قلبها فأجابت قائلة: صغيرهم حتى يكبر، ومريضهم حتى يشفى، وغائبهم حتى يعود، وإذا ما سألت كاتباً أو أديباً أو مثقفاً،

أو.. عن أعزّ كتاب في مكتبته فإني أفترض أنه سيقول: كتاب أعير حتى يعاد إليّ، نعم أفترض أن قلبه سيبقى ملهوفاً على هذا الكتاب وسيبقى الكتاب الأعزّ لديه حتى يعود إلى ركنه بالقرب من كتب تكدست...‏

إعارة الكتاب ليست عادة وليدة اليوم على الإطلاق ومتى كانت حالة الإعارة الأولى في تاريخ الكتاب أو المكتبات هذا أمرٌ صعب التحديد ولكن يمكن أن نفترض أنه منذ استوى الكتاب على شكله وريقات أو سعف أو رقع أو ما كتب عليه، فإنه بدأ بالتداول بين الأصدقاء، وبالتأكيد ذهبت كتب وكتب من مكتبات وخزائن ولم تعد إلى أصحابها..‏

إعارة الكتب أخذت مجدها في القرن العشرين وربما منذ القرن التاسع عشر نتيجة ضيق ذات اليد أولاً، ولربما لندرة الكتاب المعار.. واليوم أظن أنّ هذه العادة تقلصت إلاّ فيما ندر لأن أيّ كتاب أصبح في متناول الجميع، وأمر آخر يضاف إلى ذلك أنّ الاهتمام بالقراءة أصبح شبه نادر، ومع ذلك ثمة إعارات وإعارات ويهمنا هنا أن نقف عند إعارة الكتب بين الأفراد، لأنّ المكتبات والمراكز الثقافية وضعت قيوداً وشروطاً تضمن عودة كتبها إن كانت الإعارة خارجية مع الإشارة إلى أن المكتبات الكبيرة ليس لديها إعارة خارجية.‏

وفي ذكريات الإعارة يمكن للمرء أن يقف عند محطات كثيرة تبدأ من العلاقة مع الأصدقاء الذين استهوتهم المطالعة إذ كانت في مطلع ثمانينات القرن الماضي وماقبله بالنسبة لجيلنا الهواية الوحيدة أو المتنفس الوحيد، وغالباً ماكنا نتبادل استعارة الكتب، من المكتبات المنزلية التي كانت جزءاً أساسياً من تراث الأسرة وممتلكاتها، وبالتأكيد فإنّ أمات الكتب التراثية تشكل الركن الأساسي لهذه المكتبات، ومن ثم تأتي بعد ذلك الروايات التي اعتدنا على قراءتها استعارة أو اقتناء.. وفي الذاكرة أنّ مكتبة أخي في المنزل كانت غنية بروائع الروايات العالمية وكلّها ذهبت إعارة ولمّا، بل لم ولن تعود إذ مرّ على هذه الإعارة مايقارب الثلاثين عاماً، طويت صفحاتها وصارت جزءاً من زمن غابر كان الكتاب كنزاً يتداوله الجميع.‏

وفي الذاكرة مكتباتنا المدرسية التي زودتنا بالجديد من الكتب في ثانوية (فايز كرد أوغلي) حيث درست الثانوية في مطلع الثمانينات كانت المكتبة تأتينا بكل جديد، لا يكاد يصدر كتاب حتى نراه في المكتبة ويوضع إعلان على الجدار ينبه الطلاب إلى الجديد، يضاف إلى ذلك أسبوع المكتبة، وبالإضافة إلى قائمة الجديد كانت قائمة جديدة توضع هي قائمة الطلاب الذين استعاروا كتباً وتأخروا في إعادتها إلى المكتبة، بل إنّ البعض غرّم بثمن كتب تعرضت للتلف أو للضياع..‏

وقائمة عدم الإعادة ذكرتني بقائمة جارنا (التاجر) الذي عمل لفترة أميناً لمكتبة المدرسة، وبعد ذلك افتتح متجراً وبدأ البيع ديناً، تراكمت الديون ولم يبادر أحدٌ إلى تسديد ماعليه فما كان منه إلاّ أن علّق قائمة بأسماء الذين لم يسددوا ماعليهم.. تمنيت لو أن بالإمكان أن نلجأ إلى تعليق إعلانات تدعو إلى إعادة الكتب إلى أصحابها مع الإشارة إلى أن للزميلة (ريم كوجان) في مكتبتي كتابين منذ أربع سنوات، ومع ذلك أقول لايزال الوقت مبكراً لإعادتهما مع النية بالإعادة مع الزيادة.. أمّا ماذهب من مكتبتي فهو كثير كثير، كتب غادرت مكانها على أساس أنها ستعود بعد أيام وهاقد مضى على غيابها عشر سنوات، وبعضها عاد بعد عشرين عاماً أعيد بعد مقايضته بكتب أخرى لالشيء إلاّ لأن لهذه الكتب ذكرى لاتفارقني كأن تجمع ثمنها ليرة ليرة.‏

من طرائف الإعارة..‏

في تاريخ الإعارة طرائف كثيرة ولا أدري إن كان جورج برناردشو الذي كان قد أعار أصدقاءه جزءاً من كتاب وحين تأخر لمدّة عام عن إعادته حمل «شو» أجزاء الكتب الأخرى وذهب إلى صديقه قائلاً: إما أن تضم هذه الأجزاء إلى الجزء الذي عندك أو أعده إلى هذه الأجزاء.‏

وثمة حادثة أعرفها أن دارساً أدبياً وموثقاً للحركة الأدبية في إحدى المحافظات قد أعد كتاباً حول شخصية تراثية وأعاره وهو مخطوط إلى أحد أساتذة الجامعات وذهب المخطوط ولم يعد إلى صاحبه وكان سبباً من أسباب حزنه ووفاته، ومن طرائف ما قرأته عن الإعارة ما كتبته وداد الكواري في زهرة الخليج إذ تحدثت عن كتاب أعير من مكتبتها هو ديوان أبي نواس وذهب إلى غير رجعة وتقول كأنّ مستعيره يطبق قول الروائي الراحل عبد الرحمن منيف: أحمق من يعير كتاباً وأحمق من يرده.‏

ومن طرائف الإعارة أن ثمة من يضع تعويذة على الصفحة الأولى من الكتاب تحمل تحذيراً لمن يستعير الكتاب ولا يعيده، بل إن بعضها يكتب مسبات وشتائم تنذر بالويل والثبور للذين يستعيرون ولا يعيدون.‏

على كل حال عزيزي القارئ ماذا في مكتبتك من كتب مستعارة، وهل تراكمت فيها كتب استعرتها كما قال أحد الأدباء مخاطباً صديقه: انظر إلى مكتبتي ليس فيها كتاب شراء إنها كلها مستعارة من مكتبات الأصدقاء.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية