تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


محمد الحسن داغستاني تجــــربة فنــــية متنــــامية

ملحق ثقافي
13/12/2005م
محـــــمود مكــــــي

يعتمد الفنان في أداء تجربته الفنية على منبعين أساسيين في إنتاج اللوحة الفنية . المنبع الأول : الطبيعة الحيّة الماثلة أمامه بأشكالها المتنوعة المرئية خارجيا وداخليا ...

‏‏

والمنبع الثاني : الإنسان بكيانه الغريب المدهش بما يحويه من الخارج ومن الداخل ... ورغم العلاقات الديالكتيكية والترابط الحيوي بين المنبعين ؛ فالفنان المبدع هو القادر على تأمين التوازن المنسجم فيما بينهما بتصالح أخوي ينبع من مسؤولية الفنان ومهمته الجسيمة تجاه المجتمع والحياة ... ضمن هذا المفهوم الواسع لمهمة الفنان في الحياة يمكننا الدخول إلى تجربة الفنان ( محمد الحسن داغستاني ) الفنية لاكتشاف بعضا من أسرارها الخاصة وتفردها في الحركة التشكيلية السورية . ولد الفنان ( محمد الحسن داغستاني ) في مدينة ( حمص ) القابعة في وسط غرب سوريا والتي تطل على الغرب وهوائه الآتي من البحر ... فاكتسب بذلك عناصر شخصيته الهادئة ،‏‏

‏‏

وحسه المرهف ، ومشاعر أخلاقية تتميز بالطيب والإيثار ، وهذا ما جعله واحدا من الموهوبين بالرسم منذ طفولته ، فبدأ يتعلم الرسم بنفسه وعندما لجأ إلى الأكاديميات الفنية لم يستطع الاستمرار فيها فبقي عقله نظيفا من مفاهيم المدارس الفنية الغريبة على بيئتنا المحلية فاعتمد في تجربته الفنية على التراث العربي الأصيل ، وبعد نضوج تجربته الفنية خلال أكثر من ربع قرن ، تطور لديه مفهوم الفن التشكيلي عامة فحاول بجدية تطوير تجربته بتطوير رموزه التراثية نحو الحداثة من حيث الشكل والمضمون ليواكب عصره ... لم يستطع الفنان ( محمد الحسن داغستاني ) الإفلات التام من منابع الطبيعة والإنسان في استلهامهما مواضيعه وأشكاله ، ولكنه حاول تطويراهما بأشكال جديدة تحوي عناصر التراث العربي المعاصر ، يقول الفنان ( محمد الحسن داغستاني ) : ( أكثر مضمون أعمالي هو مستوحى من الطبيعة والإنسان عامة ، وهو سيد هذه الطبيعة ، ومن خلال تأملاتي واهتماماتي لاحظت أن هناك عددا من الرموز الهامة فيهما التي تتميز بالأخذ والعطاء ، وقد يكون عطاؤها أكثر من أخذها ، وأول هذه الرموز المرأة التي تتربع على القمة ، ثم يأتي بعدها الشجرة وبالمحصلة نصل إلى الأم الكبرى التي تضم العالم بأسره ... ألا وهي الأرض ... ) إن هذه الرموز الأساسية في أعمال الفنان ( محمد الحسن داغستاني ) كانت موضوع معرضه الحالي في صالة الخانجي بحلب ، والتي سنحاول الدخول بها إلى عالمه الفني والإنساني الواسع ... استطاع الفنان ( محمد الحسن داغستاني ) معالجة رموزه بأشكال مختلفة تعتمد في أساسها على الوحدة الزخرفية العربية المعروفة منذ القديم ، وهي ( شكل الحلزوني ) الذي يعتبر من الوحدات الزخرفية الهندسية الهامة باعتبارها تنم عن حركة متنامية غير ساكنة تحوي بين طياتها الحركة الديناميكية الدائمة التي تتجه نحو الداخل في بعض الأحيان ، وبالعكس تتجه بحركتها نحو الخارج في أحيان أخرى ... فلوحته بمجملها تتحرك بأشكالها الفنية ( الطبيعة والإنسان ) بحركة دائرية متنامية ومتصاعدة بوتيرة سريعة نحو الأعلى ... نحو الكون اللانهائي ... وهو ما يدعى بالمفهوم الفني الحديث ( فن الأرابيسك ) الذي برع به الفنان العربي ... لا شك ، انه مفهوم روحي أو صوفي في الفكر الفلسفي والوجداني يسعى إليه الفنان (محمد الحسن داغستاني ) في أعماله ... ولا شك ، بأن الفنان (محمد الحسن داغستاني) في معرضه الحالي استطاع أن يبرز في لوحاته تكوينات الألوان في أشكال متداخلة فيما بينها وتحوي الكثير من القيم الجمالية الجديدة بحيث توحي إلى النفس بقيم روحية بذات المفهوم الحركي في توليفة الوحدة الزخرفية الحلزونية ... واستطاع أن يختار ألوانه المميزة ضمن وتيرة منسجمة ومتآلفة تماما مع الأشكال الزخرفية والمضمون الفكري ، مما يؤكد لنا فيها على خبرته الواسعة وإطلاعه على طرائق التعامل مع المساحات اللونية ورصفها وتداخلها فيما بينها واستخراج درجاتها اللونية المتقاربة إلى بعضها بعضا في وحدة تكاملية تؤكد لنا من جديد على أفكاره التشكيلية الجديدة في العمل الفني الذي ينتجه في جوه الزخرفي العربي ... إن الخط المنحي الذي يكثر استعماله في أعماله ، هو من احد أهم الخطوط التي تحوي عناصر تشكيلية ونفسية قد تكون قلقة ، فيها هيجان شديد واضطراب عنيف ومتصاعدة نحو الأعلى ، وقد تكون خطوطه المنحنية هادئة ولينة وطريّة تسعى فيما بينها إلى الاستقرار والسكون ... إن الطريقة المفرطة في الجمالية التي يعالج بها الفنان (محمد الحسن داغستاني ) أعماله الفنية في معرضه الحالي بحلب ، هي الميزة الأساسية في خصوصيته التشكيلية في الحركة التشكيلية السورية ، وهو من الفنانين الذين يعتمدون على القيمة الفكرية والفلسفية أكثر من القيم الأخرى ، وانبعاث هذا الكم الهائل من وحداته الزخرفية وتنوع اللون فيها ودرجاته اللونية في أعماله الفنية ، هي التي تشعر المشاهد بالحالة الروحية أو الصوفية ، والجمالية الرصينة الثابتة ، وهذا في العناصر المتنوعة التي يأخذها من الطبيعة والإنسان ... والسؤال الهام الذي يطرح نفسه في هذه اللحظة الحرجة هو : هل الشكل الحلزوني هو شكل هندسي بحت في أعماله ، أم هو مفردة تشكيلية لها مكوناتها الفكرية والفلسفية والموضوعية ؟. إن أشكاله المتوترة والمضطربة في مجمل أعماله الحالية ، والهادئة ، والساكنة في بعضها الآخر ، تدعونا إلى طرح مثل هذا السؤال الهام ... ولكن الحلول التشكيلية التي اختارها لتقديم أفكاره ولإعطاء مفرداته سمة الترابط الحيوي بينها ، والمتناغمة تماما في الشكل والمضمون ، تعتبر حلولا خاصة به ، وهي سمة أساسية في نجاح أعماله الفنية من الناحية التشكيلية والفكرية ... ولا شك بأن الفنان ( محمد الحسن داغستاني ) أصبح يعتبر واحدا من الفنانين الذين استطاعوا إيجاد بعض الحلول الفنية لمشكلة التراث والمعاصرة في الفن العربي الحديث .‏‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية