تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


لحظةٌ مرعبة

ملحق ثقافي
13/12/2005م
عدنــــان كنفــــاني

تكتسحني ذاتي بسياطِ رهبةٍ مجهولة عندما أمسكُ القلم، أضعه نقطة أول السطر، أكتشف في تلك اللحظة المرعبة خرَسَهُ.! يصمت حولي وحوله الكون.! وتتدفق كل إشارات الدهشة والاستفهام.

ماذا جرى؟ ما الأمر.؟ جفافٌ يخنق سنّةَ قلمي، يمسحُ طيف كل خاطرة كانت قبيل لحظات تتأجج في الذاكرة.. توضّعُها صورةُ طفلٍ يُفرمُ بين طباقين من نار، نقّالات تركض في زواريب مستشفيات تحمل شقف لحم ودماء.. سيلٌ غزيرٌ من ثقافةٍ هابطة ليس لها من أمر الحال نبضة.! عويل حجارة تنهار فوق أنّات وجع.. صهيل جذورٍ معمّرة تغادر قيعانها، ودموع عجوز حفرت السنوات تصاريف ظُلمِها على جلدته يعتصر من مآقيه اليابسة قهر العمر.. حبيبةٌ تغيب في زحمة الخوف المجنون، أبٌ يلفظ قَدَرَهُ على حدّ شفرةٍ صدئة.؟ صبيّةٌ تائهة وسط زحامٍ أرعن.. تصمتُ الأصوات كلها، ثم تطفو زغرودة خنقتها موجات القهر.. ليبدأ نزف الروح.. عاجزٌ أنا.. لا أعرف كيف أبدأ، ولا من أين.؟ كيف أكتب وماذا أكتب.! العالم كله على سعتهِ يكاد يعبرُ من سمّ الخياط.. من ثغرةٍ تكاد لا تبين بين رأسي الممتلئة بالأفكار الصاخبة المرتبكة، وبين إرادتي السائبة من سيطرة رجفاتي، الرافضة حتى البدء في خطِّ حرف.؟ أي رعبٍ هذا.؟ هل انتهيت.؟ هل توقّفت سيول الشوق والرفض والحزن والفرح والحب.؟ كانت تلقيني خيبة الحلم كثيراً على امتداد رفيف وطن عائد، فأجد نفسي في حضن حبيبة، أنزف على صدرها جنوني، أتدفق شوقاً وهرباً من قهرٍ لو استسلمت له سيميتني لا محالة، فأهرب مني إليها، أجد بين ذراعيها أناي.. فأهدأ.. حتى هذه النافذة التي كانت، أغلقت متاريسها دوني، وضيّعتني بين نوبة غيرةٍ مجنونة، وبين حلمٍ أكبر منّي يعيشُ صاخباً هناك في فضاءٍ ما، أبعد من مدى جناحيّ.. لم يبق لي ركنٌ آوي إليه.. هل ماتت روحي في برزخ الضياع مرتين.؟ هل وقفت الأحداث حدّ اللامعقول وطفت فوق القُدرة.؟ كنت أكتب عنه، عن ذلك الوطن الساكن بين عينيها، أزرع قسراً في لحمها المهزوم غرسة شوقٍ لنهوض جديد.. حب جديد.. عناق جديد..! الآن تبلّدت حتى رغبات الأمل، وتيبّست بيارق النصر ولبست سوادها.. كل كلمة ستسقطُ تحت أول سُلّمةٍ صاعدةٍ إلى الحقيقة.. ربما أكبر منها.؟ ربما أصغر.؟ لكنها بعيدة عني بعد المجرّات المسكونة بحلم الغيب، قد يكون أكثر بياضاً أو سواداً لا فرق ما دام يعطيني جرعة حياة مختلفة..! هل بَعُدتْ كثيراً تلك الواصلات بين أنا والآخر.؟ هل نضبتْ صنابيرُ العشق، وتمزّقت مواثيق الصبر والوفاء وأضحت سراباً لا يطير إلا في فضاءات غدرٍ وخيانة.. وأضحت وهماً يبعدني حتى عن نزق الإيمان.؟ هل اقتربت السماء إلى حدّ لمست فيها فراغاً بعد فراغ.؟ هل أنا هذا الساكن في برج الصمت بين سكونٍ سخيف وضجيج جاعر.؟ هل أختزنُ نفسي.؟ أم تختزنني.؟ أيها العمر التائه بين ما كان وما سيكون.. هل من أحد يقول لي من أنا وسط هذا الزحام.؟ جفافٌ يخنقني.. جفافٌ يحنّط حتى وهم الأمنيات.. فهل من نجاة..؟؟:‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية