أو النأي بالنفس عنه، أصبح لزاماً علينا السعي الحثيث لتنمية لغتنا العربية، وزيادة ثروتها اللفظية، وتجديد أساليب التعبير البياني والعلمي فيها، كونها المعبر البياني، والحامل اللساني لشتى ميادين العلم والطب والمعرفة والاقتصاد والأدب.
وبناءً على ما سبق، وتأكيداً على أهمية مواكبة اللغة العربية لمتطلبات التقدم العلمي وجنون التقانة في العصر الحديث جاء هذا الكتيب المعنون بـ (التنمية اللغوية طريق إلى المعاصرة) تأليف: د. ممدوح محمد خسارة، والصادر ضمن سلسلة «قضايا لغوية» عن الهيئة العامة السورية للكتاب.
أهمية اللغة
افتتح الكاتب مؤلَفه بالحديث عن اللغة العربية وأهميتها ودورها الحضاري في حياتنا نحن العرب إذ وجد فيها أنها المقوم الوحيد الذي ما زال صامداً من بين سائر مقومات عروبتنا الأخرى، وعليه فإن من حقها علينا أن نحافظ عليها لأن ضياعها يعني ضياع عروبتنا التي نؤمن بها؛ والمحافظة على العربية من وجهة نظر المؤلف لا تعني مجرد حبها والاعتزاز بها، بل تعني بالمقام الأول تنميتها لتكون قادرة على التعبير عن متطلبات الحياة الحديثة ومستجداتها المادية والفكرية.
كتيب (التنمية اللغوية طريق إلى المعاصرة) يأتي في فصلين جاء الفصل الأول منهما تحت عنوان «التنمية اللغوية: مفهومها وأهدافها»؛ بدأه الكاتب بتعريف مفهوم التنمية اللغوية: لغةً واصطلاحاً، مشيراً إلى أن هذه العبارة الاصطلاحية – التنمية اللغوية – تعني شيئين:
أولهما، زيادة الثروة اللفظية ومخزونات المفردات والكلمات وفق أصول العربية وضوابطها،
وثانيهما، تطوير أساليب التعبير والتواصل في العربية بالانفتاح على أساليب التعبير التي يبتكرها الشعراء والأدباء والنقاد والفنانون والمختصون العلميون والمترجمون والإعلاميون.
أهداف التنمية اللغوية
بعدها عرج المؤلف للحديث عن أهداف التنمية اللغوية ودوافعها ذاكراً إلى أن ما يدعو إلى هذه التنمية أمور أهمها:
- مواكبة العربية لمتطلبات العصر الحديث.
- تطوير المعجم العربي المعاصر وتحديثه كون المعاجم العربية مغرقة في القدامة، لا تسعف القارئ من الناطقين بالعربية وبغيرها، وعليه فإن أهم ما تحتاج إليه معجماتنا المعاصرة كما ورد في هذا الكتيب ما يلي:
- استيفاء الكَلِم الجديد المتداول
- إكمال المواد اللغوية وقبول الجديد من الكلمة
- مَعجَمة العبارات الاصطلاحية
- تحديث المعجم العربي
- تعريب العلوم وتوطين المعرفة.
وهنا يرى المؤلف أننا أمام خيارين للاستفادة من العلم الحديث وتقاناته كوننا وجدنا في عصر نتلقى فيه العلوم والمعارف بحكم أن غيرنا قد سبقنا في هذه الميادين وفاقنا بأشواط؛
يتمحور الخيار الأول حول فكرة أن نأخذ هذا العلم بلغة أهله الأجنبية وأن نعاني من التبعات المترتبة عن ذلك،
أما الثاني فيتجسد في تعريب المعارف والعلوم وتقاناتها ونقلها إلى العربية.
والأمة العربية ممثلة بطلائعها المتنورة والتقدمية كان أن اختارت طريق التعريب تجسيداً لديمقراطية التعليم وشعبيته، فقام المختصون العلميون في جامعاتنا ومجامعنا بمعونة اللغويين في وضع مئات الآلاف من المصطلحات العربية المقابلة لمثيلاتها الأجنبية.
- تطوير لغة عربية علمية تساهم في تطوير الأسلوب العلمي في كتابة المؤلفات العلمية العربية عبر تحسين طرائق تعليم اللغة العربية ولا سيما لطلبة العلوم، وإغناء العربية بالمفردات التي أفرزتها الحياة المعاصرة من الكلمات المولّدة الصحيحة، وتدريس مناهج البحث العلمي ومصادره من معجمات لغوية ومتخصصة وموسوعات علمية.
- جعل اللغة العربية عالمية من خلال أمرين اثنين:
أولهما، حوسبة العربية بالإفادة من أنظمة المعلوماتية والحواسيب والشابكة في درسها وتعلمها.
وثانيهما، رَقمَنة المنجز الثقافي والعلمي العربي، بالإفادة من الشابكة في حفظ المصنفات والكتب والدوريات من كل العصور وفي مختلف فروع العلم والمعرفة فيها.
وأفرد د. ممدوح خسارة الفصل الثاني في مؤلَفه للحديث عن طرائق التنمية اللغوية ووسائلها، معرفاً إياها بأنها زيادة الثروة اللفظية والتعبيرية للغة، بما يبتكره أبناؤها من كلمات لم تكن قد استعملت فيها، أو بما ينوعونه من دلالات كلمات لم تكن لها، ثم بما يقترضونه من اللغات الأخرى من مفردات وكل ذلك بما لا يخالف أصلاً لغوياً ثابتاً.
طرائق التنمية
ثم ينتقل بنا المؤلف للحديث عن طرائق التنمية اللغوية بادئاً بالطريقة الأولى وهي التوليد اللغوي، فيشرع في الحديث عن حد التوليد اللغوي ومفهومه وما وجه إليه من إساءات؛ إذ إن بعضهم خلطه مع مدلول العامي والمعرب والدخيل، في حين أن البعض الآخر نبذه فوضعه في مكانة متدنية من الكلم العربي معرجاً على الحديث عن طريقتي التوليد اللغوي وركنيه الأساسين وهما الاشتقاق بشقيه الصرفي، واللغوي بأنواعه الأربعة: (الإبدال، والقلب، والنحت، والإلحاق) ذاهباً إلى أن باب الاشتقاق عند العرب أوسع من أن يضيق فهم ما احتاجوا إلى لفظ إلا اشتقوا له من لفظ ما وعلى وجه ما. والمجاز وهو الطريقة الثانية من طريقتي التوليد اللغوي ويعني إعطاء الكلمة العربية القديمة دلالة جديدة لم تكن لها من قبل مدللاً على كل ما ذهب إليه بالشواهد الواضحة والأمثلة الدامغة.
وبعدها يعود بنا المؤلف للحديث عن الطريقة الثانية من طرائق التنمية اللغوية وهي الاقتراض اللغوي فيرى أن التقارض بين اللغات ظاهرة عامة فيها جميعاً وهي على نوعين:
المعرب: وهو كل كلمة دخلت العربية على أن تكون خاضعة لمقاييس العربية وأبنيتها وحروفها.
والدخيل: وهو كل كلمة دخلت العربية من دون أن تخضع لمقاييس العربية وأبنيتها وحروفها، مشيراً إلى مكانة التعريب اللفظي في التنمية اللغوية، ومنهجيته التي تستند إلى ركنين أساسيين هما: التزام الحروف العربية، والتزام البنية الصرفية للعربية. وفي ختام بحثه لم ينسَ المؤلف أن يذكر مخاطر الاقتراض اللغوي، وأكثرها إقلاقاً هو الخوف من تغير العربية وتحولها إلى لغة أخرى.
بقي أن نشير إلى أن هذا الكتيب يقع في 103 صفحات من القطع المتوسط.