2من2 "الهيلنستية " سادنة ثقافة التنوير ! !
ملحق ثقافي 13/12/2005م هدى انتيبا البريطانية..« والبحث عن ماض حديث» تأليف «بول كارتليج» عن دار « ماكميلان» و«عصور الاسكندر» اعداد المؤرخة «لورا فورمان» عن دار« داكابو».. هيلينستية الشرق والغرب
من ابرز الاعمال التي تقصت عصور الاسكندر ومنجزاتها الثقافية في ظل الحضارة الهيلنستية لاتزال ثلاثية المؤرخ الالماني« يوهان غوستاف درويسن» (8081-4881) تحتل المرتبة الاولى من حيث الدقة والموضوعية والامانة العلمية.. ويعتبر« درويسن» مؤسس المدرسة التاريخية البروسية والمرجع المعتمد بالنسبة لتلك الحضارة.. تم جمع ثلاثيته تحت عنوان:« تاريخ الهيلنستية» ونشرت في «غوتا» لاول مرة بين العامين 7781-8781..استخدم المؤرخ الالماني تعبير« الهيلنستيةللدلالة على الصفة الجديدة للحضارة الناشئة بعيد فتوحات الاسكندر وانتشرت فوق رقعة جغرافية دعيت« العالم القديم» وهي حضارة التصق اسمها بالحضارة الاغريقية التي ما أن اتصلت بمثيلاتها في بلاد الشام وفارس والهند والسند حتى تبنت العديد من خصائص الاخيرات.. لتشهد تغيراً وتجديداً في بناها وتغدو من ثم عالمية الطابع والهوية.. طرح« درويسن» في ثلاثيته الوظيفة التاريخية لعصور الاسكندر والتي لم تؤد- كما اعتقدت الاوساط الثقافية الاوروبية حتى عصر الانوار- الى انحطاط الحضارة الاغريقية لابل كانت جسور مرحلة ازدهار فكري ثقافي وعلمي لاتزال معلقة حتى اليوم بين آسيا والمتوسط..ألم تشكل « الهيلنستي ة» صلة وصل بين الحضارتين اليونانية والغربية- لاول مرة في التاريخ الاوروبي- وذلك بعيد تواصلها مع الحضارات الشرقية ؟! ويرى المؤرخ الألماني «يوهان غوستاف درويسن» أن حملات الاسكندر عامل حاسم في صياغة الفكر الهيلنستي وحركته التي شملت مناحي الحياة كافة..ألم يعمل دمج الجيش الاغريقي وانصهاره مع الحشود المرافقة له من شعوب المناطق التي وصل اليها- بتشجيع من قائده الاسكندر- على تلاقح ثقافات تلك الاطراف وتبادل خبراتها وتدشين حوار أممي فريد من نوعه ؟! ومن ابرز المحطات التي توقف عندها «درويسن» مدينة « كورنتوث» وانطلق منها الفاتح المقدوني ليعبر مضيق الدردنييل فيتوقف في «غارنيك» و«إيسوس» قبل « صور» في طريقه الى مصر ليؤسس مدينة« الاسكندرية» ويزور واحة« آمون» ثم يعود ادراجه فيجتاز الفرات ودجلة حيث مهد الحضارات وليحتل« بابل» و«سوسة» ويحرق «بارسا» (بيرسوبوليس) ثم يصل الى نهر الهندوسي فينتصر على « بوروس» ملك البنجاب عام 623 ق.م الذي تحول من عدو للاسكندر الاكبر الى صديقه.. رجع مع جيوشه الى «بابل» براً بينما« نيارك» قائد قواته البحرية ( الكريتي المولد والأشهر في عالم البحار في القرن الرابع ق.م) يسوق اساطيله لتمخر تلك البحار والانهر مروراً بسواحل حوض المتوسط وبحري العرب 523 ق.م وعُمان رافقت تلك الاساطيل قوات حليفة ناصرت «الهيلنستية» الصاعدة في رحلتها الطويلة تلك فما أن اسس الاسكندر عشرات المدن في كل من سورية والعراق ومصر وايران وارمينية وأفغانستان وباكستان والهند حتى تدفق اليونانيون من علماء وتجار وحرفيين اليها يتزاوجون ويقيمون مرابعهم في ديارها على غرار: «هيرات» «وقندهار» و«الاسكندرية» اشهرها = ورأت النور عام 133 ق.