تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


بعد تحول منطقة التجارة الحرة إلى أمر واقع…لماذا لا ننعش حلم السوق العربية المشتركة والعملة الموحدة?

شؤون اقتصادية
الثلاثاء 13/12/2005م
مروان دراج

مع وصول اتفاقات منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى إلى مرحلة الصفر لجهة الرسوم والضرائب المحققة على السلع والمنتجات,

فهذا يعني أن العرب وفي تاريخهم الحديث تمكنوا ولأول مرة من إنجاز خطوة اقتصادية لا يستهان بها.‏

فاليوم أصبحت التجارة العربية البينية مختلفة وإلى حد كبير عما كانت عليه الأوضاع قبل سنوات, حيث بات من الطبيعي أن تنتقل السلع والمنتجات من دول عربية إلى أخرى دون مواجهة صعوبات أو عراقيل..‏

ولما كانت مثل هذه النتائج تعتبر نوعية وتجسد تطلعات طال انتظارها, فإنه من الطبيعي السؤال اليوم.. ولكن ماذا عن السوق العربية المشتركة التي لطالما تحدث عنها الاعلام العربي على مدار العقود الماضية..‏

والأهم من هذا وذاك, ألم يحن الوقت وتنضج الظروف الذاتية والموضوعية من أجل ترجمة حلم السوق العربية إلى واقع مشخص?! بغض النظر عن العلاقات السياسية المتردية بين بعض البلدان العربية, والتبدلات التي شهدتها بعض هذه البلدان في أعقاب الاحتلال الأميركي للعراق. فإن الظروف الاقتصادية التي تشهدها البلدان العربية من شأنها الاسهام في تبديد الكثير من الخلافات السياسية فيما لو كانت النوايا العربية الرسمية حسنة لمواجهة الكثير من التحديات والاستحقاقات.‏

ومثلما ذكرنا, فإن اتفاقات منطقة التجارة الحرة, قد تشكل في الوقت الحاضر منطلقاً للبدء في اعداد البنية الصحيحة والسليمة للسوق العربية المشتركة, وخاصة أن الكثير من المتغيرات السياسية والاقتصادية التي خيمت على المنطقة في السنوات الأخيرة تشير إلى حضور (سيناريوهات) ترمي في بعض جوانبها إلى إعادة نهب الثروات الطبيعية العربية بطرق وأساليب مختلفة عن آليات الاستعمار القديم.‏

كما أنه وفي ظل هذا التنامي غير العادي لتوسيع دائرة النفوذ الأميركي في الوطن العربي فإنه من غير المستبعد أن تبدأ إسرائيل في انعاش الكثير من المشروعات الاقتصادية التي سبق الترويج لها قبل سنوات ولم تلق الظروف الذاتية والموضوعية للعمل بها.والممثل بعضها بمشروع الشرق أوسطية الذي يسعى ومن خلال دعم أميركي لا محدود إلى جعل تل أبيب, هي المحور في أي عمل عربي مشترك.وهذا يعني وعلى المستوى الاستراتيجي, منع ولادة أي تكتل اقتصادي عربي فمشروع الشرق أوسطية ومثلما حدد أبجدياته الأولى رئيس الوزراء السابق شمعون بيريز, يقول وبلغة لا ينقصها الوضوح أنه لا مجال لنشوء أي تكتل اقتصادي عربي, إلا تحت مظلة وهيمنة أميركية -إسرائيلية, بغية إلغاء الخصوصية العربية وتفتيت أي عمل عربي مشترك.‏

ولعل الاعتقاد السائد من جانب شريحة واسعة من السياسيين والاقتصاديين العرب وعلى المستوى الرسمي وغير الرسمي, أن الظروف السياسية الراهنة والممثلة بالتحديات التي تفرضها الكثير من الدول الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية, باتت تستوجب من العرب السعي من أجل ولادة تكتل اقتصادي عربي موحد لمواجهة كافة (السيناريوهات) المحتملة.‏

ذلك أن الولايات المتحدة لا تستهدف اليوم العراق وسورية ولبنان وحسب, وإنما هي تتطلع إلى أبعد من ذلك بكثير, فليس هناك من بلد عربي سيكون بمنأى عن الأطماع الأجنبية..‏

وما تشهده المنطقة -كما ذكرنا- من تحولات غير مسبوقة, يفترض أن يشكل حافزاً لصوغ سياسات اقتصادية جديدة تقوم على مفهوم التكامل, فقبل سنوات عقدت الكثير من المؤتمرات والقمم العربية التي دعت إلى ضرورة انعاش السوق العربية المشتركة.‏

وإذا كانت تلك الدعوات بقيت مجرد حبر على ورق في ذلك الوقت, فإن الاعتقاد السائد اليوم, بأنه حان الوقت لتحويل تلك الدعوات إلى واقع مشخص, وقد لا يضير العرب اليوم الأخذ بالدعوة التي اطلقتها سورية غير مرة في السنوات الأخيرة من القرن الماضي, والتي تتمثل بإقامة مؤتمر اقتصادي عربي, تتمثل فيه البلدان العربية حصراً وليس بمؤتمرات مشابهة للتي أقيمت في بعض العواصم العربية على خلفيات سياسية قبل نحو عقد من الزمن.‏

فهذا المؤتمر يمكن اليوم أن يشكل حجر الأساس للبحث في الصيغ والشروط الواقعية التي من شأنها تجسيد السوق العربية المشتركة إلى حقيقة, بعيداً عن الشعارات والأمنيات القريبة من الأحلام.‏

خاصة وأن بعض العرب باتوا يدركون أن الشروط الموضوعية والاقتصادية العربية من حيث تشابه التشريعات والقوانين المعمول بها, أو من حيث الامكانات والثروات, بمقدورها أن تشكل متراساً اقتصادياً مهماً على ساحة العالم.‏

ذلك أنه وبالإضافة إلى التغيرات السياسية الأخيرة أو التي أعقبت احتلال العراق, فإن الاقتصادات العربية باتت محاطة بظروف دولية, تفرض عليها البحث عن مكانة توفر لها شكلاً من أشكال التكتل الاقتصادي.‏

فالعالم كله يبذل جهده للارتقاء بسلاح الاقتصاد, وهو الأمضى والأكثر فاعلية بعد انهيار الحرب الباردة, فهذه هي أوروبا باتت موحدة اقتصادياً وتجمعها عملة واحدة بدلاً من عدة عملات.‏

وهاهي أيضاً الولايات المتحدة الأميركية ومعها كندا والمكسيك تشكل تكتلاً مماثلاً, وهذه أيضاً دول النمور في جنوب شرق آسيا تستعيد عافيتها بعد العاصفة الاقتصادية التي واجهتها قبل سنوات, والصين بدورها قد تتحول إلى تنين اقتصادي يحسب له ألف حساب.‏

والمفارقة هنا, أن كل هذا يحدث وبعض العرب تأخذه الحسابات الصغيرة التي تحاول الفصل بين السياسة والاقتصاد, أو الحسابات التي تتلفع خلف مبدأ القطرية وتباين الثروات وعدد السكان واختلاف الهويات الاقتصادية بين هذا القطر أو ذاك..‏

ومفهوم القطرية الذي يكرس القطيعة والتجزئة الاقتصادية والسياسية ويجسد بذات الوقت التبعية, ماذا كان حصاده سوى اقتصادات عربية متعثرة ومأزومة ولا تستطيع الوقوف على قدميها رغم كل الثروات الضخمة التي تمتلكها بعض البلدان العربية.‏

فرغم تباهي هذه الدولة أو تلك بما حققته من قفزات على المستوى المعيشي القطري أو على المستوى التعليمي والصحي أو حتى الزراعي, رغم كل هذه الحقائق, فالاحصائيات العربية الرسمية تقدم أرقاماً مذهلة ومثيرة للدهشة, فالناتج المحلي للدول العربية كلها يصل إلى نحو (600) مليار دولار.‏

وهو بذلك يصل بنحو (15) بالمئة عن ناتج دولة أوروبية صغيرة مثل اسبانيا, والتي لا يتجاوز عدد سكانها (39) مليون نسمة, بينما وصل عدد سكان الوطن العربي إلى نحو (280) مليون نسمة, ويجب أن لا يغيب عن الأذهان أيضاً, أن الوطن العربي يمثل نحو عشر مساحة العالم, ويعيش فيه (4,3) بالمئة من سكانه.‏

نعود ونسأل.. هل السوق العربية المشتركة فكرة طوباوية بعيدة عن التحقق إلى واقع, أم ثمة بذور صالحة للزراعة وهي فقط بحاجة إلى أرض خصبة ومناخ مناسب?!‏

إلى جانب ما سبق وأتينا على ذكره لجهة ولادة منطقة التجارة الحرة وتحويلها إلى أمر واقع في الوطن العربي, وتنامي التجارة البينية وارتفاع وتائرها كنتيجة لاتفاقات هذه المنطقة, فإن الوطن العربي الكبير, فيما لو أخذ بالسوق العربية المشتركة كخطوة أولى نحو التكتل الاقتصادي العربي, وكخيار لا مهرب منه لحماية اقتصاداته من التكتلات المحيطة به, فهو بمقدوره المضي وبخطوات جبارة وسريعة على هذه الطريق, نظراً لتوفر كافة المقومات والشروط التي تفتح له الأبواب على مصراعيها, فالثروات الزراعية وإنتاج المحاصيل الاستراتيجية, باتت متوفرة في غالبية البلدان العربية.بل حقق البعض مثل سورية وفرة كبيرة دفعته إلى تصدير الفائض للأسواق الخارجية بدءاً من الحبوب وليس انتهاء بالأقطان والزيتون.‏

كما ويتعين عدم تجاهل حقيقة هي على درجة عالية من الأهمية, فعلى سبيل المثال لا الحصر, يتوسط العالم العربي عدد من القارات ويحتوي على مخزون مهم من الموارد الاستراتيجية التي تشكل العصب الأبرز في التحكم ببلدان صناعية غربية تقوم في اعتمادها الكلي على الطاقة التي تختزنها الأراضي العربية وبكميات ضخمة لا يتوقع لغالبيتها النضوب في وقت قريب.‏

ولهذه الأسباب وسواها كان الاحتلال الأميركي للعراق, وأيضاً لذات الأسباب كان الوطن العربي وما زال محط أنظار الاحتكارات الدولية الباحثة عن أسواق لترويج منتجاتها أولاً وللاستثمار فيها ثانياً..‏

ولعل وجه المفارقة في هذا الكلام, أن البعض من العرب ما زال لا يأخذ بمثل هذه الحقائق التي باتت أكثر من واضحة في السنوات الأخيرة.‏

بل إن هذا البعض لا يسعى حتى لاستقدام الرساميل العربية المهاجرة وتوظيفها في مشاريع عربية من شأنها ليس رفع وتائر التنمية وحسب وإنما خلق الملايين من فرص العمل للذين يواجهون البطالة ومخاطرها الاجتماعية.‏

فالرساميل العربية المهاجرة تقدر اليوم بنحو (1200) مليار دولار وهذا الرقم الذي يبدو خيالياً أو فلكياً بعض الشيء يسهم بطريقة أو بأخرى في تحسين مستويات المعيشة في الغرب.‏

وفي مواجهة مثل هذه المفارقات الموجعة, وتبدل معايير الصراع العالمية وبروز كيانات اقتصادية عملاقة, ليس هناك من خيار سوى بيقظة عربية اقتصادية شاملة, وهذا الخيار سيبقى ينحصر اليوم وغداً بسوق عربية مشتركة تؤدي ليس فقط إلى تكتل اقتصادي حقيقي وإنما أيضاً إلى ولادة عملة عربية موحدة سبق أن طرحها العرب للنقاش ممثلة ب (الدينار العربي) منذ أواسط خمسينيات القرن الماضي..‏

الزمن يمضي وليس من خيار سوى العمل من أجل حماية الاقتصادات العربية من حيتان اقتصادية لم تعد تفهم معنى الشبع!‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية