تحدث الدكتور صلاح فضل في البداية ورأى أن تكريم العجيلي ضرورة وان جاءت متأخرة قليلاً, وكنا نود ان نكرمه وهو في عنفوانه وهو بيننا وكان علينا الا ننتظر حتى اليوم, ومع ذلك فان تكريم المبدعين هو ابراز لأهم ما في الثقافة وتجلية للرموز التي تصنعها لنا, من استماع الى نبض قلوب امتنا في اعمالهم وابداعاتهم, ونحن لا نكرمهم اشخاصاً, وانما نكرم ما يمثلونه بالنسبة لنا من العقل الذي نفكر به والقلب الذي نشعر به والوجدان الذي نستضيء به , ونحن نوجز كل ذلك في اسم العجيلي, نحترم انسانيتنا وتاريخنا وانجازنا ونتعرف عليه في قسمات ابداع كبار الخلاقين من كتابنا .
وعاد العجيلي الى مدينته الصغيرة ليبادلها العشق والعطاء, وهو بذلك لا يرد الوفاء بالوفاء فحسب ولكن يمد خارطة الوعي العربي الى المدن الصغيرة والبادية والريف لأن وعينا يتقلص وينحصر كلما تمركزنا في زاوية واحدة.
لقد جعل من الرقة احدى عواصم الرواية العربية, من هنا فالاحتفال بالعجيلي يعتبر احتفالاً بالرواية العربية التي تخمرت وتجذرت هنا ودخل انسانها تاريخ الابداع في قلم العجيلي, وهذه الخبرة والتواصل الحميم بالبشر وبالارض وبرائحة الماء والتراب والانسان لا يحيله الى كاتب محلي معزول عن غيره, فابداع ,العجيلي ابداع انسان شامل عرف كيف يكسر جدار العزلة اكثر من بعض من يقيمون في العواصم الكبرى, فرحلاته المادية والحسية التي قام بها في تجوالاته العريضة كانت اجنحته في العبور الى الانسانية, فاخلاصه العميق للفن وتلك الثقافة الواسعة ذات البطانة الدافئة والوعي بثقافة الآخرين واروع ما انتجته عقولهم من فن تشكيلي ونحت وابداع وكتب كانت الاجنحة التي طار بها ادبه ليعانق الادب الانساني.
العجيلي اصبح بالفعل كما اخترتم بتوفيق بديع ايقونة لا للرقة فحسب ولا للرواية فحسب بل لارواء الانسان الذي جعل من مدينته نموذجا نضرا يحتوي كل ثقافات العالم .
النقد الخاص بالعجيلي
تناول الدكتور عبد الله ابو هيف( النقد الخاص بعبد السلام العجيلي) مقررا ان ما كتب عن العجيلي حتى الآن لا يرقى الى مكانته الابداعية والفكرية العالية, وان النقد الخاص به ارتهن للادلجة غالبا في المرحلة الاولى التي استمرت حتى ثمانينات القرن العشرين, بينما تطورت الكتابة النقدية حول ابداعه في المرحلة الثانية منذ عام 1990 وحتى الآن.
ويوضح بأن بدايات النقد حول الادب عامة,والعجيلي خاصة حتى نهاية الستينات لا تخرج عن المرجعات والانطباعات, باستثناء ما كتبه عدنان بن ذريل في كتابه( ادب القصة في سورية 1962) وقد اعطى للعجيلي مساحة وافرة في كتابه .
ثم استعرض الكاتب نماذج من الكتابات الانطباعية التي يغلب عليها اسلوب المراجعة الصحفية او النقدية, مثل كتاب صلاح دهني( القصة في سورية وفي العالم), ومثل كتاب سامي الكيالي ( الادب المعاصر في سورية 1968), ومثل كتاب (فنون الادب المعاصر في سورية 1870-1970), وكلها توقفت عند العجيلي ولكن بعجالة, وبأحكام عامة وغير معللة غالبا .
العجيلي روائياً
يتحدث ياسين رفاعية عن الفروق بين القصة القصيرة والرواية, ويتساءل عما اذا كان عبد السلام العجيلي قاصا ام روائىا? وقد اجل الاجابة عن هذا السؤال متحدثا عن العجيلي الانسان, والعجيلي العروبي, والعجيلي الوطني, والعجيلي الذي يحول حتى محاضرته الى حكايات وقصص.. ويقول: انه امير القصة القصيرة, فقد خلق الرجل كاتب قصة من طراز رفيع, وكل قصة يكتبها تترك في النفس ابلغ الاثر, وهي متماسكة شكلاً ومضمونا ولغة..
والقصة القصيرة تمرين على الرواية, فهي تعلم الكاتب الاختزال, كما تعلمه ضبط الزمن, وهذه قضية مهمة انتبه لها العجيلي, فقد كان يطور القصة من القصيرة الى الاطول قليلا الى القصة الطويلة, ثم اخيرا الى الرواية, وهذا واضح من مجموعته ( رصيف العذراء السوداء) التي ضمت ثلاث قصص طويلة, وقد صنفت (صيف العذراء السوداء) على انها رواية قصيرة,وليست قصة طويلة,وانا احب الروايات الممسوكة جيداً, لأن الرواية في الثرثرة التي لا طائل منها تترهل وتنفلت بحيث تضيع الفكرة التي يريد الكاتب التعبير عنها وهذا ما ادركه العجيلي فظلت رواياته معتدلة في الحجم فلم تتجاوز اطول رواية ال 250 صفحة.