م لتتحول ايام البطالمة الى مركز ادبي وفني متقدم في الشرق والغرب واهم محطة للحضارة الهيلنيستية في حوض المتوسط ذاع صيت منارتها وارتفعت الى 004 قدم ومكتبتها في ارجاء العالم القديم لارتياد قامات الفلسفة والشعر والمسرح لصالاتها حتى تم احراقها على يد «يوليوس قيصر» يتابع« درويسن» تطور حوار الثقافات المدعوة بالهيلنستية في الجزء الثاني من ثلاثيته في حين يدرس في الجزء الاخير العوامل التي تركت بصماتها في هذا الفكر الحضاري الناشىء بعد ان حققت الهدف الذي أراده الاسكندر الاكبر في صهر المفاهيم والمعارف الغربية والشرقية في بوتقة واحدة..وهو ما سعت اليه محاولات كل من « بيرديكاس» و«بوليبرشون» في الغرب و«أوميين» في الشرق لاحقاً من خلال إعادة إحياء تركة الاسكندر بتوحيد تلك الثقافات من جديد.. الحركة الإنسانية يعود اول مؤلف تناول المنجزات العمرانية والفنية والثقافية التي تميزت بها الحضارة المدعوة بالهيلنستيةللفيلسوف اليوناني« كاليستين» مؤرخ البلاط في مدينة «بيلا» مسقط رأس الاسكندر الاكبر انكب هذا المؤرخ على كتابة المسيرة المعجزة كما دعاها على شكل رواية بطولية عرفت شهرة واسعة في المناطق الشرقية من الامبراطورية التي شيدها القائد المقدوني وترجمت الى اللغة اللاتينية كذلك الامر بالنسبة لقصص «كلبتارك» في القرن الرابع ق.م وجمعت في 21 كتاباً تحت عنوان:« قصص الاسكندر» وتطرقت الى رؤيته النور في « بيلا» عام 653 ق.م وكيف كان والده قاسياً في تربيته بينما احاطه والدته السلطوية بعاطفة خانقة..لكنه سرعان ما تبؤ مقاليد الحكم ليسجل له التاريخ المنجزات التي حملت اسمه وترددت اصداؤها عبر عصور الاسكندر صهرت تلك المنجزات الفكرية والاجتماعية والتي حطت في جنوب شرق آسيا مروراً بالآسياويتين الصغرى والوسطى- شعوبها في بوتقة ثقافية واحدة. ويؤكد المؤرخون ان شدة تعلق الاسكندر الثالث بالشرق وسحره تقف وراء تلك المنجزات فقد كان هذا القائد محارباً من نوع خاص.. ابتعد عن نهب ثروات الحواضر التي وصل اليها ليقيم العدل بين جنوده وأهالي تلك الديار التي وطأتها قدماه.. ألم ينخرط في صفوف قواته مقاتلون غرباء من المدن المفتوحة لتتجاوز نسبتهم الخمسين بالمئة من أفراد جيشه؟ ألم تتمخض حملته الى الشرق عن تدشين مدائن هندستها شبيهة بتلك المنتشرة في بلاد الاغريق !؟ فقد رافق تلك الحملات: مهندسون معماريون عملوا على تشييد المعابد والقصور والمسارح/ الملاعب والاسواق والطرقات حسب الاسلوب الهيليني .. وزع الاسكندر وجنرالاته من بعده الذين ورثوا امبراطوريته الثروات التي وقعت بين ايديهم دون تمييز بين الافراد لابل اسقطوا الحواجز بين فئات المجتمع الواحد على امتداد البلاد المفتوحة وامتدت من اعمدة هرقل( مضيق جبل طارق اليوم) الى النهر الاصغر في الصين. لم يستخدم الاسكندر الاسرى كدروع بشرية إنما دفعهم للانضمام الى قواته والانخراط في المجتمع الهيلينسي الجديد لم يضطهد