تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


ألفريد فرج: الإيمان بدور الفرد في التغيير والتطوير

ملحق ثقافي
13/12/2005م
عبـد الناصـر حسـو

المثقف التنويري يعد فرج نموذجاً نادراً من المثقفين التنويريين العرب في النصف الثاني من القرن العشرين،

و واحد من أهم كتاب المسرح المعاصرين في المسرح العربي، بدأ الكتابة للمسرح في منتصف الخمسينات بمسرحية "صوت مصر"، وقد عالج خلال مسيرته الإبداعية مواضيع عديدة ومختلفة في المسرح، فكتب التراجيديا والكوميديا، والمسرحية الاجتماعية والسياسية (سليمان الحلبي)، والوثائقية "النار والزيتون"، وكان يعرض في مختلف كتاباته القضايا الفكرية والسياسية والاجتماعية التي تعيق طريق التطور والتقدم داخل المجتمع العربي، وناقش المفاهيم التي تدور حول العدل المطلق والحرية والسلام، أدخل الصبغة الملحمية على مسرحياته التي ضمنها طرحاً لقضايا الهوية القومية والوطنية والإيمان بدور الفرد في التغيير والتطوير. مهمة الكاتب تكمن في انقلاب المفاهيم والقيم المغلوطة بين مرحلتين انتقاليتين، وهذا بالضرورة ما يؤدي إلى تشوهات اجتماعية ونفسية وفكرية، ورجل المسرح المسكون بالهاجس الوطني والهم القومي والإنساني، يعيد ترتيب هذه القيم والمفاهيم من وجهة نظره إلى مسارها، ويطرح أسئلة على أجوبة يريد تسليط الضوء عليها. عاش ألفريد فرج وجيله من الكتاب والمفكرين، مرحلة التحولات الكبرى في مصر، حيث مروا بمراحل انتقالية متعددة، من مرحلة الحكم الاستعماري المباشر وحقوق الملكية الوراثية، إلى مرحلة الجمهورية والتحرر الوطني بمفاهيمها الجديدة ونبذ العادات غير المستحبة، ثم إلى مرحلة الانفتاح في السبعينات التي أوصلت مصر إلى "كامب ديفيد". العدل/ الحرية وجسّد فرج في أعماله الإبداعية كافة تجليات هذه المراحل الانتقالية التي خلفت الكثير من القضايا المثيرة للجدل، وطرح من خلالها فكرة العدل ( في نهاية مسرحية الزير سالم بعد أن تولى ابن كليب مهمة الثأر يقول: بعضاً من كليب. وهذا يعني أن فرج يؤمن بفكرة السلام، ويتحول هنا العدل المطلق إلى عدل نسبي)، وفكرة العدل التي تعني بالنسبة له الحرية على كافة المستويات في التاريخ والسيرة الشعبية، والأسطورة والطقس الاحتفالي، يوضح هذه الفكرة إذ يقول "التراث العربي لم يعرف كلمة الحرية، لكنه عرف كلمة العدل بديلاً عنها، والعدل عندي هو العدل والحرية، مثلاً في مظاهرات 1919، كان المتظاهرون يرفعون شعار يحيا العدل، بمعنى تحيا الحرية (..) العدل متنوع في مسرحي، مضموناً وشكلاً، والشكل المسرحي يبدأ باختيار الشخصيات، مثلاً الملوك أم الفقراء، ولمن تطلب العدل، إن اختيار الشخصيات والمواقف اعتبارات تتعلق بالشكل المرتبط عضوياً بالمضمون". اللغة بين العامية والفصحى حاول أن يتغلب على قضية اللغة من خلال طبيعة الموضوع في مسرحياته، لذلك استخدم العامية بلهجاتها والفصحى ويرى أن اللغة "ينظر إليها ضمن سياق العمل الفني وبما ينسجم مع عناصره المختلفة بما فيها المتلقي، وتشكل مع مجمل هذه العناصر نسيجاً عضوياً متضافراً، يحقق مستوى جمالياً عالمياً"، وحقق في الوقت نفسه الغاية التي يتطلع إليها الكاتب، وعلى هذا فإن اللغة في مسرح فرج قد تمايزت عن لغة الحياة اليومية، سواء في مظهرها، أو في وظائفها، وهذا الاستخدام للغة في العمل الإبداعي هو ما يطلق عليه أسلوب التعبير، فاختار لكل مسرحية لغة تناسب المرحلة التي يتناول فيها موضوعاته، و بذلك كتب بمستويات لغوية متعددة، فمن العامية المصرية ولهجاتها إلى الفصحى، مثلاً كتب مسرحية "سقوط فرعون" بلغة فيها مسحة من الأدب الفرعوني، ولغته القديمة، ومسرحية "حلاق بغداد" كتب بلغة تنتمي إلى جماليات لغة ألف ليلة وليلة، ومسرحية "سليمان الحلبي" كتب بلغة تميل إلى لغة الجبرتي والأزهر، ونلاحظ أنه في "الزير سالم" تميز بجزالة وبلاغة الشعر الجاهلي، وفي مسرحية "رسائل إلى قاضي أشبيليا" يلاحظ القارئ مفاهيم قضائية ولغة القوانين تسيطر عليها، كما أنه استخدم اللهجة المصرية في مسرحية "عسكر وحرامية" و"الفخ" و "أغنياء فقراء ظرفاء"، وكتب بلهجات متعددة لبنانية وفلسطينية مسرحية "النار والزيتون" وهي مسرحية تسجيلية، وبنظرة سريعة يلاحظ القارئ أن فرج كتب في كل أنواع الكتابة المسرحية، وكأنه يريد إكمال ما بدأه الكاتب توفيق الحكيم، فضلاً عن كتاباته في مجال الرواية والقصة القصيرة والنقد والترجمة. الولادة ولد ألفريد فرج في محافظة الشرقية بمصر عام 1929، حصل على ليسانس في الأدب الإنكليزي من جامعة الإسكندرية عام 1949، عمل صحفياً وناقداً أدبياً في عدة مؤسسات صحفية، منها مجلة "روز اليوسف" و"التحرير"، وفي جريدة "الجمهورية" والأهرام"، شارك في العديد من المهرجانات المسرحية التي كانت تقام على مساحة الوطن العربي الكبير منذ الستينات، وكان من المشاركين الفعالين في مهرجانات دمشق المسرحية منذ الدورات الأولى، وترأس جلساتها في مناقشة الندوات الفكرية. حصل على العديد من الجوائز منها، جائزة الفن والمعركة عام 1956، جائزة الدولة التشجيعية عام 1965، وسام العلوم والفنون عام 1966، درع الرواد في اليوبيل الذهبي للمسرح القومي في مصر 1985، ميدالية الإبداع من مهرجان قرطاج المسرحي 1989، جائزة الدولة التقديرية في الآداب عام 1992، جائزة المسرح التجريبي عام 1993، جائزة القدس وجائزة سلطان العويس وغيرها. استلهم أعماله من التاريخ والتراث العربي، وقدمها بإسقاط معاصر مثله مثل سعد الله ونوس، اللذين تأثرا بمسرح بريخت في ملحميته، إلا أنهما يختلفان عنه، لاختلاف البيئات والسياق والواقع الراهن، كان فرج يبحث في مسرحياته عن الهاجس القومي وكيفية تأكيده وترسيخه مع العصر الذي يعيش فيه. يقول في أحدى مقابلاته "زعزعت البناء الصارم والتقليدي للغة، كان عزمي على مسرحة اللغة بعد أن وصلت إلى حد النموذجية القاتلة، فكان هدفي أن أقاوم هذه النموذجية، وأخلق بناءً لغوياً جديداً يتناسب مع أفكاري التي أود طرحها". التجريب والتجديد يعتبر فرج من المجددين والتجريبين في التراث والتاريخ العربي، ونتج عن ذلك قراءته للواقع من خلال التراث والتاريخ، يرى أن التجريب له شرعية وجود في زمن ازدهار المسرح أو في زمن انحساره وهبوطه: "التجريب هو الذي أحيا نصوص العصور الوسطى، وبعض أعمال شكسبير المبكرة، وكل مرحلة مسرحية هي مرحلة تجريبية حتى تستقر وتترسخ تقاليدها، ويصبح التجريب هو الخروج على هذه التقاليد ترسيخاً لتقاليد أحرى جديدة"، طالما ارتضت الفنون، التعددية واعتبرتها من سمات الإبداع، وأتاحت الفرصة للجيل الجديد أن يصنع ما يشاء، فإذا نجحت تجربة واحدة من عشرة تجارب، فهذا يعد مكسباً حقيقياً للمسرح، يتساءل فرج هنا، بعد اللغط الذي أحدث حول التجريب في النصوص أم في العروض المسرحية يقول: "هل يعرف تاريخ المسرح وتطوره أسماً لمخرج قد طور المسرح ووضع نظرية فيه، دون الاعتماد بشكل أساسي على النص المسرحي؟". دأب مسرح فرج على روح المغامرة في الشكل، فالشكل الفني هو جوهر التغيير الفكري للمجتمع، عاش فرج مرحلة النهضة والتنوير والتحرر الوطني والثورة العربية، واقترن مسرحه بحركات سياسية، وبصورة أشمل، ارتبط مسرحه بالحركة الاجتماعية في مصر ومن خلالها بالحركة الاجتماعية في الوطن العربي، لذلك تصلح أعماله في أي بقعة على أرض عربية وهذا ما تلمسه المتابع لنصوصه المسرحية، بأنها عرضت على كافة خشبات المسارح العربية منذ الستينات ـ العصر الذهبي للمسرح العربي ـ حتى أنها عرضت على خشبات المسارح العالمية، وهو الذي رأى أن الاهتمام بالمسرح، بصفته العالمية والقومية وقد عرضت مديرية المسارح والموسيقا في سورية، العديد من نصوصه منذ الستينات وآخر أعماله على خشبة المسرح «حلاق بغداد». إن مسرحيات ألفريد فرج هي في جوهرها، دعوة ملحة وصادقة إلى قراءة الواقع ومساءلته والانخراط فيه، إنها دعوة إلى الدخول في الواقع والتاريخ، فكراً وممارسة، ومسرحه يستعيد التاريخ لدراسته واستنباط حركته وقوانينه، فأنها لا ترمي من ذلك إلى التأكيد على أهمية الوعي التاريخي فحسب، بل إنها ترمي أيضاً إلى تقديم إضاءتها ومساهمتها في مشكلات الواقع. أخيراً نجح الكاتب في تقديم مفهوم خاص للتراجيديا، كما يرى الناقد مصطفى عبود، أفاد في صياغته من مثاقفته المبدعة والأصيلة مع نماذج وتيارات هامة في تاريخ المسرح العالمي، خاصة التراجيديا الأغريقية، والتراجيديا الشكسبيرية، ومسرح بريت الملحمي والتيارات المسرحية الحديثة، يضاف إلى ذلك أيضاً إفادة ملحوظة من التراث العربي والتاريخ الشعبي، وقراءته الدقيقة للواقع العربي وقضاياه الهامة والراهنة، بحيث قدم عبر بنية مسرحياته مداخلة فنية عميقة وحواراً خصباً مع مرجعية هذه البنية ومقاربة الواقع العربي المعاصر. أعماله المسرحية كتب ألفريد فرج العديد من الأعمال المسرحية وغيرها، وعرضت له في مصر أول عمل مسرحي هو "سقوط فرعون" في الموسم المسرحي لعام 1957ـ 1958. بينما أول عمل مسرحي كتبه "صوت مصر"، ثم "سقوط فرعون"، وتتالت مسرحياته، منها حلاق بغداد، سليمان الحلبي، الزير سالم، على جناح التبريزي وتابع قفه، عسكر وحرامية، الفخ، أغنياء فقراء ظرفاء، النار والزيتون، جواز على ورق طلاق، عطوة بن مطوة، الأميرة والصعلوك، ثورة الحجارة، وآخر عمل له شارع عماد الدين.. وأعماله الروائية هي: حكايا الزمن الضائع، أيام وليالي السندباد، إضافة إلى مجموعة من القصص القصيرة والترجمات القيمة، ودراساته حول النقد المسرحي.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية