تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


فــن النحـت المعـاصر في مصـر و العـراق «محمود مختار و جواد سليم مثالاًً»

ملحق ثقافي
13/12/2005م
د.محمود شاهين

«فن النحت المعاصر في مصر و العراق /محمود مختار وجواد سليم مثالا ، عنوان رسالة الدكتوراه التي أعدها النحات السوري سامر حويجة في المعهد العالي للفنون الجميلة بتونس بإشراف الأستاذ الحبيب بيده حصل بموجبها النحات حويجة على درجة الدكتوراه في علوم وتقنيات الفنون .

‏‏

تقع الرسالة في 923 صفحة وتتآلف من مقدمة و تمهد و ثلاثة أبواب و عشرة فصول و خاتمة تتضمن المصادر و المراجع و فهرس الصور والمحتويات. في المقدمة يثير الباحث جملة من التساؤلات التي واجهته حول فن النحت و علاقة الفنان و المتلقي في الوطن العربي بهذا الفن و الاشكالية التي تطول الوجود المعاصر لفن النحت في بلداننا العربية و الاسلامية وهي إشكالية تتعدى هذا الفن لتشمل البحث و النقد الفني الخاص به ليصبح فن النحت ذلك المغيب و المسكوت عنه .‏‏

‏‏

ويشير الفنان حويجة الى أن البحث قاده الى النحاتين الذين شذوا عن هذه القاعدة و أعادو النحت إلى موقعه الحقيقي و منهم النحات المصري «محمود مختار» والنحات العراقي « جواد سليم » وهما من الرواد في هذا الفن الذي كان يتمتع بمكانة رفيعة و هامة قبل أن يتم إقصاؤه و طالب الفنان حويجة بضرورة إعادة الاعتبار له في منطقتنا العربية التي تزخر بشواهد حية على ارتقاء و تطور فن النحت و أصالته في فكرنا الفني . في الباب الأول من الرسالة تناول الباحث موضوع النحت المعاصر في مصر -محمود مختار نموذجاً . خصص الفصل الاول منه لفن النحت المعاصر في مصر و الثاني لمحمود مختار رائد النهضة الفنية المصرية المعاصرة و الثالث للعوامل المؤثرة في فن مختار و الرابع لتمثال نهضة مصر و تمثالي سعيد زغلول أما الفصل الخامس فكرسه للقيم الفنية التشكيلية في فن محمود مختار المولود عام 1981 و المتوفى عام 4391 و الذي درس فن النحت في القاهرة و باريس و حقق أصالته من عناصر ثلاثة هي التراث و البيئة و ثقافة العصر .‏‏

‏‏

نفذ النحات مختار خلال حياته القصيرة مجموعة كبيرة من الأعمال تناول فيها موضوعات مستلهمة من التاريخ مثل «خولة بنت الأزور» و«ايزيس » و «عروس النيل » و « ملكة سبأ » و أخرى معاصرة مثل «الحزن» و «القيلولة » و « حاملة الجرة » و « المتسول » و « شيخ البلد » و « سعيد زغلول » و « الفقراء الثلاثة » و « نهضة مصر » و العمل الاخير يعتبر من أهم و أبرز أعماله النصبية الكبيرة . يرى الباحث حويجة أن أبرز العوامل المؤثرة في فن مختارهي : الفن المصري القديم و البيئة الاجتماعية المحيطة و النحت الفرنسي خاصة النحات « رودان » الذي تقاطع و مختار في ميزات عامة وكثيرة أهمها : الاعتماد على الحدث و الالهام و الانطباع السريع و الالتجاء الى التحرر من القيود السابقة و إلتقاط الحركة في لحظة معينة و إهمال دراسة التفاصيل . فقد اشتغل مختار على كافة أنواع النحت المجسم و النافر النصبي الكبير و فن التمثال و استخدام غالبية مواده وخاماته كالرخام و الحجر و البرونز . الباب الثاني من الرسالة خصصه الباحث حويجة للحديث عن النحت المعاصر في العراق - جواد سليم نموذجا . في الفصل الاول منه تناول النحت المعاصر في العراق و في الثاني توقف عند جواد سليم كرائد للحركة الفنية في العراق وفي الثالث تناول المؤثرات الفنية والحضارية في فن جواد سليم ثم كرس الفصل الرابع لنصب الحرية في بغداد و في الخامس عدد القيم الجمالية في فنه . جواد سليم من مواليد أنقرة عام 9191 و متوفى في عام 1691 . كان في عداد من أرسلوا الى باريس عام 8391 حيث قضى قرابة السنة . و باندلاع الحرب العالمية الثانية انتقل الى روما اواخر العام 9391 .و بعد حوالي السنة عاد الى بغداد و عين مدرسا للنحت في معهد الفنون الجميلة الذي كان قد افتتح حديثا و في الوقت نفسه عمل في المتحف العراقي كمرمم للتماثيل و التحف الاشورية و السومرية ولم يكن قد تجاوز الحادية و العشرين من العمر . نفذ جواد سليم العديد من التماثيل و النصب التذكارية و اللوحات المتعددة التقانات . من تماثيله «أمومة» و «الانسان و الارض» و «السجين السياسي» و «فتاة » . على أن أبرز أعماله النحتية و أهمها «نصب الحرية» المنفذ في بغداد و فيه تفاصيل كثيرة تتناول الطفولة والمرأة و المفكر و الجندي و الثكلى و الحصان . يرى الباحث حويجة أن عمل جواد سليم الختامي «نصب الحرية» اختزل بعمق، تجربته وفكره، واهمية هذا الفنان كمشروع، تنبع من كونه مشروع طموح لم يتوقف عند فطريته، ليتجاوزها الى السعي لخلق فن عربي جديد يتناسب والطموح الوطني والقومي، في الاستقلال وبناء الكيان الجديد للشخصية الفنية. أما على صعيد الرسم والتصوير الذي تمثله بأمانة سلسلة لوحات «البغداديات» المنفذة في فترة الخمسينيات من القرن الماضي، فقد اختط جواد سليم لنفسه اسلوباً فنياً خاصاً يمكن تحديد ملامحه بالنقاط التالية: اقصاء المنظور، واهمال البعد الثالث،اهمال التشريح ومقتضيات الحركة الواقعية، المبالغة في استخدام الاقواس والاهلة، التأكيد على الشكل وذلك من خلال الخطوط المؤطرة، استخدام الزخرفة الاسلامية،وإقحام الكتابة، استخدام الالوان الصريحة البراقة والزاهية. الباب الثالث من الرسالة، حمل عنوان« مقاربات» وفيها انتهى الى ان محمود مختار وجواد سليم تجربة واحدة، من حيث التأثير الكبير الذي لعبته التجربتان في التجارب التشكيلية العربية،حيث تركتا تأثيراً واضحاً في التجارب الفنية التي جاءت بعدهما. ثم تعرض الباحث حويحة لموضوع الفنان وعمله الفني بين «الأنا» و«الهو» توقف بعدها عند العناصر التشكيلية،والشكل العام، ودور الفنان في قيادة التجمعات الفنية. وفي الخاتمة، ينتهي الى حقيقة تقول ان محمود مختار وجواد سليم، بكل ما يتمتعان به من امكانات فردية خاصة ومواهب فذة، ليسا حالتين فردتين في تاريخ الحركة التشكيلية العربية المعاصرة، ويمكن لنا مصادفتهما مرات ومرات، والظروف التي خلقتهما ليست ظروفاً استثنائية ويمكن استعادتها وخلقها من جديد،ولكن السؤال الذي يجب علينا مواجهته هو: هل نحن معنيون حقاً بخلق مختار جديد، وجواد جديد؟ المسألة ليست تكرار اشخاص المسألة هي في إعادة احياء لمشروع مستقبلي، في خلق مدرسة عربية للنحت، هذا المشروع لايكفيه مختار واحد، وجوادواحد، بل يتطلب الكثير،أهميتهما تأتي من كونهما أسسا لعودة النحت لبلاد النحت، وبشكل أصيل ومعاصر. رسالة النحات والباحث« سامر حويجة » هذه، تشكل اضافة جديدة وهامة للمكتبة الفنية العربية التي بدأت تتطور وتغتني بمثل هذه الرسائل الجامعية، التي يضعها فنانونا العرب الشباب، في اكثر من دولة عربية وأجنبية، سادة بذلك نقصاً كبيراً في التوثيق والتنظير والدراسة العلمية الأكاديمية،للحركة التشكيلية العربية المعاصرة، بكل أطيافها واتجاهاتها. غير أن الفائدة من هذه الرسائل والدراسات، لاتزال محدودة وضيقة لذهابها الى رفوف المكتبات المحلية، في الجامعة التي نفذت فيها، بحيث تقتصر الاستفادة منها، على بضعة اسماء مختصة في هذه الجامعات، ما يحتم علينا وضع اتفاقات بين الجامعات العربية، يتم من خلالها، تبادل الرسائل الجامعية، والابحاث الفنية، أو نشرها وتعميمها، عن طريق طباعتها ووضعها بين أيدي المختصين والراغبين،خاصة وان هذه الرسائل والأبحاث، استغرقت من واضعيها، وقتاً وجهداً كبيرين، وتتناول لوناً جديداً، من الثقافة العربية المعاصرة، لم تلق حتى الآن، مايكفي من الدراسة والتوثيق، رغم اهميتها والدور الجمالي والمعرفي والحضاري الكبير، الذي تلعبه في حياتنا اليومية. بقي ان نشير الى ان النحات والباحث« سامر حويجة» من مواليد الرستن عام 8691. تخرج من قسم النحت بكلية الفنون الجميلة بجامعة دمشق عام 0991، حصل على دبلوم التأهيل التربوي من كلية التربية بدمشق عام 2991، وعلى دبلوم الدراسات المعمقة من المعهد الاعلى للفنون الجميلة بتونس برسالة حملت عنوان«الانثوي في الفن التشكيلي السوري المعاصر» عام 6991، وعلى درجة الدكتوراه بالبحث الذي استعرضناه من نفس المعهد عام 4002 للفنان حويجة تجربة نحتية متميزة مع خامة الرخام والحجر، سيكون لملحق الثورة الثقافي وقفة قادمة معها.‏‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية