تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


حوار:«عيد صالح»:أكتب ضد عـــدو متــوحشٍ.. لا يعرف الإنســـانيـــة

ثقافة
الأربعاء17-7-2019
هفاف ميهوب

إذا كان الشِّعر لدى الكاتب والشاعر المصري «عيد صالح» هو «ذلك الساحر الآسر، العجيبُ، الغريبُ، العنيد، المراوغ وسط جلجلةِ المشاعر.. الذي يحتويك،

يصارعك، يصرعك، يشدّك، يزملك، يضمُّك بقوةٍ وحنانٍ وجنونٍ واندفاع».. إذا كان الشعر لديه هكذا، فإن مهنة الطب لديه هي «حياة كاملة تستوعب الإنسان وتطحنه، وتبتلعه في جوفها الهائل داخل حجرة العمليات، حيث يلتقي الموت بالحياة، وهي المهنة العظيمة القاسية، الرحيمة الجميلة، المرعبة الحانية، الباترة العجيبة».‏

إذاً، هو بالطبّ يشرِّح الجسد ليستخرج العلّة، وبالشعر يُشخِّصُها ومن ثمَّ يبحثُ عن سُبلِ منع انتقالها إلى جسدِ الإنسان والأمة.. يفعلُ ذلك، في الوقت الذي يشعر فيه بأنه من الصعوبة عليه أن يُشخِّص نفسه، وهو ما قال عنه رداً على سؤالنا عمن يكون، بإنسانيته وحرفه:‏

•• من الصعبِ أن يشخّص الانسان نفسه أو يسبر أغوارها، فمن اصطلى بنار الكتابة كمن أصيب بلعنة الفراعنة، فهو مطاردٌ بالبحث عن أجمل نصٍّ لم يولد بعد، ومطارد بالتناقض والانشطار والازدواج والفصام.‏

بدأت بالشعر تقليدياً في رثاء «العقاد» ثم تفعيلياً ثم نثرياً، ودوماً كنت أبحث عن المغاير لا كهدف أو غاية وإنما لشعوري، بأن على الشاعر أن تكون له بصمته، دون أن تُكرِّر أو تَتكرَّر..‏

أنا إنسان قبل كلِّ شيءٍ. لذا، لا أقول بنبوَّة المبدع وإن وجدت، فقط أقول بإنسانيته واستشرافاته وإشراقاته واختراقاته. بصدقه وبساطته ورقته وعنفوانه وبراكينه ومحيطاته وشواطئه حيث نص الحياة.. لا أقول بالوصاية وتقليم الأظافر وتحديد الإقامة، ولكن بخيالٍ ومجازٍ وفضاءٍ وتجاوزٍ وحضورٍ وقيامةٍ وبعثٍ ونشور.‏

• هكذا عرّف نفسه، وكطبيبٍ وشاعرٍ أعلن بأن طموحه، ورغم «الحصار وتكنولوجيا البثّ والخداع التي أنتجت خونة ورعاع»:‏

•• أن أكتب الطبيب متألقاً محارباً في جيش الإنسانية العظيم، ضد عدوٍّ ضئيل متوحش، خائن، جبان، يتسلَّل داخل الجسد ويستولي علي حصونه ودفاعاته.. عدوٌّ، يستخدم أسلحته الفتاكة لتتساقط الأجساد، وتتوقف القلوب، وتصمت الأدمغة، ولنقف عاجزين مكتوفي الأيدي والمشارط والأجهزة، ونستغرق في البكاء على المصير الانساني المُفجع.‏

طموحي أن أكتب الطبيب كما ذكرت، وأن أعيش الشاعر في بساطته ورقته وهشاشته وقوته واندفاعه وغضبه، وفي طيرانه المستحيل واختراقه الفذ، كأنه شعاع كوني تتبعُ بوصلته هدفاً خرافياً تشدّه وتلتهمه وتتمثَّله نصوصاً جميلة ولعينة وشقية..‏

• لاشكَّ أنه طموح، تفاقم في ظلِّ ما يحيط بمجتمعاتنا من ظلامٍ إنساني، وإرهابٍ إجرامي.. في ظلِّ ما نعيشهُ من أحقادٍ واقتتالاتٍ واعتداءاتٍ يرى بأن المسؤول عنها جميعها:‏

•• العدو الرئيسي الذي يخطط ويموَّل بسياسة النفَسِ الطويل، أمريكا والصهيونية العالمية متمثلة في إسرائيل.. بعدهما ومن صنعهما، نظام التعليم كله والبيوتات والأسر المتفسِّخة، والقنوات التليفزيونية ووسائل التواصل الإلكترونية، والإعلام والثقافة واتحادات الكتاب والجماعات والصالونات التي تعجُّ بفقه الصحراء الذي أفسدَ عقلية أبناء الأمة العربية والإسلامية.‏

