في مجتمع يحمل القيم الإنسانية وتسود فيه منظومة عادات وتقاليد وأعراف عربية أصيلة، كانت ولادة المطرب والملحن فوزي عليوي بالقرية التي تعتبر أولى قرى جبل العرب من ناحية «دمشق» وهي «الصورة الكبيرة» التابعة لمحافظة «السويداء»؛ حيث تفتحت عيناه على عيد الجلاء، جلاء المستعمر وتحرير البلاد من الاستعمار الفرنسي عام 1946 إذ عرفت قريته بالصمود والمقاومة، ولها تاريخ مجيد في التصدي للعدوان، لأن موقعها ساعد الثوار والأحرار على مقاومة الأعداء.
فقد تابع فوزي عليوي دراسته في المرحلة الابتدائية في مركز المحافظة «السويداء» عام 1958 ولكن الظروف حالت دون متابعته الدراسة لمدة عامين، وبعدها دعاه شقيقه الأكبر الذي كان يعمل في «دمشق» -وهو متزوج- إلى دمشق حتى تمكن من إتمام المراحل الدراسية، وفعلاً درس الإعدادية، وبدأت هوايته الفنية تنتعش لأن حلمه أن يكون عازفاً على آلة العود ومطرباً. ومن خلال عمله المؤقت في محل لبيع الأزهار «محلات أدريس» بمنطقة الصالحية، تعرف على مقر المعهد الموسيقي الشرقي في بوابة الصالحية، ومنذ أن انتسب إليه بدأ مشواره الفني، إذ بعد دخوله المعهد بدأ بدراسة النوتة والصولفيج الغنائي والعزف على آلة العود، وكان يومها مدير المعهد الأستاذ «محمد النحاس».
تابع الدراسة لثلاثة أعوام متتالية طالباً يتلقى الدروس على أيدي أساتذة متخصصين في النوتة، منهم الفنان الكبير «ميشيل عوض». شارك في حفلات المعهد بادئاً به منذ عام 1968، وعندما طلب منه مدير المعهد الموسيقي آنذاك الذهاب للإذاعة لتقديم بعض الأغنيات في برنامج نادي الهواة لم يتردد، تقدم للبرنامج وحصل على إعجاب معد البرنامج المذيع الأستاذ «فؤاد شحادة»؛ حيث قدمه بأغنية «يا خوفي بعدو ليطول إضافة إلى الموال» للموسيقار الخالد «فريد الأطرش». بعد غنائه قال له: «أنت موهوب وتستحق الاهتمام».
وبالفعل قدمه أكثر من مرة عبر الإذاعة الدمشقية كهاوٍ، ثم تعرف على رئيس قسم الموسيقا الموسيقي الشهير «يحيى السعودي» حيث طلب منه غناء موال «لما نويت على السفر» وذلك بحضور عدد من أعضاء اللجنة الفنية ومن بينهم المطرب الراحل «رفيق شكري»، و»تحسين جبري»، ورئيس فرقة الموسيقا في الإذاعة الموسيقي «تيسير عقيل» حيث كانت لحظات عصيبة لأنه يمثل أمام لجنة فنية قديرة، فقد مثل أمامها كبار المطربين السوريين الذين أصبحوا نجوماً. وبعد أن أدى الأغنية والموال دون نشاز رأى الإعجاب يظهر على وجوه أعضاء اللجنة، ما زاد إعجابهم به بعد أن طلب آلة العود وعزف على أوتاره مرافقاً للغناء بأغنية «الربيع» التي طلبها أحد أعضاء اللجنة. عندها خاطبه الموسيقار «يحيى السعودي»: «أنت يا بني تحمل صوتاً جيداً ونحن بحاجة إليك في الإذاعة»، ومنذ ذلك الحين دخل مع مجموعة من المطربين المعروفين «ياسين محمود، فتى دمشق، مصطفى نصري، كروان، معن دندشي، نهاد عرنوق»، وغيرهم الكثير.
وفي ربيع عام 1972 العام الذي يحمل منه ذكرى عطرة في حياته؛ حيث تم لقاؤه مع الموسيقار الخالد «فريد الأطرش» في فندق «برستول بيروت» وبعد أن استمع إلى صوته، طلب منه أن يسجل له بعض الأغاني التراثية من محافظة «السويداء»، ومن أغانيه أيضاً. وعلى الفور وبفترة زمنية قصيرة سجل له كاسيتاً بصوته يضم فيه الأغاني: «خاتم حبيبي، لكتب ورق وارسلك، وياك، جميل جمال، الربيع، لا وعينيكي». وبعد أن تناولا الغداء في منزله بمنطقة «اللويزة» في «بيروت» سلمه نسخة الكاسيت الذي احتفظ به في منزله. وفيما بعد اعتبر الكثيرون من الأصدقاء بأن «الموسيقار فريد الأطرش» قد سجل هذا الشريط في سهرة خاصة له، وبعد أن استمع إلى صوته قدم لي نصيحة قائلاً له: «عليك الاهتمام بالعزف على آلة العود، والاهتمام بصوتك الغنائي لأنه يحمل مقومات غنائية جميلة».
وفي خريف عام 1972 أقام الموسيقار فريد الأطرش حفلاً فنياً ساهراً في ملعب العباسيين بدمشق الذي غص بآلاف الحضور المعبرين عن حبهم وإعجابهم بفنه وأغانيه، حيث جعل ريع تلك الحفلة للشعب العربي الفلسطيني المقاوم للاحتلال، الأمر الذي دفعه للذهاب إلى مقره في فندق «أمية» كي يلتقيه مجدداً عندها طلب منه المشاركة بالكورس، وردد معه أغنيته «سنة وسنتين». وفي عام 1974 تم تصنيفه كمطربٍ في الإذاعة من خلال تسجيله لأغنيتين تراثيتين وهما «خاتم حبيبي، وأنت المدى». وفي آذار عام 1975 قدمت الإذاعة السورية مسلسلاً إذاعياً عن حياة الموسيقار الخالد «فريد الأطرش» والذي جاء بعد وفاته بأشهر؛ حيث تم اختياره لتقديم دوره بعزف وغناء، وقد برهن عن نجاحه من خلال الرسائل الواردة لبريد الإذاعة وهو المؤلف من ستة وعشرين حلقة إذاعية، حيث أعده وأخرجه الأستاذان «نذير عقيل، و»علي القاسم».
وفي عام 1977 وبعد أن تم تصنيفه كملحن ومن خلال نشاطه الفني كمدرس لآلة العود، قام بتدريب العديد من الدورات الـتأهيلية في الشبيبة، وقدم مقترحاً بإقامة معهد موسيقي للشبيبة لتدريس كافة الآلات الموسيقية. وبعد الموافقة تم إحداث أول معهد موسيقي للشبيبة مع بداية عام 1978 وأصبح معهداً معروفاً وهو يخّرج في كل عام أعداداً كبيرة من محبي الموسيقا والغناء. وفي العام نفسه كلف بتقديم أربعة أناشيد وطنية من كلمات الشاعر «صالح هواري، وجادو نصر» وهم «نحن أجيال الشبيبة، ويا موطن الفدا، والشباب للوطن، وربعنا كلهم نشاما» بالإضافة إلى حفلات فنية قدمها بالمشاركة مع كبار الفنانين في سورية وخارجها أمثال مطرب الرجولة الراحل «فهد بلان». وبعد الأناشيد التي لحنها، قدم للإذاعة من ألحانه وغنائه باقة من الأغاني منها «وأنا لروح شميل، ولكتب ورق وارسلك، ويا عين ميلي على ميالك»، ومن القصائد «لا تناديني، وطير الهوى»، ومن الأغاني العاطفية «فتحت عيوني وحبيتك، وطولت الغيبة علينا».
وفي صيف عام 1979 سافر إلى «بغداد» لتقديم بعض أغنياته للإذاعة والتلفزيون العراقي والتي سجلها هناك وصور ثلاثة منها في استديوهات «بغداد»، مع تسع أغنيات ذات الإنتاج المتوافر، وأجرى مقابلات عديدة إذاعية وتلفزيونية كبرنامج «سهرة مع فنان» وغيره».
لمحة توثيقية:
هو عضو في نقابة الفنانين السوريين منذ عام 1974 ومن عداد الملحنين والمطربين والعازفين لآلة العود حصراً، استطاع أن يضع منهاجاً تدريسياً للتعلم على آلة العود.
وفي الأعوام 1989- 1996 شغل منصب معاونٍ لرئيس دائرة الموسيقا في الإذاعة السورية، وأعد برامج إذاعية منها «أنغام شعبية، ومن التراث الشعبي» ما بين عام 1990، و1992 إضافة إلى برنامج الهواة، وعمل عضواً للجنة الاستماع في الإذاعة.
شارك في تحكيم العديد من المهرجانات الفنية، وحصل على جوائز عديدة وشهادات تقدير وميداليات. تم تكريمه بصحبة الفنانين المبدعين عام 2003، غنى للوطن: «هل هلالك، ونيالك يا سنين، وربعنا كلهم نشاما»، كما أضاف إلى المكتبة العربية من ألحانه عدداً من القصائد العاطفية والوطنية من كلمات الشاعر «صالح هواري» مثل: «طير الهوى، إلى حبيبك عودي، لا تناديني، فلسطين فوق الحصار، ويا عزة الوطن، ويا موطن الفدا»، وكذلك من كلمات الدكتور «صابر فلحوط»: «تشرين الكرامة، وعرس الجلاء» وللشعراء «عيسى فضة»، و«عصام جنيد» وغيرهم. كما تعاون مع عدد من الشعراء والملحنين من لبنان مثل: «بين كروم المحبة» من كلمات «ميشيل طعمة»، و»بين التلة والوادي» من كلمات «عبد الجليل وهبة»، وكذلك «طولت الغيبة علينا» من كلمات «شفيق المغربي»، لحّن لعدد من المطربين السوريين.
ماذا أقول له بعد نصف عقد وهو يغني /وأنا لروح شميل، إلى حبيبك عودي، آه من عينيك ما أحلاهما، صوت المهابيج/ لقد تغيرت النغمات وبات السلب والنهب والسرقة والخطف والترهل في منظومة القيم الفنية تسترعي العيون والاندهاش دون وجل..