فالحدود الفاصلة بين الطرفين، غير مضبوطة ولا هي مؤطّرة بشكل واضح ودقيق.
هنا بالضبط تكمن لذّة الحالة..
يكفي مجرد عنوان لعمل مسرحي سوري يُحيل الذاكرة إلى عيشك لحظات شديدة الخصوصية.. تنفلش طوعاً من تلقاء نفسها.. إذ هكذا هي حالات اللاوعي.. تستدعي ذاتها بأسلس السبل.
مشروع «تغفيق» نتاج ورشة عمل لقسمي السينوغرافيا والتقنيات المسرحية.. ودون الخوض في تفاصيله الخاصة، وحدها ثيمة العنوان تبدو كفيلة بتحريض الذاكرة للعودة إلى مخدع حميمياتها.
يبدو الربط بين انفلاشات الوعي وبصريات عدّة حالة تستثير تداعيات تصل بنا إلى ما يمكن أن نطلق عليه «عصف ذهني لاواعي» أو بتعبير آخر هو عصف إبداعي من نوع خاص.. يتجاذبه الوعي واللاوعي.. في منطقة وسط.
بتعميم الحالة، البعض يصلها دون حاجة إلى بصريات مشاهَدة مباشرة..
هل جربتم الوقوف في منتصف الطريق بين وعي ولاوعي.. اختمار الإبداع حينها ينطلي على مشاهدات لربما فاقت الوصف ومدركات الإنسان.
ويعجبني ذاك الخطف الذي امتلكه تعبير «تغفيق».. وكيف يحيلنا إلى زوايانا الخاصة، إلى أركاننا القصيّة في انكشافات أرواحنا.
من أبرز ميزات علم الجمال وفنون الإبداع قدرتها على تظهير بذور تدفق جمالي لا حدّ له في أي منجز إنساني.. لربما، ولوهلة، قد لايسترعي الانتباه.. لكن حين نضع هذا المنجز في شرطه الإبداعي الصحيح أو حين ننظر إليه من خلف «نظارات» فنية خلاقة، حينها تستقيم رؤيتنا له بروح مستبصر براعم الجمال الدفينة ضمنه.
على هذه النحو يروق لي فهم مصطلح «تغفيق».. ويبدو أن ذوي العرض كان لهم نفس الرأي.. محاولين جرّه إلى منطقة اشتغال حواس المرء «ما بين الحلم والواقع».. يستثمرها من عرف كنهها، إبداعياً.
ببساطة.. يمكن أن نطلق عليها بعيداً عن توصيفات علم النفس وأثقال تعريفاته.. منطقة جنون الإبداع شديدة الخصوصية.
منطقة تخصيب الإبداع.. وتنفلش حيناً حتى يكاد المرء لا يدرك كيف يكتب.. من أين تنفجر كلماته.. يقارب ذلك حالة تملّكت يوماً فرجينيا وولف.. ومن كانوا إلى جانبها حين عرفوا «تيار الوعي».
بلذاذة، تسعفنا العربية بمرادف للـ(التغفيق) هو نوم الريم.
لعل عشوائيات ما نخزّنه بذاكرتنا يعود إلينا.. نسترجعه بهيئات عدّة.. تختلط.. تتمازج.. فتظهر إغفاءات شهية.. وقصيّة.. بالآن عينه.
ولعل الأمر أكثر غرابة من ذلك.. دون أن تقتصر على معشر الكتّاب المبدعين.. فتطوّق الناس العاديين بلفح امتزاج بين «الوعي» و»اللاوعي».. بأفضل طاقات الاستبصار.. وبالتالي القبض على بصيرة مهدورة ساعات التيقظ.
هنا.. لدى «تغفيق إغفاءة» منطلق ومتكأ.. لرصد تباشير حلمك.
lamisali25@yahoo.com