• موضوعٌ، يقودنا إلى انعكاساتِ هذا الإفسادِ على الشرق الأوسط.. على مايحدثُ فيه ويعنينا، مثلما يعني الشاعر الذي يرى بأن علينا:‏

•• قراءة وثائق التاريخ، لنعرف أن ما يحدث ليس عشوائياً، وأن سايكس بيكو القديمة تتجدَّد حسب المتغيرات. أيضاً، إسرائيل والصهيونية العالمية، وبروتوكولات حكماء صهيون في القلب من سايكس بيكو الجديدة، بل هناك ما هو أكثر من التوسع الذي يراد لهُ أن يشمل كل أفريقيا.‏

علينا قراءة التاريخ ومعرفة أن هناك ردّة غيبية-غبية، وهجمة صحراوية نفطية قديمة-حديثة، إلى جانب الهجمات الاستعمارية المعاصرة، بدءً من عولمة الاقتصاد والثقافة، وتفتيت المجتمعات بالنعرات العرقية والطائفية والمذهبية، وافتعال الصراعات والحروب بواسطة المؤسسة الصناعية العسكرية الصهيونية، والشركات العابرة للقارات، وانتهاءً بحروبِ الجيل الرابع التي دخلت المخادع والأدمغة وحركتها كلعبٍ إلكترونية..‏

• نتوقف، لنأخذه بعيداً عن الواقع المخزي الذي شغلَ حوارنا، وإلى حيث بداياته، ومن ثمَّ قناعته:‏

•• كانت بداياتي قصصية، لكن قُرأتْ قصصي أشعاراً، وأشعاري قصصاً وحكايا.. انقطعتُ عن الكتابة لفتراتٍ عدت إليها بعدها. عدت وبدأت بطباعة «قلبي وأشواق الحصار» و«شتاء الأسئلة» و«سعفة من زمن جريح».. ثم، وبالتتالي «أنشودة الزان» و»خريف المرايا» و»رحيق الهباء» و»سرطان أليف» و «ماذا فعلت بنا يا مارك» وأخيراً «ربما في صباحٍ آخر»..‏

قدّمت كل ذلك على مدى رحلتي في عالمٍ، كلّما كنت أرى الجهل يتقدم فيه على العقل، وتتماهى مفاهيم التكفيريين مع مفاهيم كُثرٌ من المثقفين، كنت أقتنع بأنه لن تكون للمثقف مكانة أو اهتمام، وسيُعتبر المثقف العضوي والشاعر والمبدع الحقيقي، جسماً غريباً وعنصراً خطراً يجب محاصرته حتى لا يفضح أفكار التكفيريين والظلاميين، ومن يقودون مجتمعاتهم إلى هاوية المخطط الصهيوني-الاستعماري. ناهيك عما فعلته وتفعله العولمة في سعيها الدؤوب، لنمذجة الشعوب واصطناعها على هواها، لتدور في دائرتها بعد فقدان الهوية والقومية والانتماء..‏

• حتماً هو قولٌ يدفعنا لسؤاله، عما إذا كان من ذكرهم، هم من خاطبهم: «لكم دائرتكم المغلقة ودستوركم الخاص، كغجرٍ يعيشون بأطرافِ المدينة. كالسحرة والشحاذين واللصوص»، أم أنهم من قصدهم بقوله: «أنتم الجهابذة، التنويريون، الطليعيون»..‏

•• ما التشبيهات إلا لتجسيد حالاتِ الانغلاق والكنتونات واللوبيات وأصحاب البزنس الثقافي.. شبكاتٌ متداخلة وحلقات ودوائر محكمة ولا تمت للإبداع. ناهيك عن الانتحالات والاستنساخ والسرقة باسم التناص الذي يرتدي ثوب الرهبان والمشايخ والقساوسة الخ الخ.‏

يبدو بأنني قصدتهم كلّهم. فعندما تعمُّ الفوضى وتتداخل الأهواء وتتصادم، يتحول الجميع الى ثوار وخونة وشرفاء ولصوص، ونحن نرى كيف يُطلق الظلاميون كلابهم على الشرفاء من أدباء وشعراء ومفكرين، ومن هنا كان الخطاب للسخرية ورصد الحالة.‏

/لا انتظار لمن/ يعضّون الهواء/ في تراتيلِ حجر/ وجريرةِ صحراء/ يذبحون السطر والنحو والإملاء/..‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية