فاليهودي - الصهيوني ينظر الى وجوده في فلسطين على أنه وجود ناتج عن قوته ونفي الآخر من جهة، وعلى أن وجوده مهدد بخطر الزوال من جهة ثانية .
إن وعي اليهودي الصهيوني بذاته على هذا النحو جعله كائناً سلبياً تجاه الحياة ، تجاه حياته ، وتجاه حياة الفلسطيني والعربي عموماً، سلبياً تجاه حياته لأنه معرض دائماً للموت من أجل أن يوجد دولة وتجاه الآخر الفلسطيني والعربي لأنه يعتقد أن الآخر هذا يجب أيضاً أن يموت.
وهكذا فإن إسرائيل كدولة هي التحقق العملي لثقافة الموت ، ضد ثقافة الحياة، ووجودها يحمل الفلسطيني والعربي هو الآخر على أن يموت من أجل الدفاع عن نفسه ضد الموت.
ولعمري أن طريقة شن اسرائيل كدولة عدوانها على الشعب العربي وعلى العربي الفلسطيني لا علاقة لها بفن الحروب وأهدافها، وإن كانت حروبها تحمل أهدافاً سياسية ما.
إنها طريقة اعدام الحياة، فعبر ثقافة الموت التي تربى عليها اليهودي - الصهيوني فإن الحرب بالنسبة إليه هي موت الآخر : شيخاً ، طفلاً ، امرأة ، رجلاً مسالماً ، نباتاً ، حيواناً ، بيتاً وعشاً.. ولأنه يقيم في قلب ثقافة الموت فهو يقيم في بيتٍ، ملجأ، وسوّر ، وبرج مراقبة، وأسلاك شائكة.
إن اسرائيل هي الدولة القلقة القديمة لكل معناها، مع فارق أن القلعة كانت تحمي المدينة ، أما الصهيوني - اليهودي فالدولة هي القلعة.
السياسة الأوروبية والأمريكية تريد لليهودي - الصهيوني أن يبقى همجياً ولهذا تريد لهذه الدولة العنصرية - القلقة أن تبقى ، وفي ذلك مصلحة استراتيجية له.
إن الشرط الأول لاستعادة اليهودي - الصهيوني ذاته بوصفه إنساناً هو زوال دولته اللاإنسانية ، إن زوال دولة اسرائيل تحرير اليهودي من ثقافة الموت، بل لا يمكن أنسنة اليهودي - الصهيوني مع بقائه فرداً في دولة اسرائيل.
استعادة اليهودي لحالته الطبيعية كإنسان ينتمي الى القرن الحادي والعشرين لن يتم إلا بزواله فرداً في دولة غير طبيعية ، وبالتالي : إن تحرير اليهود غير ممكن إلا بزوال دولة اسرائيل، واستعادة ثقافة الحياة في المنطقة غيره ممكنة دون الانتصار على دولة ثقافة الموت.
ولأننا نريد أن نعيش ، ونريد للحياة التي نحب أن تكون سعيدة لنا ولغيرنا فيجب بالضرورة أن تزول ثقافة الموت.
وعندي أن كل من يدافع عن استمرار وجود اسرائيل أو عن ضرورة التعامل معها كدولة طبيعية إنسانية هو عملياً ضد ثقافة الحياة ومع ثقافة الموت.
فاسرائيل هي الموت المتربص خلف أبوابنا دائماً ، ودون سياسة تقوم على ضرورة ذلك لابد للصراع بين الحياة والموت إلا الانتصار على الموت.
فهل الضرورة الحيائية والمنطقية لزوال اسرائيل تقود الى تصور امكانية زوالها العقلي ، نعم، زوال اسرائيل أسهل مما يُظن، لكن الأمر يحتاج الى من يؤمن بهذه الحقيقة ، لا نحتاج الى تحليل ولا الى محللين : إن مقاومة شاملة عربية مسلحة بإرادة الانتصار وبهدف إزالة هذه الدولة كفيل بأن يحقق زوال هذه الدولة.
لأن هذه المقاومة بدورها ستخلق لدى اليهودي صدمة وعيٍ بذاته كفيلة بأن تنقله من وحش الى إنسان يريد أن يعيش دون دولة متوحشة.