النساء والشيوخ والاطفال ولم يعمد الى تصفيتهم وانما احترم تلك الشرائح ووفر لها سبل العيش بحرية من خلال تزويج الارامل من النسوة وتبني الاطفال اليتامن كما قالت المؤرخة« كلود موصيه» في دراستها وظهرت العام تحت عنوان «مآثر الاسكندر» عند دار« بايو» الباريسية وتؤكد «موصية» ان فتوحات المقدوني ولدت مواقف انسانية لارجعة فيهاولايمكن تجاهلها. إذ عملت على تغيير لغة الخطاب الثقافي للعالم المدعو بالقديم.. ثم تطرقت المؤرخة الى تمثل تلك الشخصية خلال العصور الكلاسيكية والوسطى وصولاً الى القرن الثامن عشر من خلال قراءة عدد من المؤرخين لتأثير الحضارة الهيلنستي ة على عصري النهضة قبل خمسة قرون من الآن والأنوار في اوروبا.. أما «أوليفية باتيسيتني» و«باسكال شارفيه» فقد ذهبا الى أبعد من ذلك في «معجم تاريخ الاسكندر وعصره» الصادر عن دار« لافون» الفرنسية.. ليتوقفا عند دور الشخصيات التي دارت في فلكه الى جانب شهود العيان الذين عاصروا المرحلة الهيلنستيةويذهب صاحبا المعجم الى ان الثقافة الهيلنستية عملت على قيام نظام انسان عالمي وريث حضارة الفرس الاخمائيين؟!! ألم يطلق الاسكندر العرس الجماعي وتعتمده عشرات الشعوب في انحاء المعمورة اليوم؟ ومن المشاهير الذين ورد ذكرهم في هذا المعجم نذكر:المؤرخ« كينت كورش» وزميله« بلو تارك»والفلاسفة «كاليستين» و«إبيكيت» و«ديودور» و«بلين» صاحب دائرة معارف العلوم القديمة و«آبيلي» اهم فنان تشكيلي في عصره عاش ورسم بورتريه الاسكندر في بلاط هذا الاخير راعي هذا الادب والفنون و«بطليموس»aحاكم مصر وسورية و«بار منينون» و«أنتيفونوس مونو فتلموس» (وهؤلاء الثلاثة من ابرز جنرالات الاسكندر الاكبر) اضافة لمعلمه ارسطو صديقه في حداثته وشبابه وهو فيلسوف اغريقي اسس علم المنطق والفيزياء والتاريخ الطبيعي.. يقول المؤرخ الفرنسي « لوسيان جيرفاينون» صاحب اكثر من عشرين كتاباً حول الفلسفة الاغريقية في مؤلفه:« في جنان الحكماء» اليوم:« انطلاقاً من الصف السادس يدرس التلاميذ في المدارس الاوروبية عصور الاسكندر الاكبر ولادته في قصر والده فيليب الثاني ملك مقدونية اليونانية ( هناك مقدونية بلغارية وثالثة يوغسلافية).. والدته أولمبياس ابنة ملك« إيبير» قبل ان يكتشفوا انه ناقش مربيه المشائي ارسطو في سن العاشرة وفتح ربع الكرة الارضية ولم يتجاوز سن الثلاثين بعد ان اصبح جنرالاً في العشرين من عمره.. جمع الاسكندر في حاشيته عشرات الفلاسفة والمؤرخين والشعراء والموسيقين والمسرحيين والفنانين التشكيلين والمهندسين الذين رافقوه الى آقاصي المعمورة لمعرفة هل تنتهي المسكونة الى فراغ ام ماذا ؟ سؤال طرحه« بيرون» من اوائل الفلاسفة المتشككين اليونانيين (563ق.م-572ق.م) وهو صاحب نظرية التجديد والتدوير المستمر للطبيعة يقول «بيرون» :« من الصعوبة بمكان اكتشاف وبلوغ الانسان الحقيقة المطلقة لذلك يكتفي بالمظاهر اما الحكيم العاقل فلا يطلق احكاماً نهائية من هنا جاءت تسمية «عصور الاسكندر» بعهود التجديد والتطوير ..ألم يؤكد هذا القائد على قيمة الانسان وقدرته على تحقيق ذاته وتحديث رؤيته للحياة من خلال حوار الثقافات وذلك قبل 0032 سنة من الان ؟ ألا تقف هيلينستية الاسكندر وراء انبعاث الحركة الانسانية كما تجلت في عصور النهضة الاوروبية ؟! شهادات لاتزال حية «لم تأت تلك الحركة الانسانية من فراغ».. يقول «روي ستيورت» المدرس في جامعة «هارفرد» الامريكية الذي خص «الهيلنستيةبدراسة عنوانها« العصور الهيلنستي ة» عن مطبعة الجامعة المذكورة: «ما أن تبعت قوات الاسكندر قائدها خلال سنوات عشر عبر الآسياويتين وشمال افريقية وبلاد البلقان حتى انتشرت أحكام القوانين والانظمة الاثينية والاسبارطية والفلسفة اليونانية وفنونها التشكيلية في بقاع تختلف أذواقها عن بلاد الاغريق.. وتُرجمت المساواة والعدالة الاجتماعية -كما يفيد المؤرخون- على أرض الواقع من خلال تدشين الاسكندر للقِران الجماعي في «سوسة» حيث تم تزويج عشرة آلاف من رجاله المقدونين لنساء فارسيات.. وترى مجموعة من الدارسين ان إحاطة بلاطه بالعلماء والمثقفين والكتبة والجغرافيين والمؤرخيين والشعراء ساهم في اعتماد الفرس على هؤلاء اليونانين لتسجيل معارك« داريوس» و«اكسيريس» «ألم تدخل كذلك حملات الاسكندر المسكوكات والنقد وأنظمة « اسبارطة» الشيوعية ( بالنسبة لتوزيع الثروات على الشعب بالتساوي).. وفلسفة «ارسطو» وفنون «كورنثوث» المعمارية.. الى ثقافات الشعوب الشرقية؟ ألم يصاب أصحابه ومرافقوه بالدهشة عندما شاهدوا قائدهم يحترم التقاليد البابلية ويمتدح أساليب معيشة الفرس ويشجع رجاله على اقتباس العادات الشرقية والتكلم بلغة سكان تلك البلاد؟! غادر هذا الملك الشاب عرشه في سن الـ 12 ولم يعد الى« بيلا» مسقط رأسه أبداً.. ليسجل التاريخ كيف قطع 0006 ميل فوق صهوة حصانه رافضاً الاسترخاء في قصر منيف والتنعم بالترف والثروة كما وصف« ستيفن بريسفايلد» الاسكندر في رواية تاريخية تحمل اسم« المقدوني» صدرت قبل ايام في لندن.. يتابع« بريسفايلد» «لم يأت استشراق الاسكندر الاكبر مجانياً... وإنما حمل له محبة جنود فارس واعجابهم بشخصيته المقدامة فرغم دحره لقواتهم في «غارينك» 433 ق.م «وايسوس» و«آربيليس» (عام 133ق.م) و«غوغامليس» (قرب ينينف الموصل اليوم) إلا انه منحهم أعلى المناصب في ادارة شؤون دولتهم ويقول« باسكال شارفيه» صاحب« معجم تاريخ الاسكندر الاكبر وعصره»:« تجاوز الاسكندر تعاليم معلمه ارسطو في انفتاحه على الحضارات الاخرى واعتناقه التقاليد الشرقية التي لم يألفها الاغريق.. فالركوع امام امبراطور فارس يخالف ما درج عليه اليونانيون الذين يحييون ملوكهم منتصبي القامة ولاينبطح انسان امام آخر مهما علت مراتبه وتؤكد المكتشفات الحديثة في معابد« قندهار» على سيبل المثال ان الهيلنستي ة =انصهار الثقافات الشرقية والاغريقية -تجسدت ليس فقط في المأكل والمشرب والملبس وانما كذلك في الحياة الفنية الموسيقية والتشكيلية والمسرحية واللغوية فالتماثيل التي عثر عليها مؤخراً داخل معابد تلك المنطقة تصور« بوذا» بملامح« آبولو» يلبس أزياء اغريقية كذلك الامر بالنسبة لفريسكات مغاور صحراء« غوبي» المدججة برسوم تلك الآلهة حيث تتداخل التأثيرات الهيلينية بالبوذية.. كما يفيد« شارفيه» في مقدمة معجمه.. ولأن العودة الى النصوص والمراجع الخاصة بعصور الاسكندر لاتخلو من صعاب ومخاطر الى جانب كونها لاتكفي لإعطاء فكرة وافية عن تلك الحقبة الزمنية لجأ الدارسون مؤخراً الى علوم الآثار واللسانيات لسد تلك الثغرة. وإذا بالاختام والنقود والفريسكات والتماثيل والنقوش الفسيفسائية تدلو اليوم بدلوها في تشخيص الحضارة الهيلنستي ة بثقافتها وفنونها.. ويوظف معجم« باتيسيتني وشارفيه» تلك المكتشفات الاثرية لقراءة عصور الاسكندر بمنظار جديد.. فاسم العلم:« صيدا» يشرح كيف تمردت تلك المدينة الفينيقية الساحلية على الفرس عام 643 ق.م مع تتويج« آبدالونيموس» حاكماً للمدينة بعد عزل ملكها« ستراتون» كذلك الامر بالنسبة لأسماء على غرار: «بعل»..«كابادو تشيا».. «بارثيا».. «داريوس الثالث» «سيوه» «بيرسيو بوليس» أما بالنسبة لـ «مقدونية» فيفيد «معجم تاريخ الاسكندر» ان عمرها قرابة 0004 سنة وأن سكانها استخدموا البرونز والحديد لصناعة الاسلحة ثم الخزفيات والصلصال القادم من كورنتوث واثينا.. ويعتبر قصر فيرجينا مضافة ثقافية للفلاسفة والشعراء والرسامين منذ تلك العصور.. افتتح ارسطو الطريق امام الفلسفة الاوروبية عبر بوابة قصر الاسكندر في «مقدونية» ألم يعثر في « إديسا» عاصمة «بيلا» المقدونية على تماثيل ورسومات وأوانٍ فخارية وبرونزية وفضية.. عمل على تقليدها فنانو عصر النهضة ؟! أما المؤرخ البريطاني «ويليام دلريمبل» فقد ذكر في كتابه:« عصر كالي» الصادر عن دار فلامنكو اللندية عام 0002 مايلي:« على تخوم أفغانستان وفوق مرتفعات تطل على باكستان المجاورة تقع «قره قورم المشرفة على نهر سيوات.. في تلك البقاع تنتشر مواقع اثرية تعود للعصور الهيلنستية الاولى.. تروي حكاية حوار الحضارات والثقافات الشرقية والغربية. ففي خريف عام 723 ق.م حطت جحافل الاسكندر المقدوني في منطقة سيوات بعد أن وصلت الى مسامعه قصص ثروات شبه القارة الهندية الاسطورية.. قصص حول ذهب تنقله أسراب من النمل الضخم لتطمره في اماكن تشرف حيوانات« الفريغن» على حراستها ويسكن تلك البقاع رجال تمتد اعمارهم الى مئتي سنة ونيف.. يمارس هؤلاء الهنود إنتاج العطور والحرير الذي ينمو على الاشجار كما أخبر رواة السير الافغان جماعة الاسكندر.. ثم يتابع المؤرخ البريطاني:« تزدحم في تلك البقاع أطلال مدينة شيدت ايام المقدوني لاتزال اعمدتها الرخامية- وتنتمي للطراز المعماري المدعو بالكورنثي- شاخصة للعيان- وفي شمال باكستان الحالية تقع معالم مدينة اللوتس= «بوشكلافاتي» الاثرية ونافست ايام الاسكندر الاكبر«بابل» العظيمة في تجارتها وفنونها.. كانت تلك المدينة عاصمة البنجاب آنذاك كما تدل القطع الاثرية المستخرجة من تحت الانقاض فهاهنا جرر وأوان وفسيفساء وزجاجيات قادمة من انطاكية السورية ورخام سماقي قادم من اعالي مصر.. وفي جنوب شرق تلك الاطلال تستلقي« تاكسيلا» الهندية.. ووصف الادميرال الاغريقي« نيرقوس» -مرافق الاسكندر- سكان تلك الحاضرة في مذكراته بشكل مضحك حين كتب يقول: الانسان الهندي من حيث الشكل نحيل الجسم ضامر البطن.. يلبس الميسورون اقراطاً من العاج في حين تصبغ غالبية سكان تاكسيلا لحاها بلون أزرق أو احمر.. في تلك الحاضرة دشن مرافقو الاسكندر وصحبه من الفلاسفة الاغريق علم الاثنولوجيا في عهده.. واطلقوا «الانتروبولوجيا» من عقالها قبل« لويس مورغن» وداروين و«كلود ليفي شتراوس» - الذين اعتمدوا اسلوب« نيرقوس» في بحثهم عن انصهار الاعراق ونشوء الانسان..ثم التقت قوات الادميرال مع خمسة عشر حكيماً هندياً عارباً من الثياب..راح هؤلاء يسخرون من جماعة« نيرقوس» وكان كل ضابط وقائد اغريقي يلبس جزمة عالية الساق تصل الى الركبة وخوذة على شكل قناع اثارت الرعب في نفوس الحكماء الهنود في بداية الا مر.. دوّن الادميرال ملاحظاته وانطباعاته قائلاً: وصلت حرارة الجو الى أعلى درجاتها دون أن يجرؤ أي جندي يوناني يومئذٍ على السير حافي القدمين فالارض نار ملتهبة.. اكتشف الحكماء الهنود على يد« نيرقوس» وصحبه:« سقراط» و«فيثاغوروس» و«ديوجين» ورغم بقاء الاسكندر الاكبر اسابيع معدودة في تاكسيلا إلا أن زيارته لها غيرت مسيرتها التاريخية كما تؤكد المكتشفات الاثرية المتواجدة اليوم في متحف المدينة.. وتعود غالبيتها للعصور الهيلنستية التي امتدت الى (0321) سنة خلت ويستمر «ويليام دلربميل» في تعليقه على تلك المرحلة قائلا:« خضعت التماثيل التي عثر عليها في تاكسيلا والموزعة في صالات متحفها الوطني للمقاييس الواقعية وكما اسستها المدرسة الفنية الاثينية.. اما النقود التي افترشت الرفوف فلم تكن سوى عملة يونانية صكت فوق صحفيتها وجوه وأسماء حكام الهند: «بنتليون» ملك شمال شبه القاره.. و«ديوميدس» ملك البنجاب و«مينياندر» ملك كابول و«هيليخليس» ملك بلخ وترمز الافاريز التي يزخر بها متحف« قندهار» لحياة هؤلاء الاغريق اليومية الذين استخدموا الاقلام المصنوعة من القصب للكتابة كما وصفهم« نيرشوس» الاغريقي في القرن الثالث ق.م ألم يشيد احفاد اتباع« نيرقوس» في «سير كاب» الواقعة عند اطراف تاكسيلا عام 091 ق.م تلك الضاحية التي تتشابك شوارعها المتصالبة حول البارثينون الهندي ذي الهندسة الدورية ؟!» فما أن توفي « الاسكندر» في قصر« بتوشدنزار» =بابل حتى وجدت الحامية اليونانية في الهند نفسها مقطوعة عن وطنها الام.. فانصهرت مع السكان المحليين لتشكل ما يسمى « مملكة الجبال» وتدعى اليوم «قندهار» مملكة عاشت الف سنة.. نحتت معابدها في الصخور ديانتها البوذية.. جمعت فريسكاتها وتماثيل اديرتها في«بيشوار» كما في «قندهار» بين «القنطور» = (كائن اسطوري نصفه رجل ونصفه فرس) و«الثرتيون»(له جسم رجل وذيل سمكة) و«الشيروب»( الملاك الصغير) كما استخدمها الاغريق.. وبين «بوذا» وملامحه الشرقية.. لتنطق بتواصل الحضارات وحوار الثقافات قبل 0051 سنة من إعلان« كيبلينغ رود يارد» الروائي والشاعر البريطاني الشوفيني( 5681- 6391) استحالة التقارب بين الشرق والغرب وهو الذي حصد جائزة نوبل للآداب عام 7091 بعد أن تبجح في كتاباته بتفوق الامبريالية الانغلو- ساكسونية على حضارات التنوير..
|