تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


الطفــــلة

ملحق ثقافي
13/12/2005م
إيغـــــار كنيفاني

الحجارة عندما كنت ألعب وحيدة أمام باب الدار، ضربت أخي الصغير لأنه شدّ لي ثوبي، بيديه الصغيرتين جداً جداً، وهربت من وجه أمي الغاضب،

في الخارج رميت بعض الأولاد بالحجارة، لأنهم يلعبون في مكان هو لي، وركضت لأقول: خذوه أنا لاأريدها أصلاً، خذوا معه حجارتي أيضاً، وفي مكان بعيد عن ضيعتي كنت أحمل حجارة وأرميها بكل حقد وقهر وأنا أجهل الهدف إلى أن تعبت يدايّ الصغيرتان، أغمضت عينيّ، وجلست على الأرض وحيدة،أسند يديّ على التراب وأمد قدميّ أمامي، وأنا أسحب الهواء إلى صدري وأعيده فاسداً رافعة رأسي إلى الأعلى، شعرت بالهدوء قليلاً، وبالتعب أكثر، فتحت عينيّ لأرى كومةً من الحجر كوّنت جبلاً صغيراً، سعدت به وأخذت أدور حوله أصفق مبتهجة، فهذا ما صنعته يداي....... الديـــــــك في ضيعتنا الصغيرة ديك بنيّ، أنهض باكراً لأراه واقفاً على باب الدار رافعاً رأسه يصيح بشدةّ في غرفة مهجورة، يسكنها عفريت، وضعت ذلك الديك، جلست في زاوية الغر فة دون حراك أراقب ما يفعل، ثم بدأت أحرك قدميّ إلى الوراء مدثة ورائي الغبار، أضع يديّ وراء ظهري وأمدّ جذعي الأعلى إلى الأمام، وأصيح عالياً، ألتقط ما أرى على الأرض من فتات لآكله، أركض في أرجاء الغرفة، وأشرب الماء من الصحن بفمي. كان الديك خائفاً من العفريت يبحث عن مخرج، وكنت أضحك عليه. صرخت في وجهه الخائف، أمسكت عصاً وهدّدته بأن لا عفريت في الغرفة، وشرعت أركض خلفه، إلى أن أصابنا التعب، أخبرته أني ذاهبة وصباحاً سأعود لأوقظه، خرجت وحدي من الغرفة بعد أن تركت له العصا، وأغلقت الباب جيداً ورائي، عدت وحيدة أسحب قدماً لتلقحها الثانية. وهناك في ضيعتي الصغيرة لم يشعر أحد بغيابنا، أنا والديك، حتى أمي، كنت منهكة عندما تمدّدت على أول شيء أمامي، نمت دون حراك. أبعدت الغطاء عني مذعورة وركضت مسرعة إلى الغرفة وفي طريقي كان النهار ينتهي وضيعتي نائمة، وهناك في الغرفة لم أجد للديك أثراً، أصابني الرعب،فأسرعت عائدة أرمي قدماً لتسبقها الأخرى، وفي العودة كان النهار قد انتهى وما تزال الضيعة نائمة..... المطـــــــر حين يهطل المطر أخرج مسرعة من الدار إلى الأرض، هناك تحت المطر ألهو، أصنع حفرة صغيرة لتمتلئ بالماء فتصبح بحيرة، ألصق إصبعي الصغيرتين وطرف كفيً ببعضها وأرفعها إلى السماء أملؤهما بالماء وأنثرها في وجهي. يختلط الماء بالتراب فيصبح طيناً، شعور غريب ينتابني وأنا ألعب بالطين، أشعر بحنين يشدّني لأن أسكبه فوق رأسي حتى قدمي،أشكل تلالاً وأردمها. تتملّكني سعادة كبيرة، وأنا أعبث بالطين بيديّ الصغيرتين، أضحك بصوت مرتفع، أقرر العودة دون أن أعرف كم من الوقت مضى عليّ تحت المطر مع الطين..؟َ! أعود حزينةً متسخةً، رأسي مملوء بالطين، ويدايّ وقدماي بلون التراب، وملابسي لم تعد تحمل لوناً، تسارع أمي الحبيبة لتنظفني وتبدّل ملابسي، أعاندها وأبعد يديها بقوة. أنام ضاحكة حالمةً بما سيكون بعد المطر....‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية