كبيراً نتيجة عدم استقرارها وتذبذبها بين السيئ والأسوأ بسبب السياسة التركية التي كانت مثار شك وجدل وقلق عند دول الاتحاد الأوروبي التي تصرّ مدفوعة بتلك الخلفية على رفض انضمام أنقرة لمنظومة اتحادها برغم كل المحاولات التركية المحمومة للانضمام إلى الجسد الأوروبي، وهذا الأمر هو الذي كان يضع تلك العلاقات على فوّهة بركان قد ينفجر في أي لحظة.
إتمام الصفقة وبدء وصول دفعات منظومة الإس 400 إلى الأراضي التركية برغم التحذيرات الأميركية الشديدة للنظام التركي من شأنه أن يثير التساؤلات حيال العلاقات الاستراتيجية بين تركيا وحلف الناتو من جهة، وبين تركيا والولايات المتحدة من جهة أخرى، وصولاً عند الحديث عن مصير عضوية تركيا في الناتو.
في الأفق تظهر على الفور ردود الفعل المناوئة والرافضة لهذه الصفقة وتحديداً من قبل الإدارة الأميركية التي هددت بإلغاء صفقة مقاتلات (إف 35) الأميركية، التي صمّمت منظومة الـ إس 400 من أجل إسقاطها.
لم تكن العلاقات بين النظام التركي والغرب مستقرة بسبب أطماع وطموحات وأهداف الطرفين المتناقضة والمتباينة رغم التقائهما تحت راية الإرهاب وتحالفهما المشترك لتخريب وتدمير دول المنطقة والعالم ونهب خيرتها وثرواتها، غير أن اللهاث وراء المكاسب كان السبب دوماً في توتير العلاقات، وكان السبب أيضاً في دفع كلٍّ من نظام أردوغان وإدارة ترامب إلى البحث عن مساحات وهوامش للابتزاز والمناورة والاستثمار في الهزائم والإخفاقات التي لحقت بالأعداء المتحالفين، خاصة في الميدان السوري.
ضمن هذا السياق المتدحرج بشدة نحو الهاوية في علاقات النظام التركي بالناتو خصوصاً والغرب عموماً بدأ الاشتباك خلف الكواليس، لكن سرعان ما بدأ يظهر للعلن مع هزيمة الطرفين في تحقيق أهدافهما في الجغرافيا السورية، ليبدأ الشد العكسي ولتبدأ لعبة الانزياحات والاصطفافات الجديدة التي وجد فيها أردوغان منقذا له من عنق الزجاجة، وفي ذات الوقت وجد فيها مدخلاً لابتزاز الاميركي والغربي في العديد من الملفات، أبرزها الملف الكردي في الشمال السوري الذي استطاعت الولايات المتحدة استغلاله أبشع استغلال عبر مرتزقتها وميليشياتها الموجودة هناك والتي تقوم بدعمهم وحمايتهم والرهان عليهم لانتزاع مكاسب سياسية على الطاولة.
صفقة صواريخ الإس 400 تندرج في سياق المحاولات التركية للضغط على الولايات المتحدة لرفع الغطاء عن مرتزقتها وميليشياتها الكردية والتنسيق معها في مرحلة ما بعد انتهاء الحرب على سورية، حيث يعتقد التركي أنه خارج سياق نظرية توزيع الكعكعة السورية والتي لا تزال تؤمن بوجودها بعض أطراف الإرهاب برغم كل الهزائم والإخفاقات التي تلقتها في الميدان السوري.
على هذا النحو تبدو الأمور تتجه نحو التوتير والتصعيد أكثر بين (الحلفاء الاعداء)، خاصة من قبل الولايات المتحدة التي تعتبر نفسها أنها تلقت صفعة قاسية من النظام التركي الذي يحاول وضع قدم هنا وقدم هناك، وهذا مرفوض مطلقاً من قبل الأميركي، إذ لا يجوز لحليف وشريك له أن يستدير نحو أي عدو للولايات المتحدة فكيف إذا كان هذا العدو هو روسيا العدو التقليدي لأميركا، كما أن شراء أردوغان الأسلحة من موسكو سوف يفتح الباب واسعاً على شراء الاسلحة الروسية وسوف يغلق باباً واسعاً لشراء الأسلحة الأميركية، وهذه النقطة الأهم التي سوف تكون سبباً لتصعيد العلاقات بين أنقرة وواشنطن.
ورغم اقتراح الرئيس الأميركي دونالد ترامب، فرض عقوبات على تركيا، يصر أعضاء كثيرون في الكونغرس على معاقبتها، وفقا لقانون محاسبة خصوم أميركا، كما تحدثت تقارير عن احتمال فرض الأميركيين 5 عقوبات على أنقرة، تشمل التأشيرات وقيود على تصدير الأسلحة وطردها من برنامج تصنيع مقاتلات (إف 35).
كما يبدي الناتو قلقه أيضاً من أن صفقة «إس 400» ستحدّ من قدرة تركيا على التعاون مع أعضاء الحلف، وقال مسؤول فيه إن هذه الصواريخ ستهدد الموائمة والتجانس العسكري بين جيوش الحلف.
وقالت مصادر إعلامية غربية إن الإدارة الأميركية استقرت على مجموعة العقوبات التي سيتم فرضها على تركيا بسبب شرائها منظومة صواريخ إس 400 الروسية.
ونقل موقع وكالة بلومبيرغ عن أحد المسؤولين الغربيين قوله إنه سيتم الإعلان عن هذه العقوبات خلال أيام، وكانت مصادر أميركية قالت إن واشنطن تدرس ما وصفته، بردٍّ قاس على شراء تركيا لمنظومة إس 400، وأفاد موقع وكالة بلومبيرغ عن هذه المصادر قولها إن الحرمان من مقاتلات إف 35 هو أول خيارات الرد الأميركي، لكنه ليس الوحيد.
ووفقاً لقانون مكافحة أعداء الولايات المتحدة، المعروف اختصارا بقانون «كاستا»، سيكون على الرئيس الأميركي دونالد ترامب، اختيار 5 عقوبات على الأقل من قائمة تشمل 12 عقوبة.
ويتضمن قانون كاستا فرض حظر على تحويل أو نقل ممتلكات، ويضع قيوداً على تقديم قروض أو استثمارات مالية، ويقلص كذلك إمكانية الوصول للنظام المصرفي الأميركي.
وبمقتضى القانون، يحق للرئيس الأميركي الطلب من ممثلي الولايات المتحدة في المؤسسات المالية الدولية مثل صندوق النقد الدولي التصويت بالرفض على تقديم قروض للدولة المستهدفة بالعقوبات.
ويمنح كاتسا الرئيس الأميركي، حق مطالبة البنوك بعدم تقديم قروض تتجاوز عشرة ملايين دولار للدولة الخاضعة للعقوبات.
ووفقاً لما أوردته وكالة بلومبيرغ، فإن الفكرة الأكثر قبولاً في دوائر صنع القرار الأميركية، هي استهداف شركات تركية في مجال الصناعات الدفاعية، وفرض عقوبات على هذه الشركات، يجعل من المستحيل عليها شراء معدات أميركية، أو بيع معداتها داخل السوق الأميركي.